اللغة العربية ووزيرة الحمى…
د. فؤاد بوعلي
هوية بريس – الخميس 04 يونيو 2015
تناقلت العديد من المنابر الاعلامية المغربية والعربية إعلان الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة، حكيمة الحيطي، على هامش مؤتمر حول المناخ بالصخيرات، بأن حديثها باللغة العربية يصيبها بالحمى. وتفتح هذه الحادثة الباب أمام مساءلة الحكومة المغربية ومدى التزامها بالنص الدستوري بل مدى تمثيليتها للمغاربة. لذا ينبغي الإشارة إلى ما يلي:
1. تثبت هذه الحادثة، ما أكدناه مرارا، بأن وزراء حكومة السيد بنكيران لم يتفننوا في شيء أكثر من تفننهم في احتقار اللغة الرسمية للدولة. إذ نتذكر إنكار وزير التربية الوطنية معرفته باللغة العربية، وإصرار الوزراء، بما فيهم رئيسهم، في كل ملتقياتهم الوطنية والدولية على الحديث بلغة موليير كما حدث في المناظرة الوطنية لتغير المناخ وفي افتتاح المعرض الدولي للكتاب للسنة الماضية. بل لا يجد أحدهم حرجا عندما يلقنه الأجانب دروسا في الاعتزاز باللغة الوطنية كما حدث للوزير المنتدب لدى وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي المكلف بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم حين تحدث باللغة الفرنسية أمام المؤتمر الاستثماري لشراكة دوفيل، الذي نظمه البنك الإسلامي للتنمية، في حين أصر السفير الروسي فاليري فوروبييف، على استعمال اللغة العربية على الرغم من عدم إتقانه لها وتلعثمه الشديد أثناء حديثه بها، بل إن السفير الروسي طُرح عليه سؤال بالروسية لكنه أجاب باللغة العربية. الأحداث كثيرة والإصرار يتأكد يوميا على رغبة الوزراء إثبات ولائهم الكامل للفرنسية.
2. تؤكد الحادثة أننا أمام صنف من المسؤولين لا يعرفون شيئا عن المسؤولية السياسية والمجتمعية. فهم لا يفقهون بأنهم يمثلون وطنهم ودولتهم ومجتمعهم، ومن ثمة فأي تصريح لا يقدم باعتبارهم الشخصي بل من منطلق هذه المسؤولية السياسية والاعتبارية. وأهم ابجديات المسؤولية الاعتزاز باللغة الرسمية واحترام مقتضيات النص الدستوري وتوافقات المغاربة في لغة شكلت على الدوام أحد أهم دعائم مشتركهم الجمعي إلى جانب العقيدة الإسلامية والملكية. وأي مس أو احتقار للغة الضاد هو احتقار لكل المغاربة وتاريخهم المشترك. وعليهم أن يأخذوا العبرة من اسيادهم الفرنسيين ففي إحدى قمم المجموعة الأوروبية ، وقف رجل الأعمال الفرنسي ايرنست انطوان سيلييه يلقي كلمة باسم رجال الأعمال الأوروبيين، وفوجئ الرئيس الفرنسي شيراك أن مواطنه إيرنست بدأ بإلقاء الكلمة باللغة الانجليزية، لغة شكسبير، فقاطعه قائلا: لماذا لا تلقي كلمتك بلغتك الأم؟ فرد إيرنست “سألقي الكلمة باللغة الانجليزية، لأنها لغة البزنس”، وغضب شيراك وغادر القاعة مع قائلا: “لقد انسحبت لكي لا أستمع إلى كلمة شخص لا يحترم لغته”.
3. إن الحمى التي أصيبت بها السيدة الحيطي والتي أعطتها الجرأة الكافية لضرب الدستور المغربي وبرنامج حكومة هي عضو فيها، تؤكد أننا أمام صنف من المسؤولين لا يعرفون مكانهم الحقيقي ولا يتوفرون على الأهلية القانونية لإدارة شؤون الوطن والمواطنين. فكيف يمكن ائتمان وزيرة لا تحترم لغتها الدستورية وتصر على إهانة وطنها؟ وكيف يمكنها النهوض ببيئة وطن هي ناكرة له وللغته؟ والنتيجة هي: كيف يمكن الثقة في حكومة تصر كل يوم على نقض برنامجها وإهانة لغتنا الرسمية وتقديم الدلائل على انتمائها لوطن آخر غير وطن المغاربة؟
4. إن تكرار هذه الأحداث وصمت رئيس الحكومة عليها بعد مبايعة المركز الفرنكفوني خلال الزيارة الأخيرة لباريس، وتوالي تنزيل مشاريع فرنسة المغرب تعليما وإعلاما واقتصادا وتأكيد ذيليته للمستعمر القديم/ الجديد يسائل التجربة الحكومية برمتها وشرعية وجودها. فالمغاربة اختاروا هويتهم حين اختاروا الدستور، لكن ما يحدث الآن وفي ظل حكومة العهد الجديد، هي حرب مطلقة على النص الدستوري، وانقلاب حقيقي على قيم الهوية الوطنية التي ناضل من أجلها رجال الحركة الوطنية والمقاومة المغربية. أما آن لهذه الحمى أن تتوقف؟