الطريق الصحيح نحو نزول الغيث
ذ.أحمد اللويزة
هوية بريس – الجمعة 18 دجنبر 2015
انحباس المطر وتوقف الشتاء تنحبس معه الأنفاس، وتتوقف معه القلوب، وتشرئب الأعناق إلى السماء بحثا عن غيمة تائهة تبث بصيصا من الأمل في نفوس تملكها القنوط واليأس. يتغير المزاج وتنتشر الأمراض ويسود القلق، وتكثر الشكوى ويزداد الألم والحسرة.
كل ذلك بسب توقف رحمة الله الكامنة في ماء ينزل من السماء ينزله الكريم رحمة وقوة وبلاغا إلى حين، فترتفع الأسقام وتتهلل الأسارير، وتسري في العروق دماء الأمل، وينعتق الناس من أغلال الخوف من مستقبل مجهول، إنه المطر الذي قال الله فيه: “إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ“.
توقف المطر وشح السماء إنما يحصل بسبب أو بغير سبب، لكن لحكمة وغاية ربانية.
فقد وقع الجفاف في زمن الفضلاء حتى لا يركنوا إلى رحمة الله فينسوا التضرع والرجاء، وليعودوا إلى ربهم خاضعين منيبين، وليعلموا فضل النعم وعظمة المنعم، ليأتي المدد والمزيد.
ويحصل الجفاف لقوم سرى فيهم العصيان سريان النار في الهشيم، وأعرضوا عن شريعة الرب الرحيم، وقابلوه بالغفلة والانحراف عن منهجه القويم، ليتعظ ويستيقظ من غفلته ويرجع من في قلبه وضمة خير، وليهلك من هلك عن بينة ممن مات قلبه وصدق فيه قول الحق سبحانه: “وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا“.
انحباس المطر سنة الله في الحياة لحكم كما مضى، بين الله أسبابها، وبين أسباب انجلاء غمها، ونصوص القرآن واضحة جلية، بينة كاشفة، حان الوقت وجوبا للتذكير بها كل من غفل أو طغى، ينبغي أن تقرأ على المنابر ودروس الوعظ وقنوات الإعلام وصفحات الجرائد ومواقع النت، ومنتديات التواصل، وفي كل مجلس وناد.
لعلنا نستيقظ من الغفلة، نسلك المسار الصحيح الذي تتنزل به الرحمات وتعم الخيرات وتفيض النعم، وحتى تقابل بالشكر عوض الكفر، وبالامتنان والعرفان عوض السخط والنكران.
فما أصاب القوم من ضيق فبما كسبوا، وبسوء فعالهم وتماديهم عوقبوا، وإلا فإن الرب كريم حليم سبحانه، وهو القائل ما أرحمه: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}.
فالأمر إذن منا وإلينا ذنوبنا ارتدت علينا، فكان ما كان، ليس منع القطر فحسب، ولكنها بلاوي ومصائب نحن عنها غافلون.
ففي حديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “…ولا نقص قومٌ المكيالَ إلا ابتلوا بالسنين وشدة المَؤُونة وجَوْر السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا المطر القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا…” الحديث، فهل تركنا واحدة لم نعملها؟، بل عملناها وغيرها، فما أكثر الأسباب!
وإليكم آيات الله التي انزلها وحيا ينير الطريق في دياجير الضلال، ويبسط سبل الخلاص من قيود التيه في زحمة الهموم والأحزان؛
قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”.
وقال عز في ملكه: “وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا، لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا”.
وقال عن نوح مذكرا قومه موجها لهم إن أرادوا رحمة الله “اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارا”.
وقال جلت قدرته على لسان هود مخاطبا قومه: “وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم”.
إن واقعنا مأزوم بالمعاصي، وسماؤه ملبدة بغيوم الفسوق والفجور، والحاجة إلى توبة مجتمعية ملحة، إن كانوا فعلا يريدون تنمية بشرية حقة، والتي تعتمد في شق كبير منها على خيرات السماء، فلنرفع إلى السماء ابتهالات الاستغفار ومصابيح الطاعة والانكسار، لعلنا نظفر بعفو من العزيز الغفار ذي الرحمة الواسعة القائل في محكم التنزيل: “وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ“.
فأول خطوة في المسار الصحيح لاستدرار رحمة الله هو الاعتراف الصريح بانحرافنا عن منهج الله وشريعة نبيه، إذ لم يبق شبر من الأرض إلا غمرناه بالمعاصي، وانتهاك الحرمات، إلى أبعد الحدود في بعض الأحيان، وإن واقعا كهذا لا يستحق قطرا من السماء ما دام لن يقابل بالشكر، ولن يستغل إلا في العصيان، فنقع في الاستدراج الذي ليس بعده إلا الاجتثاث وقطع الدابر وزوال بعد وجود، وقد أنذرنا القرآن بصريح البيان فقال سبحانه: ” حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ“.
فاللهم هذا البيان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بك.
جزاك الله خيرا