الانتحار وصناعة الأمل
جمع وقدم: رشيد وجري
هوية بريس – السبت 13 فبراير 2016
إضاءات:
سبحان الله الكريم مكرم الإنسان بتسويته بيده ونفخ الروح فيه و تعليمه وإسجاد الملائكة الكرام له، والحمد لله الحي القيوم واهب الحياة للإنسان منة و أمانة في عنقه سيسأل عنها يوم القيامة يوم لا ينفع ما ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فلن تزول قدم عبد يوم التناد حتى يسأل عن هذه :عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه، و علمه ماذا عمل به وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟؟
بلى إن الذين يقررون وضع حد لحياتهم كيفما كانت الظروف والملابسات والأسباب يتصرفون فيما لا يملكون، ويزهقون روحا غاليا من الله ملأ جسدهم بالحياة و وعمرها بالإرادة والحركة، في لحظة ضعف واندحار لعزمهم وتقديرهم لذواتهم؟؟؟
– فأن تزهق روحك قد تتحمله لكن هل تتحمل عذاب الله في عالم الخلود، أيها الإنسان؟
– وإن الذي يقرر التخلص من الحياة التي تنبض في جسده يقرر التخلص من شيء لا يملكه، وليس له؟
تعريف:
الانتحار هو قرار يأخذه الشخص من أجل إنهاء حياته بقتل نفسه بإرادته واختياره لأسباب يعتقدها بأن مماته أصبح أفضل من حياته. (تعريف سيكولوجي). و هو كذلك شكل متطرف من سلوك إيذاء الذات الذي يحدث لدى الأفراد المكتئبين بدرجة كبيرة. والانتحار أيضا نوع من العقاب الذاتي والانتقام من الذات، وإلحاق الأذى بالنفس من خلال التخلص منها. أما التعريف الإسلامي فالانتحار هو كبيرة قتل النفس التي حرم الله، وهو من المبيقات المهلكات عفانا الله وإياكم…
والأديان السماوية جميعها كانت ضد ظاهرة الانتحار البشري، وخصوصا ديننا الذي ارتضيناه الإسلام الحنيف الذي حرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، بنصوص صريحة ومحكمة لا لبس فيها، سواء في الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية الشريفة…
ديننا الإسلامي يحرم “الانتحار”:
* قال الله تعالى في:
* سورة النساء: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)”.
* سورة الأنعام: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)”.
* سورة البقرة 195: “وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)”.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
* “من قتل نفسه بحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما، فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا” رواه مسلم.
* “كان فيمن كان قبلكم رجل جُرِح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة” رواه البخاري ومسلم.
* “الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار” رواه البخاري.
* “من قتل نفسه بالشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة” البخاري ومسلم.
أعراض الانتحار:
ومن الأعراض والعلامات التي تبقى نسبية غير أنها ذات أهمية تسبق الانتحار:
- الاكتئاب والذي يعني الشعور بالحزن الشديد والتعاسة والإحباط والعجز وعدم القيمة، واليأس من الحياة و…
- التغيرات المفاجئة في السلوك: تغير في نمط النوم أو نمط الطعام، الإهمال في الدراسة أو في العمل، إهمال العلاقات الاجتماعية والمظهر الخارجي…
- كثرة التحدث عن الموت والانتحار بصورة غريبة…
- فقد الاهتمام بالأنشطة المعتادة والانسحاب منها، فقد المتعة في الأمور المحببة…
- الشعور باليأس والذنب و نقد الذات بل وجلدها غالبا، القلق النفسي، الخمول، السوداوية …
- الانعزال والانطوائية…
- الحقد على المجتمع وكثرة الشكوى…
- قلة التركيز…
- التخلص من المقتنيات الثمينة (مؤشر مهم عند المهتمين )…
- تعاطي المخدرات والمسكرات أحيانا…
- محاولة فاشلة أو أكثر في تجربة الانتحار…
وعلامة واحدة مما سبق تستحق الاهتمام خاصة من لدن المهتمين التربويين والنفسيين والاجتماعيين وغيرهم.
العوامل المسببة للانتحار
* أهم سبب وأكبر علة للانتحار ضعف الوازع الديني والخواء الروحي بالبعد عن الدين الإسلامي القويم وضعف الإيمان، فكيفما كانت الأسباب المسببة في الانتحار تبقى أمام الإيمان الحقيقي والقوي بالله تعالى ضعيفة وغير مؤذية إلى اقتراف هذه الجريمة الشنعاء في حق الذات، أما إذا غاب الإيمان بالله وقدره فكل سبب رغم بساطته وهامشيته يمكن أن يسبب في الانتحار؟؟؟…
* الأمراض النفسية والعقلية: الاكتئاب، الفصام…
* اضطراب الشخصية: وهي سمات متطرفة: المدمن، الانفعالي، الانطوائي…
* المشاكل الأسرية: صراعات (خاصة بين الأبناء و الوالدين)، تفكك، حرمان عاطفي…
ولعل هذا من أهم الأسباب أيضا بعد (الخواء الروحي)، خصوصا في البادية الصحراوية بيننا (فمن بدا جفا كما يقال)، البادية التي تعرف جفافا وفقرا وجمودا عاطفيا ومشاعريا، فهناك عادات وتقاليد بائدة بالية تغذي هذا الجفاء العاطفي والفقر المشاعري بين أفراد الأسرة الواحدة خصوصا بين الآباء والأبناء، حيث في بعض الدواوير لا يستطع الأب أن يقبل أبناءه ولا أن يحملهم أمام والديه، فضلا عن أن يتواصل معهم بحب ويعالج مشاكلهم بعقل واتزان؟؟؟ فرغم أن هذا ولله الحمد في خفوت إلا أنه باق وموجود؟؟؟ وهذا مثال فقط لا الحصر؟؟؟ إلا أنه رغم ذلك فنسبة الانتحار في المدن أكبر من نسبته في القرى؟؟؟ مع أن النسبة هاته عرفت ارتفاعا حتى في البوادي هذا الزمان؟؟؟
المشاكل الاقتصادية: كالفقر والبطالة (دراسة في هونج كونج 55% من المنتحرين عاطلين)
عدم تقدير الذات، والعيش بلا هدف ولا غاية، …
الفشل: المالي أو العاطفي أوالدراسي أو الاجتماعي…
الشعور بالذنب: وهو سبب رئيس والرغبة في عقاب الذات…
المشاكل الصحية الخطيرة:السيدا، السرطان، السمنة (18/15%).
المدمنون على المخدرات والكحول: (نسبة 15% من المنتحرين في مصر مثلا يتعاطون المخدرات (مجلة الوعي الإسلامي)).
أسباب بيولوجية: كالاختلال في التوازن الهرموني، فقر الدم، عدم التوازن الكميائي يسبب الاكتئاب…
نماذج سيئة مسوقة إعلاميا: طرح قصص لشخصيات شهيرة انتحرت، بطريقة وكأنها تشجع الشباب على ذلك…
سهولة الوصول إلى المواد المميتة: كالأدوية والسموم والقفز من المرتفعات…
فمهما كانت هذه الأسباب فهي لا تبرر بأي حال من الأحوال الإقدام على الانتحار وارتكاب جريمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. فالروح أمانة من الله إلينا واجبنا الحفاظ عليها ولا نجود بها إلا في سبيل الله تعالى.
كيف نحد من حالات الانتحار؟
إيلاء الاهتمام لتهديدات وأعراض المرشح للانتحار.
معالجة الأمراض النفسية والاضطرابات.
الانصات للأشخاص المقربين والأصدقاء والأبناء، لما يمرون به من ظروف صعبة والتعاطف معهم.
الرقابة على الإعلام وعدم الترويج لقصص المنتحرين كيفما كانوا…
تعريف الفرد عاقبة المنتحر وحكمه في الإسلام الواضح والخطير…
تفعيل وتقوية دور الأسرة والمدرسة والجامعة وكل مؤسسات التربية والرعاية الاجتماعية…
توجيه عمل الإعلام وتنقيته وتوجيهه لصالح زرع الأمل في النفوس …
الاهتمام بفئة الشباب خصوصا وتوعيتها والانصات إليها…
زرع الأمل في النفوس و التفاؤل، بل وصناعة الأمل بترسيخ القيم النبيلة والفضيلة في النفوس الداعية إلى حب الحياة والعمل والعطاء. وفي الختام للحد من الانتحار يجب تقوية الوازع الديني والإشباع الروحي…
صناعة الأمل
الصناعة كلمة قرآنية فريدة تهتم ببناء شخصية الإنسان وتشكيل قيمه ومبادئه من أجل حياة ناجحة ملؤها الخير والعطاء. قال الله تعالى: “أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)” سورة طه، وقال الله تعالى: “وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)” سورة طه، فالأنبياء والرسل عليهم السلام صنعهم الله سبحانه وتعالى أو على عينه حتى يقوموا بدورهم الرسالي أحسن قيام وكما أراد الله سبحانه…
وأما الأمل فهي الفسحة المضيئة و النافذة التي مهما صغر حجمها، و مهما تلاطمت أمواج الظلام إلا أنها تفتح آفاقا واسعة في الحياة، وهو قاطرة تجر خلفها الجسد المثخن بالجراح… عكس اليأس الذي هو قرين الكفر والضلال عياذا بالله.
فصناعة الأمل إذن يحتاجها الفرد كما تحتاجها الأمة لتصحو وتنهض من جديد… يقول ابراهيم الفقي رائد التنمية البشرية رحمه الله: “أحياناً يَغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا باباً لكي يفتح لنا باباً آخر أفضل منه، ولكن مُعظم الناس يضيع تركيزه ووقته وطاقته في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلاً من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعيه”.
والأمل والإيمان متلازمان كما أن الياس والفقر متلازمان ..، فالأمل في ديننا عبادة لله، نأمل في رحمته فنستغفره، ونأمل في كرمه فندعوه، ونأمل في معيته فنذكره، ونأمل في جنته فنترك معاصيه، ونأمل في حبه فنتقرب إليه بالفرائض والنوافل، ونأمل ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فنحب إخوانا لنا فيه ونثبت على الحق والدين. وكل عبادة في حقيقتها يصحبها أمل في أن يتقبلها الله سبحانه، ولا أمل إطلاقا لمن لا عمل له، بل ما أضيق الحياة كلها لولا فسحة الأمل. فالحياة أمل يجب أن يصحبه العمل للفوز والسعادة في الدارين…
كيف نصنع الأمل؟
أولا هناك تكامل بين صناعة الأمل والحد من جريمة الانتحار فلن نستطيع أبدا الحد من الانتحار إن لم نزرع الأمل في النفوس لذلك فهناك تداخل بين ما يساعد على زرع الأمل والحد من ظاهرة الانتحار أو قتل النفس التي حرم الله بلفظ القرآن الكريم.
ومن أسس وعوامل صناعة الأمل بإيجاز:
- أول أس لصناعة الأمل : ترسيخ الإيمان بالله والرضا بقضائه وقدره…
- الحرص على بناء أسر ناجحة وسعيدة، تقوم بدورها كما ينبغي…
- اللاهتمام بالصحة والعافية والسلامة…
- ممارسة الهوايات المفيدة وطرد الفراغ الممل…
- بناء النفس السوية المتزنة المبادرة من خلال التربية السليم والتعليم البناء…
- العمل لأجل هدف و غاية نبيلة، يعطي لوجودنا معنى ومغزى…
- تخطي العقبات والمحن وشحذ العزيمة والإرادة…
8.مصاحبة الأخيار والبعد عن الرفقة السيئة…
- إشباع الحاجيات وفق ما شرع الله تعالى سواء الفيزيولوجيا أو حاجة الأمن أو الاهتمام أو التقدير أو غيرها.
- العمل والإنجاز والعطاء وتطوير الذات دائما…
- التعاون على الخير مع الغير والاندماج في الجماعة، وطرد الوحدة والانطوائية…
فالحكمة تقول : الأمل قاطرة تجر خلفها الجسد المتخن بالجراح… واليأس قرين الكفر والضلال.
خلاصة القول أَحِبَّ الحياة فكلها مبنية على الأمل:
- عش لأجل هدف وبقصد تحقيق غاية نبيلة، يكن لحياتك معنى وقيمة…
- اعمل واطرد الفراغ من حياتك، مارس هوايات مفيدة هادفة: رياضة، قراءة، رسم…
- اصحب الأخيار وإياك ورفقاء السوء، فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم…
- ليس في الحياة فشل بل فيها محاولات لم تنجح، فاستمر في المحاولة، حتى تحقق مبتغاك كما فعل الذين سبقوك…
- ومسك الختام، اصطلح مع الله تعالى، واملأ قلبك به، آمن به، اعبده وأحسن الظن به واذكره ترى عجبا…