موقع إدارة الجمارك في مدونة السير
هوية بريس – خالد شهيم
انطلاقا من الدور الذي تقوم به المصالح الجمركية خاصة ما يتعلق بمحاربة التهريب و الاتجار غير المشروع بالمخدرات، و مع تنامي ظاهرةالجريمة العابرة للحدود أصبح لزاما التوفر على الوسائل الكفيلة للحد من خطورة هذه الجرائم، و على رأسها آليات المطاردة سواء البحرية منها كالزوارق السريعة، أو البرية مثل السيارات و الدراجات النارية. ولما كانت المركبات البرية محكومة بقواعد مدونة السير على الطرقات، كان لابد لهذه الأخيرة من تخصيص استثناءات تتماشى و طبيعة المهام الموكولة للمصالح الأمنية بما فيها المصالح الجمركية بما يحفظ أمن و سلامة المملكة من تلك الجرائم. الشيء الذي يبرر حق أسبقية هذه المصالح في تحركاتها و تنقلاتها عن سائر مستعملي الطرق.
حق الأسبقية في مدونة السير على الطرق بالمملكة
جاء في المادة 185 من مدونة السير على الطرق في إطار الفرع الثاني المخصص للمخالفات من الدرجة الثانية ما يلي: ” يعاقب بغرامة من خمسمائة (500) إلى ألف (1.000) درهم، كل شخص ارتكب مخالفة من الدرجة الثانية.
تعتبر مخالفة من الدرجة الثانية إحدى المخالفات التالية: 5-عدم احترام الأسبقية المخولة بمقتضى هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه لمركبات مصالح الدرك أو الشرطة أو الوقاية المدنية أو سيارات الإسعاف، وذلك إذا استعملت المنبهات الخاصة بها.”
و نحن إذ نستحسن هذه العقوبة الردعية المعمول بها في التشريعات المقارنة مثل سويسرا و فرنسا، إلا أن صياغتها من طرف المشرع المغربي جاءت معيبة باقتصارها على جعل مخالفة عدم احترام الأسبقية فقط لسيارات الدرك و الشرطة و الوقاية المدنية و الإسعاف، دون ذكر مصالح الجمارك التي تنشط في إطار تعقبها و مطاردتها لكافة أنواع التهريب في المسالك و الطرقات بالمنطقة البرية لدائرة نفوذها، و التي يفترض أن تشكل جزءا لا يتجزأ من الشبكة الطرقية للمملكة
و هذا الأمر لاشك يخلق تضاربا بين التشريعين الطرقي و الجمركي، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 41 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة في إطار القسم الثاني المخصص لتفتيش و معاينة المساكن و المحلات المعدة للاستعمال المهني على ما يلي: “عندما تظهر دلائل جدية ارتكاب غش، أمكن لأعوان الإدارة المؤهلين لتحرير المحاضر، بعد إذن من مدير الإدارة أو ممثله، القيام بتفتيش ومعاينة المساكن والمحلات المعدة للاستعمال المهني:
أ) للبحث بجميع أماكن التراب الجمركي عن البضائع الخاضعة لمقتضيات الفصل 181 من هذه المدونة؛
ب) للبحث عن البضائع الخاضعة لأنظمة الدائرة في مجموع المنطقة البرية لدائرة الجمارك.
غير أن الإذن المذكور أعلاه، لا يعتبر مطلوبا في حالة المطاردة عن كثب.”
على أن المقصود بالبضائع المشار إليها ضمن المادة 181 من مدونة الجمارك، هو كل حيازة قانونية للبضائع التي تم إدخالها بصفة قانونية إلى التراب الخاضع، وتبرير تلك الحيازة بما يفيد مشروعية تملكها من قبيل إيصالات و فواتير الشراء أو أوراق الصنع و كل الإثباتات الأخرى التي قد تثبت هذه الحيازة القانونية.
كما أن المقصود بالتراب الجمركي بحسب المادة الأولى من مدونة الجمارك هو مجموع التراب الوطني بما فيه المياه الإقليمية التي جرى تحديدها باتفاق الدول في اثنا عشر ميل بحري على الأقل، إضافة إلى المنطقة المتاخمة التي تمتد لأربعة وعشرين ميلا بحريا بعد المياه الإقليمية، تشرف عليها المملكة قصد اتقاء مخالفة القوانين المتعلقة بالشرطة الجمركية و شؤون الهجرة و ما إلى ذلك.
هذا و بالرجوع إلى مقتضيات المادة 41 أعلاه من مدونة الجمارك، فإن المطاردة عن كثب لا يمكن تصورها إلا في مواجهة محترفي التهريب الذين يقدمون على ارتكاب الجرائم الجمركية بعزم و إصرار دون الامتثال لأوامر أعوان الجمارك عند نقط التفتيش، الشيء الذي قد ينقلب معه الأمر إلى مطاردة عبر الطريق، مما ينبغي إفساح و إخلاء الطريق لمركبات الجمارك من سيارات و دراجات نارية معدة للمطاردة المحتملة.
وبالتالي فإن القراءة الحالية للمادة 185 من مدونة السير كما جاءت، تجعل مستعملي الطريق غير ملزمين بالغرامة المذكورة ما دام النص لا يحثم عليهم إخلاء الطريق أمام المركبات التابعة للمصالح الجمركية.
نظير المادة 185 من مدونة السير في بعض التشريعات المقارنة
تشير مقتضيات الفصل 415-12 من مدونة السير الفرنسية على أنه: ” في كل الأحوال، يتعين على كل سائق أن يسمح لسيارات النفع العام ذات الأولوية بالمرور أثناء تدخلاتها. مجرد إلقاء نظرة تكفي للتعرف على هذه السيارات من خلال وميض أضوائها عند استخدامها كما هو الشأن بالنسبة لصفارة إنذارها. نجد في هذا الصنف:
– مصالح الشرطة
– الدرك
– الجمارك
– الإطفاء
– سيارات الإسعاف الخاصة بطلب من مصلحة المساعدة الطبية المستعجلة
– سيارات تدخل الوحدات المتنقلة الإستشفائية
– السيارات المخصصة لنقل المعتقلين
– السيارات التي ترافقها الشرطة أو الدرك
فقط هذه الأصناف من السيارات لها حق خرق مدونة السير عندما يبرر ذلك الطابع الاستعجالي لمهامها شريطة عدم تعريض سلامة السائقين الآخرين للخطر. يبقى أيضا مهما توضيح أن السيارات الوزارية، أو الدبلوماسية أو الرئاسية ليست أبدا ذات أولية ماعدا في حالة مرافقتها من الشرطة أو الدرك”.
و نصت الفقرة الثانية من المادة 27 من القانون الفيدرالي السويسري حول حركة المرور على الطرق المؤرخ في 19 دجنبر 1958 –نسخة فاتح يوليوز 2013- على أنه : “بمجرد استخدام المنبهات الخاصة لسيارات المصلحة المتعلقة بمصالح الإسعاف، الشرطة، أو الجمارك ، يتعين عل الفور إخلاء الممرات، و إذا لزم الأمر يقوم السائقون بإيقاف سياراتهم”
أما المرسوم الملكي البلجيكي لفاتح دجنبر 1975 بمثابة النظام العام لشرطة المرور على الطرق و استخدام الطرق العمومية “أنظمة المرور” المؤرخ في 9 دجنبر 1975 المحين في فاتح فبراير 2017 فقد نص في الفقرة 12 من المادة 59 على أن “أحكام الفقرة الأولى من المادة 7 ، لا تسري على أعوان الدرك و الشرطة و الجمارك عندما تبرر مهامهم ذلك” حيث تتعلق هذه الأحكام بضرورة احترام كل مستعملي الطريق للضوابط المقررة بهذا التشريع .
و كنتيجة لما سبق، فإن معظم التشريعات المقارنة قد ألزمت مستعملي الطريق العمومية بإفساح المجال لمرور عربات المصالح الجمركية قصد القيام بمهامها على الوجه المتطلب قانونا باستثناء مدونة السير المغربية التي لم تعر اهتماما للمقتضيات الواردة ضمن مدونة الجمارك على النحو الذي سبق توضيحه، بحيث لم تأت على ذكر الجمارك إلا في موضعين يتعلق كلاهما بالتحصيل، و لعله أمر يعكس ضعف مديرية الموارد البشرية و البرمجة بإدارة الجمارك بصفتها مسؤولة عن تأمين الوسائل اللوجيستيكية، حيث أضحى اهتمامها بالمسائل الثانوية شغلها الشاغل من قبيل الحرص على إصدار مذكرات مصلحية للإخبار بإجازة المسؤولين، أو صرف الجهد على إعداد قوائم الموظفين بقصد تنقيلهم كل عام من غير وجود مصلحة تذكر من هذا النقل، بدل فرض وجودها في الدفاع عن حقوق الإدارة من خلال تكريس المقتضيات القانونية المناسبة، واعتماد ترقيم خاص لسيارات الجمارك يميزها عن غيرها من سيارات الدولة، على غرار سيارات الشرطة والدرك والقوات المساعدة والوقاية المدنية، حيث العبرة بالتميز المهني الذي يخدم مصلحة الموظف والوطن، وليس بسن نظام أساسي محوره الظلم و التضييق من حرية الموظف مع ضرب استقراره بما لا يخدم مصلحة الوطن. ولله ذر الشافعي إذ يقول:
إِذا ما ظالِمُ استَحسَنَ الظُلمَ مَذهَباً *** وَلَجَّ عُتُوّاً في قَبيحِ اِكتِسابِهِ
فَكِلهُ إِلى صَرفِ اللَيالي فَإِنَّها *** سَتُبدي لَهُ ما لَم يَكُن في حِسابِهِ
جميل
“الإنسان و العطاء “كان هذا عنًوان تأبين أحد الأساتذة الكبار بمناسبة حلول أربعين يوما على رحيله و كان ذلك في سنة 1981 إن لم اختي ذاكرتي ، هذه المناسبة كان قد حضرها أساتذة و باحثون كبار بصيتهم العالمي و الدولي .
عطاءاتك في مواضع تتعلق بالجمارك من خلال التحليل و النقد البناء ، يجعلني أتساءل عن دور الإدارة بل و الوزارة الوصية لتشجيع مثل هذه المبادرات ماديا و معنويا و جعلها على الأقل، من زاوية التواصل، على بواباتها الإلكترونية و الإعلامية و مواقع تواصلها، من المنشورات المهمة و ذلك تكريما لأحد مواردها البشرية التي يجب الاعتزاز بها.
تحياتي لك أستاذ خالد شهيم
أشكرك أستاذ وداع، وأخبرك بالمناسبة أن أملي هو أن نحضى بإدارة جمركية تعمل وفق المعايير الدولية فيما يخص الترسانة اللوجيستيكية و في إطار الاختصاص. لكن للأسف ضاعت مهام الجمارك المغربية و تم تضييعها من قبل أهلها، فحق عليها قول ربنا: “يخربون بيوتهم بأيديهم” صدق الله العظيم