البيان لما ورد في فضل رجب من البهتان
هوية بريس – ناصر عبد العفور
قال الله جل في علاه معظما للأشهر الحرم:”إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ”-التوبة:36-، والضمير في قوله تعالى:” فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ” يعود على أحد القولين للأشهر الحرم، فنهينا عن ظلم أنفسنا بالمعاصي والمخالفات وتعدي حدود رب البريات، فإن الأوزار والسيئات تضاعف فيها كما تضاعف الطاعات والقربات، وما ذلك إلا لعظم شأنها وعلو قدرها.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:”{ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام.”([1]).
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:” لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب ، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح. فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام. ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال.”([2]).
والأشهر الحرم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هي:” ثلاثٌ متوالياتٌ : ذو القَعْدَةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّم، ورجب مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وشعبانَ “([3]).
فرجب من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى والتي أمرنا بتعظيمها ومن أظهر صور هذا التعظيم التنافس في الطاعات وترك كل المنكرات والمخالفات…”ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.”.
لكن وللأسف الشديد ضل هذا الشهر محط ابتداع وتخصيصه بأنواع من العبادات والقربات اعتقادا بفضله على باقي الأشهر، وهذا ما لم يرد فيه شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أحد من الصحابة الكرام عليهم أفضل الرضوان.
فالتعبد ليس بالهوى ولا الأخبار الواهية، لكن بالاتباع والنأي عن الابتداع، فالباب توقيفي ليس فيه تقليد وإنما هو اعتماد الدليل دون محيد.
ولعل من أعظم أسباب كثرة البدع في رجب الفرد ما اشتهر بين الناس من الأحاديث في فضائل الأعمال في أيام وليالي هذا الشهر، ومعظم بل كال هذه الأحاديث يدور بين الضعف والوضع –عياذا بالله-.
يقول شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى:” لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره.”([4]).
فكل ما ورد في فضل رجب إما حديث ضعيف أو موضوع، كما صرح به الأئمة كالحافظ وغيره.
فكم من وضاع ركب أسانيد لمتون في فضل الصيام والصلاة بصفة مخصوصة وفي فضائل الأعمال في هذا الشهر المفضال، فاغتر به الجهال فوقعوا في المحظور([5]) لما رأوا من عظم الأجور.
والعمل بالحديث الضعيف وإن كان جائزا عند الجمهور في فضائل الأعمال-بشروط([6])-، لكن أن يصل الأمر إلى درجة الحديث الموضوع فهذا ما لم يقل به عالم قط، لأنه عمل بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي تعبد وأي قربى من الله أو زلفى بالكذب والاختلاق؟
وتعظيم رجب الفرد إنما كان من شأن أهل الجاهلية([7])، كما روي أن الفاروق عمر رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجبيين([8]) ويحملهم على الأكل،”ويقول : رجب وما رجب ؟ ! إنما رجب شهر كان يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الاسلام ترك.” ([9]).
ولا منافاة بين ما سلف من وجوب تعظيم هذا الشهر وبين ما كان عليه أهل الجاهلية، فتعظيمه في الإسلام باعتباره شهر من الأشهر الحرم دون أن تكون له مزية خاصة عن باقي الأشهر إلا أنه من الحرم، أما تعظيم أهل الجاهلية فإنه كان قائما على تفضيله وتمييزه بشكل كبير على غير من الأشهر حتى الحرم منها لذلك كانوا يخصونه بأشياء دون ما عاداه وبعادات دون ما سواه.
فكأن أولائك الوضاعين أرادوا إحياء ما كان في الجاهلية..
وكأنهم لم يكتفوا بما جاء به النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، الذي ما ترك خيرا يقرب إلى الله إلا دل أمته عليه ولا شرا إلا حظرها منه-فداءه أبي وأمي-.
وكأنهم لم تقرع آذانهم ولم تردد ألسنتهم ولم تع قلوبهم تلك الآية العظيمة التي نزلت في يوم عظيم وشهر عظيم ومشهد عظيم، حتى قال اليهود: لو نحن معشر اليهود نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا:” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”-المائدة:3-.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وهو الإسلام، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يَسْخَطُه أبدا.”([10]).
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:”فكل متكلف يزعم أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنة، من علم الكلام وغيره، فهو جاهل، مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله ودعا إليه، وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله.”([11])اهــــــــ، فكيف بمن دعا الناس إلى التعبد بالكذب والوضع والتلفيق؟
ومن الأحاديث الموضوعة في فضل رجب عموما:
– حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فضل شهر رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار، وفضل شعبان على سائر الشهور، كفضل محمد على سائر الأنبياء، وفضل رمضان على سائر الشهور، كفضل الله على عباده”.
وهذا الحديث مختلق موضوع: وضعه أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي وكان معروفا بوضع الحديث وتركيب الأسانيد -نسأل الله السلامة والعافية- كما نبه عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تبيين العجب.([12]).
– وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم:”خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهو شهر الله ، مَن عظّم شهر الله رجب ؛ عظم أمر الله ، ومن عظم أمر الله ؛ أدخله جنات النعيم ،وأوجب له رضوانه الأكبر…”.
والحديث من وضع نوح بن مريم الجامع المعروف بالكذب والاختلاق.([13]).
وهذه جملة من الأحاديث التي رويت في فضائل الأعمال في شهر رجب الفرد وهي أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان ولا صحت عن خير الأنام بل هي من وضع بعض الطغام([14]) الذين راموا دسها في أحاديث الإسلام لكن هيهات هيهات فقد قيض الله من الأئمة الكرام من اكتشف خبثهم وبين وضعهم وأظهر زيفهم ورحم الله عبد الله ابن المبارك حين قيل له: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: يعيش لها الجهابذة”، وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:« يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين».
ورحم الله كذلك الإمام أبا الفرج عبد الرحمن بن الجوزي حيث قال:” “لما لم يمكن أحداً أن يدخل في القرآن ما ليس منه، أخذ أقوامٌ يزيدون في حديث رسولِ اللّهِ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ اللّه علماء يذبُّونَ عن النقل، ويوضَحونَ الصحيح، و يفضحون القبيح، وما يخلي اللّه منهم عصراً من الأعصار…”([15]).
1- في الصيام:
لا ريب أن الصيام من أجل القربات وأعظم الطاعات التي تقرب من رب الأرض والسموات، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل صيام التطوع ، ولكون رجب من الأشهر الحرم فإن الحسنات والطاعات -ومنها الصيام- تضاعف.
لكن على المسلم أن يعتقد أنه لا مزية للصوم في هذا الشهر على غيره إلا أنه من الأشهر الحرم، لا أن يعتقد ما سطرته أيدي الأفاكين المختلقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الأحاديث المختلقة في فضل الصيام في شهر رجب:
– عن أنس رضي الله عنها مرفوعا:” إن في الجنة نهرا يقال له : رجب، أشد بياضا من اللبن و أحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر”، والحديث لم يثبت قط، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية: “هذا لا يصح وفيه مجاهيل لا ندري من هم”([16])، وقال الحافظ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى: “والخبر باطل”([17])، وقال عنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:”موضوع”([18]).
– عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه مرفوعا:” إن في الجنة نهرا يقال له: رجب، ماؤه الرحيق، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أعده الله لصوام رجب “: وهو موضوع كالذي قبله، كما بين ذلك الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في تبيين العجب بما ورد في رجب.
– عن عمرو بن الازهر عن أبان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:”من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له صيام شهر، ومن صام سبعة أيام أغلق عنه سبعة أبواب النار، ومن صام ثمانية أيام فتح الله له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام نصف رجب كتب الله له رضوانه، ومن كتب الله له رضوانه لم يعذبه، ومن صام رجبا كله حاسبه الله حسابا يسيرا”.
حديث مكذوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، في سنده رجلان كذابان، فعمرو بن الأزهر: قال عنه ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقاة ويأتى بالموضوعات عن الاثبات لا يحل ذكره إلا بالقدح فيه. وكذبه يحي بن معين والدارقطني وغيرهما.
وأبان قال عنه شعبة: لإن أزنى أحب إلى من أن أحدث عن أبان. وقال عنه أحمد والنسائي والدارقطني: متروك([19]).
– عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان “.
قال الحافظ العسقلاني:”وهو حديث منكر من أجل يوسف بن عطية ؟ فإنه ضعيف جدا.”([20]).
وسرد الصوم في رجب إنما كان في الجاهلية عند قبيلة مضر، وقد مرّ أثر عمر رضي الله عنه وما كان يفعل بالرجبيين منهم.
– عن أبي سعيد مرفوعا:”رجب شهر الله الأصم، من صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر”.
وهو متن لا أصل له، اختلقه أبو البركات السقطي، وركب له إسنادا.
– حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا:” صوم أول يوم في رجب كفارة ثلاث سنين والثاني كفارة سنتين والثالث كفارة سنةٍ ثم كل يومٍ شهر”، وقد ذكر هذا الحديث أبو محمد الخلال في فضائل شهر رجب([21]).وهو لا يصح مطلقا([22]).
2- في الصلاة:
من أعظم ما يتقرب به إلى العزيز الأكرم خاصة في مثل هذا الشهر الأصم الصلاة، فوالله إنها نعم الزاد ليوم المعاد وليس المجال مجال ذكر ما ورد في فضلها وإنما مجرد تذكير بعظم شأنها، وأكتفي بحديث واحد وهو قوله صلى الله عليه وسلم:” الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر.”([23]).
لكن لم يصح بل لم يثبت أي حديث -لا رفعا ولا وقفا- بخصوص صلاة معينة بكيفية معينة في شهر رجب الفرد.
– صلاة الرغائب:
مرّ عصر الصحابة الكرام عليهم أفضل الرضوان ثم من بعدهم التابعون إليهم بإحسان ولم ينقل عن أحد منهم أنه خص يوما من أيام رجب أو ليلة من لياليه بصلاة مخصوصة، حتى ظهر بعض الوضاعين فابتدع صلاة ما أنزل الله بها من سلطان تسمى “صلاة الرغائب” تصلى في ليلة أول جمعة من رجب، وهي من الصلوات المحدثة في هذا الشهر، روي فيها حديث طويل تظهر عليه علامات الوضع، وممن ذكره الإمام أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه الموضوعات، وعلق عليه بقوله:” هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم.”([24]).
قال أبو شامة رحمه الله تعالى في الباعث على إنكار البدع” وأما صلاة الرغائب فالمشهور بين الناس اليوم أنها هي التي تصلى بين العشائين ليلة أول جمعة في شهر رجب…فكأنها سميت بذلك لأجل العطايا الحاصلة لمصليها بزعم واضع الحديث فيها.”([25]).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتاب (المجموع) :”الصلاة المعروفة بـ : صلاة الرغائب ، وهي : اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ، ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين ، ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل ، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابهما ، فإنه غالط في ذلك.”([26]).
ومن العلماء الربانيين الذين قاموا بقوة وحزم ضد هذه البدعة المنكرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى فقد جاهر بإنكارها على المنابر بل ألف في ذلك مؤلفا سماه:” الترهيب عن صلاة الرغائب” حذر الناس فيه من ركوب البدع والتقرب الى الله تعالى بما لم يشرع وأراد فطام الناس عنها قولا وفعلا.
ومما استدل فيه بعد بيان بطلان حديثها قوله:” ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة أن العلماء الذين هم ممن دونو الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض والسنن لم ينقل عن واحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ولا دونها في كتابه ولا تعرض لها في مجلسه والعادة تحيل أن يكون مثل هذه سنة وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين وقدوة المؤمنين وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن والحلال والحرام”([27]).
وهذا جزء من الحديث الطويل الوارد بخصوص صلاة الرغائب:
(((عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول : اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى ”
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفر له الله تعالى جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار”.
– صلاة ليلة النصف من رجب:
من الصلوات المبتدعة في شهر رجب صلاة ليلة النصف منه، وقد وضع أحد الأفاكين في فضلها حديثا أسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منه براء:
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد عشرين مرة، وقل أعوذ برب الفلق ثلاث مرات، وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات، فإذا فرغ من صلاته صلى على عشر مرات، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ثلاثين مرة، بعث الله إليه ألف ملك يكتبون له الحسنات ويغرسون له الاشجار في الفردوس، ومحى عنه كل ذنب أصابه إلى تلك الليلة، ولم يكتب عليه خطية إلى مثلها من القابل، ويكتب له بكل حرف قرأ في هذه الصلاة سبعمائة حسنة، وبنى له بكل ركوع وسجود عشرة قصور في الجنة من زبرجد أخضر، وأعطى بكل ركعة عشر مدائن في الجنة، كل مدينة من ياقوتة حمراء، ويأتيه ملك فيضع يده بين كتفيه فيقول: استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك “.
وعلامات الوضع فيه ظاهرة للعيان نسأل الله السلامة من الخذلان.
قال عنه الإمام أبو الفرج في موضوعاته:” وهذا موضوع ورواته مجهولون، ولا يخفى تركيب إسناده وجهالة رجاله”([28]).
3- في تفريج الكرب:
من أجل الأعمال عند الكبير المتعال تفريج الكرب عن العباد وإعانتهم في الأحوال الشداد.
ومما ورد في فضل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.”-مسلم-.
لكن تخصيص هذا العمل في رجب بثواب مخصوص لم يثبت فيه شيء، وإنما هي أحاديث موضوعة وآثار مصنوعة، من ذلك:
حديث: ” من فرج عن مؤمن كربة في رجب أعطاه الله تعالى في الفردوس قصرا مد بصره، أكرموا رجبا يكرمكم الله بألف كرامة”.
قال عنه الحافظ في التبيين:”وهو متن لا أصل له بل اختلقه أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي – لا بارك الله فيه – ووضع إسنادا رجاله ثقات.”([29]).
4- في الصدقة:
كثيرة هي النصوص المرغبة في الصدقة لما فيها من عظم الثواب، ولعلي أكتفي بقوله جل في علاه:” وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ”-المنافقون:10-، فسأل الرجعة ليتصدق وما ذلك إلا لما رأى من عظم شأنها وعلو قدرها.
لكن تخصيص الصدقة في رجب بثواب مخصوص ليس فيه شيء منصوص، وإنما هو من الكذب المبين على سيد المرسلين.
من ذلك: “من تصدق فيه –أي في رجب- بصدقة كان بها فكاك رقبته من النار”.
5- في صلة الرحم:
قال صلى الله عليه وسلم:” من أحب أن ينسأ له في أجله ، ويوسع له في رزقه ، فليصل رحمه “-البخاري-، فصلة الرحم فضلها كبير، لكن تخصيصها بثواب معين في رجب المحرم ليس من الشرع في شيء.
من ذلك ما روي مرفوعا:”من وصل فيه -أي في رجب- رحمه وصله الله في الدنيا والآخرة، ونصره على أعدائه أيام حيانه”.
6- في عيادة المريض:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع”-مسلم-، وقال عليه الصلاة والسلام:”خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله : من عاد مريضا…”-الحديث-([30]).
ومما وضعه الوضاعون في فضل العيادة في رجب:
“من عاد فيه مريضاً أمر الله كرام ملائكته بزيارته والتسليم عليه”.
7– في الإطعام والسقيا والكسوة:
لا ريب في فضل إطعام الطعام وسقيا الأنام وكسوة الفقراء والأيتام، لما في ذلك من إدخال السرور على أهل الإيمان وذلك والله من أجل الأعمال عند العزيز الديان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا”([31]).
وعلى غرار كثير من القربات فقد خص الوضاعون هذه الأعمال الثلاث بثواب مخصوص إن أوقعها صاحبها في شهر رجب، من ذلك:
“من أطعم مؤمناً فيه –أي في رجب- طعاما أجلسه الله يوم القيامة على مائدة عليها إبراهيم ومحمد، ومن سقى فيه شربة ماء سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا فيه مؤمناً كساه الله ألف حلة من حلل الجنة”.
8- في قراء القرآن الكريم:
” اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه”
” لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية ( كنت ) تقرأ بها”
“ومن ختم فيه القرآن مرة واحدة ألبس هو ووالده يوم القيامة كل واحد منهم تاج مكلل باللؤلؤ والمرجان وأمن فزع يوم القيامة”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([2] ) الجامع لأحكام القرآن: 8/135.
([4] ) تبيين العجب بما ورد في شهر رجب:2.
([5] ) قد يقول قائل وأي محظور في ذلك؟ والجواب: أن هذا الذي تقرب بعمل في رجب إنما تقرب به لما رأى أو سمع من فضل رجب على غيره ولما في ذلك العمل من الثواب الجسيم والأجر العظيم، وأساس كل ذلك إنما هي أحاديث موضوعة وأخبار مصنوعة، فلا مزية لرجب عن غيره إلا أنه من الأشهر الحرم لا غير.
([6] ) ومن هذه الشروط: أن يكون له أصل صحيح، وألا يكون الضعف شديدا، وألا يعتقد صحته.
([7] ) خاصة قبيلة مضر وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم رجب مضر لأنها كانت تحرمه خلافا لقبيلة ربيعة التي كانت تحرم رمضان، قال صلى الله عليه وسلم:” إن الزمان قد استدار كهيئتِهِ يومَ خلق الله السماوات والأرض:
السنة اثنا عشرَ شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثٌ متوالياتٌ : ذو القَعْدَةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّم، ورجب مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وشعبانَ “.-متفق عليه-.
([8] ) الرجبيون هم الذين كانوا يصومون رجب كله مبالغة في تعظيمه.
([9] ) قال عنه الألباني رحمه الله تعالى في إرواء الغليل:”وهذا سند صحيح”.
([12] ) انظر تبيين العجب بما ورد في رجب:10.
([13] ) انظر الضعيفة: 24/410-411، وتبيين العجب:10.
([14] ) الطغام: أرذال الناس وأوغادهم-المعجم الوسيط-.
([15] ) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة:1/41.
([16] ) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: 2/555.
([17] ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال:4/189.
([18] ) انظر حديث رقم : 1902 في ضعيف الجامع.
([19] ) انظر الموضوعات لابن الجوزي:2/206.
([20] ) تبيين العجب بما ورد في رجب:7.
([22] ) قال عنه الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 3500 في ضعيف الجامع.
([23] ) رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في صحيح الجامع: ح رقم :3870.
([24] ) الموضوعات لابن الجوزي:2/125.
([25] ) الباعث على إنكار البدع:42.
([26] ) التحذير من البدع للعلامة ابن باز رحمه الله تعالى27.
([27] ) الباعث على إنكار البدع:47.
([30] ) رواه الطبراني وغيره وهو في صحيح الجامع تحت رقم:3253.
([31] ) أخرجه ابن أبي الدنيا في ” قضاء الحوائج ” وغيره وهو في الصحيحة تحت رقم:1494.
“ولعل من أعظم أسباب كثرة البدع في رجب الفرد ما اشتهر بين الناس من الأحاديث في فضائل الأعمال في أيام وليالي هذا الشهر، ومعظم بل كال هذه الأحاديث يدور بين الضعف والوضع”
سؤال 1 : من وراء نشر و ترويج مثل هاته اﻷحاديث ؟ العامة من الناس أم الفقهاء ؟
سؤال 2: لماذا بقيت هاته اﻷحاديث حية منذ أن أُخترعت إلى يومنا هذا ؟