ذ.قاسم اكحيلات: موت ريان ووجود الله
هوية بريس – ذ.قاسم اكحيلات
إذا عجز عقل الجاهل عن إدراك ما لا يستطيعه أساء الظن بالله لا بعقله، اغترارا بالعقل!.
مع أنه لا يمكن اتهام من عجز عن عد حبات الرمل بالجهل بالحساب، ولا اتهام من لا يستطيع تأمل الشمس بالعمى. ولا اتهام من لا يمكنه كيل البحر بالعجز!. فحتى لو استطاع ضاع عمره قبل ان يُنهي ذلك!.
والعقل كالحواس، فالبصر لا يمكن أن يحيط بكل صورة ولو جحظ الناظر بعينيه، والسمع لا يمكن أن يحيط بكل صوت ولو أنصت أتم الإنصات، فالناس تعظم العقل ولا تعظم البصر والسمع!.
ومما يعجز العقل عن إدراكه، الخير، فهو لا يرى الخير إلا بعين الشهادة دون الغيب ، فهذا الخَضِر خرق سفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا}. والإمر: هو المفظع العظيم، وهذا شر، لكن لما أطعلنا الله على الغيب علمنا أنه خير، لأن الملِلك كان سيأخذها غصبا {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}.
وقتلُ الخضرِ ذلك الغلام شر بالنسبة لوالديه، فقد فقدا عزيزا، وهما مع ذلك مؤمنان!.{حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا}.والنُكُر : أشد من الإمر، وهذا شر أعظم، فلما أطلعنا الله على الغيب علمنا أن ذلك الغلام كان سيتسبب في كفر والديه. {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا}.
وكذا لما دعا نوح على البشرية التي لم تؤمن، بالهلاك {وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} هذا شر، لكن لما أطلعنا الله على الغيب علمنا أنه منع للشر {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفار}.
فهذا جزء من الغيب أطلعنا عليه الله حتى لا نتحير فيما لم يطلعنا عليه.
ومعنى الاستجابة ما يصلح حالك لا ما تهواه وأنت لا تدرك عاقبته، لذا قال النبي ﷺ: “ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر“. (حسن رواه أحمد.11133). ففي الحقيقة الدعوة قد استجيبت، لكن هل بلفظها أم بمعناها وهو الخير العام؟.
مع أن الدعاء كان المراد منه الخير لريان، والخير نزل به فعلا دون الحاجة لدعائنا أصلا، فقد قال النبي ﷺ:”أما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ، وأما الوِلدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة”.(البخاري.7074).
ومع أننا دعونا لتحرير القدس لأجيال لم يتحقق الموعود بعد؟. كما أن النبي ﷺ حوصر في الشعب ثلاث سنين ولم يأت الفرج إلا متأخرا! وإنما هي محاولة لاستثارة العاطفة في ظرف كهذا، فينتقل الجاهل من الاستدلال بالعقل إلى استغلال العاطفة!.
إن كان موت ريان دليلا على عدم وجود الله، فهو أكبر دليل على عدم صلاحية العقل للتعليل والفهم والتحليل، فتلك آلات تحفر وعين تسهر، فبقي قهر الله فوقهم كلهم جميعا.
ثم ماذا لو بقي ريان حيا؟. هل كان الملحد ليؤمن؟، فهناك حالات كثيرة يتحقق فيها الدعاء بلفظه سواء أكان السائل من المؤمنين، أو من غيرهم!. فكيف يعلق الملحد وجود الرب على احتمالات قد تقع!.
من الناحية الجدلية، فلا علاقة لهذا بوجود الله، فاشتراط الملحد وجود إله يتصف بالخير موافقة للفطرة، والملحد يجحدها في الأصل!. {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}.
فالقدر سر الله، ومن طلب تفاصيله ضل، كمن يحاول عد النجوم والرمال، وكيل البحار، وتأمُّل الشمس.. فالنهار دليل على الحق ولا يملكه.