كشف استطلاع رأي أن أغلبية المغاربة المستجوبين يرفضون إلغاء الفصول التي تمس الحريات الفردية والفصول المتعلقة بتجريم الإجهاض والشذوذ الجنسي، مبررين رفضهم بكون أي مساس بالقانون سوف يؤدي إلى زيادة “الفساد الأخلاقي” بالمجتمع.
وصنفت مؤسسة “منصات” للأبحاث والدراسات الاجتماعية عبد نتائج البحث، مواقف المستجوَبين بصدد تلك القوانين موضوع نقاش حالياً، إلى مجموعتين: الأولى وتمثل الأغلبية، تتبنى موقف المحافظة والدفاع عن حماية ثبات الهوية الدينية والأخلاقية العامة للمجتمع، والثانية أقل عدداً ذات مرجعية مدنية حقوقية كونية ومنفتحة على التطورات المجتمعية.
وبين نفس البحث مسافة التباعد بين التوجهين (الحداثي والمحافظ) تزيد حسب الوقائع المطروحة كالإجهاض والمثلية الجنسية والعلاقات الرضائية والإفطار العلني نهاراً في شهر رمضان.
وتعكس توجهات المستجوبين نقاشاً مجتمعياً، بين اعتماد نصوص قانونية تستمد شرعيتها من عنوان حماية الهوية الروحية للمجتمع، أو الانفتاح على التطورات المجتمعية والعلمية والمرجعية الحقوقية الكونية في صياغة وتجديد النص القانوني، كونها مرجعية داعمة للتعدد وقادرة على صيانة حقوق الأفراد وضمان احترام للفرد المغربي كإنسان أولاً وأخيراً.
واعتبر عدد من المستجوبين سيادة وانتشار الحريات الفردية بمصير المجتمع، خطراً يهدد هويته الجماعية الكلية والدينية بالخصوص. وبذلك تشكل المرجعية الدينية النواة الأساسية في تمثل الهوية الجماعية.
وكشفت المقابلات أن غالبية المبحوثين يقبلون بدرجات متفاوتة بحدود للحريات الفردية والخطوط الحمراء، حتى لا تتحول تلك الحريات إلى مدخل نحو “الفوضى”، “التسيب”، “الأنانية”، “الفساد”… لذلك في المقابلات ترددت كثيراً عبارات من قبيل: “الحرية المطلقة فساد، ليست هناك حرية مطلقة، ينبغي مراعاة المجتمع، الدين، القانون، الوالدين، الإخوة، العادات والتقاليد، الوسط والأماكن”.
وتؤكد النتائج أن المبحوثين ينطلقون في موقفهم من الحرية الفردية من منطلقين: إما أن الحرية الفردية المطلقة طريق نحو الفوضى، أو من منطلق كونها مجرد “أوهام” متخيلة فقط، يستحيل تحققها في الواقع الاجتماعي المعاش.
وساهم خروج المرأة لعالم الوظائف واقتحامها لعدد من المجالات في بزوغ توجه مهم نحو الاعتراف النسبي بحرياتها الفردية في عدد من المجالات، خاصة فيما يتعلق بالسفر والعيش بمفردها، لدواع برغماتية (الدراسة، العمل…) وليس لدواع تتعلق بتحول ثقافي وقيمي راسخ ومتجذر.
ويطرح المستجوبون عند الحديث عن الحرية الفردية عددا من الأسئلة من قبيل مصير المجتمع، والخطر الذي يهدد الهوية الدينية. فسواء تعلق الأمر بالحرية الجسدية، أو حرية المعتقد، أو العلاقات الرضائية بين الراشدين، يبدو أن ما يهيمن على تمثلات المستجوبين، هو الخوف من فقدان الهوية، لكن المفارقة التي نجدها لدى هؤلاء هي: غالباً ﻣﺎ ﻳﻄﺎﻟﺐ هؤلاء اﻷﻓﺮاد ﺑﺤﺮﻳﺎﺗﻬﻢ، وﺑﺎﻟﺤﺪّ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﻵﺧﺮ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ.
يصل هذا التخوف لدى بعض المستجوبين حد ربطه بنوع من المؤامرة والتقليد الأعمى للغرب مما يهدد الدين الإسلامي، خصوصاً إذا تعلق الأمر ببعض الممارسات التي تخرق بعض المعايير والقواعد الاجتماعية المتوارثة.
ويقبل أغلبية المستجوبين بممارسات غير منضبطة مع أشكال التدين، شريطة بقائها في الفضاءات الخاصة، المعتمة والمغلقة فقط، لأن خروجها للعلن يعتبر مظهراً من مظاهر تهديد التناغم الاجتماعي وخلق شرخ في الوحدة الدينية للجماعة/الأمة.
لا يقبل القسم الأهم من عينة البحث الزواج بغير المسلم، لأن ذلك حرامٌ في التعاليم الدينية الإسلامية. أما بالنسبة للزواج من غير المسلمة، فمنهم من اعتبره حراماً، ومنهم من رأى فيه فرصة لدفعها لاعتناق الإسلام، ومنهم من أدخل مثل هذا الزواج في خانة الزواج المختلط الذي لا يُضمن نجاحه لاختلاف الثقافات والعادات.
ويدافع العديد من المستجوبين عن رفضهم لحرية التدين أو اللاتدين الفردي، انطلاقاً من مرجعية النص الديني، ويسري الأمر نفسه على الإفطار العلني وفتح المقاهي والمطاعم نهار رمضان.