استهداف سمعة أهل القرآن.. (لْفْقيه وتهمة البيدوفيليا)
هوية بريس – حماد القباج
لما أشرق نور القرآن الكريم على العالم؛ انزعجت الخفافيش التي لا تتحمل العيش إلا في ظلام الفساد والشر؛ فبدؤوا يسعون لإطفاء ذلك النور والرجوع بالعالم إلى ظلمات الجاهلية: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8، 9].
أما الأوصياء على الوثنية فأكدوا تمسكهم بفسادهم وأعلنوا حربا على الإصلاح القرآني: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26].
وأما المنافقون؛ فحاولوا إطفاء ذلك النور من خلال الطعن في سفرائه، وتنفير الناس من حملته ودعاته:
قال عبد الله بن عمر: قال رجل في غزوة تبوك: (ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء: أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء).
فقال رجل في المسجد: “كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن.
قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقا بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
لقد فُضح أولئك المنافقون الذين اتخذوا التهكم بالقراء والتنقيص منهم وسيلة لإطفاء النور الرباني، وإيقاف حركة الإصلاح القرآني؛ وصاروا مكشوفين للمجتمع الإسلامي المحب للقرآن الكريم كلام الله، ثم ألقى بهم التاريخ في مزبلته، وبقي سفراء القرآن في مقامهم العلي وشرفهم السَني ..
والتاريخ يعيد نفسه: فكلما شعر المنافقون والذين في قلوبهم مرض، بنور القرآن ينبعث في بيئة أو مجتمع؛ يرجعون إلى سيرة أسلافهم في محاربة القرآن بالنيل من سمعة أهل القرآن، والسعي لتشويهها استكبارا في الأرض ومكر السيء؛ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
في هذه الأيام: تم افتعال قضية “فقيه الزميج”، حيث نشر موقع الكتروني، يوم الأربعاء الماضي فيديو يزعم فيه آباء وأمهات تعرض بناتهن للاغتصاب بمدشر الزميج بضواحي مدينة طنجة، من طرف “الفقيه”!
ومع أن القضاء لم يقل كلمته؛ قام المناهضون لتعليم القرآن الكريم بحملة تشويه واسعة، وألصقوا التهمة بالفقيه مع وجود قرائن على كون القضية مفتعلة؛ حيث أكدت زوجة الفقيه المتهم براءة زوجها، وأن السبب في هذا المشكل هو النزاع على مسجد “أحمد بن عجيبة”، وأن أهل المنطقة يهددونه لترك المسجد، فلما رفض أوقعوه في هذا “الفخ”؛ مشددة على أن زوجها مظلوم ولم يرتكب أبدا تلك الأفعال التي يتابع على خلفيتها، وأن عمها وزوجته هما المتهمان الرئيسان في تلفيق هذه التهم للفقيه، بل إن المشتكيات من نفس الأسرة !!
كما أن أب الفقيه صرح بأن ابنه كان “مشارطا” لعشر سنوات، ويحظى بسمعة حسنة، إلا أن بعض أهل الدوار ظلموه وحاولوا النيل منه وإبعاده من مهنة تحفيظ القرآن الكريم، فكادوا له ظلما وزورا ..
إنه نموذج جديد لتوظيف الأخبار القدحية عن بعض المنتسبين إلى أهل القرآن، للتنفير منهم وتحجيم حضور القرآن الكريم في المجتمع.
وهنا نتساءل: من هم أهل القرآن؟
إنهم أناس آمنوا بالقرآن ورسالته النورانية، وبذلوا مجهودهم للتشرف بحفظه في صدورهم، والإسهام في نشر تلك الرسالة الربانية المصدر، الإصلاحية المقصد ..
أهل القرآن هم الذين قادوا إحدى أكبر الحملات الإصلاحية في العالم؛ وبالقرآن أخرجوا البشرية من واقع الظلام والفساد والتخلف والخرافية … إلى واقع الصلاح والتوحيد وبناء الحضارة ..
أخرجوهم من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الأنظمة المهيمنة بالشر إلى عدل نظام الإسلام ..
أهل القرآن هم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعائشة وفاطمة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وغيرهم من الصحابة وأهل البيت الذين شرفوا هذه الأمة، وجعلوا العرب في صدارة الأمم بعد أن كانوا في هامش الوجود وذيل الحضارات .. رضي الله عنهم.
أهل القرآن هم من تبعهم بإحسان من التابعين والعلماء والمفكرين والمجاهدين والفاتحين وعموم الصالحين الذين تخلقوا بأخلاق القرآن؛ ففتحوا بها القلوب، ودخل بسببهم ملايين العجم في دين الله أفواجا ..
أهل القرآن هم الحسن البصري والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك والبخاري وابن جرير ومسكويه والراغب وابن البناء وابن رشد والغزالي وبن ياسين وبن تاشفين وابن الهيثم وابن البيطار وابن تيمية وابن القيم .. والآلاف من أشباههم من علماء الأخلاق والفقه والتفسير والحديث والفلسفة والطب والرياضيات والهندسة .. الذين ملأوا الدنيا علما نافعا وفكرا نيرا وأخلاقا عالية …
أهل القرآن هم عبد الله السنوسي وأبو شعيب الدكالي وبلعربي العلوي ومحمد المكي الناصري وعبد الله كنون والمختار السوسي .. وغيرهم من علماء المغرب الذين شرّفوا هذا القطر الإسلامي بمواقفهم الإصلاحية ونضالهم ضد الاحتلال والفساد …
أهل القرآن هم أولئك الفقهاء والطلبة الذين رابطوا في الكتاتيب والمحاريب؛ لتقام الصلاة ويرفع الأذان ويبقى كلام الله ساريا في المجتمع بنوره؛ يُذكّر الناس بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وبر الوالدين وصلة الرحم ومواساة المكلوم وإغاثة المحروم ومحاربة الفساد والنهي عن المنكر ومقاومة الظلم والربا والزنا وغير ذلك من الآفات والعاهات …
أهل القرآن هم أهل الله وخاصته؛ وهذا شرف لا يدانيه شرف ..
ومع ذلك فلم يعتبرهم القرآن معصومين ولا جعلهم ملائكة؛ بل الواحد منهم يصيب ويخطئ، ويرِد عليه ما يرد على غيره من دواعي الفساد ونوازع الشر .. ويفقد من شرفه ومصداقيته بقدر ما تزل به قدمه .. وقد يندس بين أهل القرآن من ليس منهم ..
غير أنه لا ينبغي أن يكون هذا سببا للهمز واللمز، والتشهير والتنفير، والتعميم والتعتيم؛ فهذا إنما هو أسلوب المنافقين، وموقف أعداء القرآن:
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [القلم: 10 – 15]
ويبقى أهل القرآن أولى الناس بإقالة العثرة، وستر الهفوة ..
وإن أسوأ ما يمكن أن يلطخ به إنسان سمعته؛ أن يتتبع عورة شخص من حملة القرآن ويشهر به …
فهذا عادة لا يفعله إلا من خالط النفاق قلبه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه؛ لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله». رواه الترمذي.