رسالة.. إلى نفسي مع التحية
هوية بريس – أحمد خيري العمري
لو أنك تمكنت -في مرحلة ما من عمرك- أن تكتب رسالة إلى نفسك في نسخة مبكرة منها، في عمر أصغر نسبيا، فأنك غالبا ستخبرها عن كل ما يجب أن تتجنبه من مزالق وأخطاء، هفوات قادت إلى كوارث، طباع شخصية قادتك إلى خسارة أناس أحببتهم بصدق وافتقدتهم لاحقا بمرارة.
في مرحلة ما، ليست مبكرة حتما، غالبا بعد النضوج، وقبل أن تقترب من الفصول الأخيرة، على الأقل في ذلك العمر الذي تعرف أن القادم قد يكون أقل مما مضى، في هذه المرحلة، لو أتيحت لك – بمعجزة- أن تكتب لنفسك رسالة، فأن ذلك سيكون بمثابة فرصة لا تعوض لك، تمنحها لنفسك لكي تقول لها كل ما يجب أن تقوله وكل ما يجب أن تسمعه، قبل أن يفوت الأوان.
تلك الرسالة، عندما تسنح لك الفرصة لكتابتها، لن تكون فقط رسالة إنقاذ وتحذير لنفسك في نسختها الشابة على أولى خطوات الحياة…
بل ستكون أيضا رسالة مكاشفة ومصارحة مع الذات والنفس. والمكاشفة مع النفس شفاء لو كنا نعلم – أو على الأقل هي جزء من رحلة الشفاء.
الشفاء مم؟ من المريض هنا؟
أنت. نحن. كلنا. على الأقل أغلبنا. بنسبة ما متفاوتة من شخص لآخر، لكن من المستغرب جدا أن تصل في العمر إلى مرحلة النضوج وما بعدها دون أن تنال من نفسك بعض الأدران والأسقام. النسبة متفاوتة حتما، وكثيرون ستكون إصاباتهم خفيفة، سطحية، سيسهل عليهم التعامل مع ما ” اكتسبوا”..ولكن هناك من سيكون مثقلا بحمل كبير..بأحمال كبيرة، وبعض هذه ستكون كالجبال.
مكاشفتك لنفسك، مواجهتك لذاتك، ستكون صادقة وصريحة بلا شك، لا يمكنك أن تجامل وأنت ترسل رسالة إنذار لنفسك في نسختها المبكرة، يمكننا أن نجامل أنفسنا وحتى نخدعها في ظروف أخرى، لكن مع حقيقة أن هذه الرسالة قد تنقذك، قد توقظك، قد تغير طريق حياتك، فلا يمكن إلا أن تنصاع إلى الحقيقة …مهما كانت ثقيلة أو قاسية أو توقظ جراحا أو ألاما تفضل أن تبقى نائمة…مهما كان الثمن باهظا، النتيجة تستحق المحاولة.
ستكتب لنفسك كل شيء، كل مخاوفك السرية، ستخترق كل محذوراتك ومحظوراتك، ستقول لها أن تحذر من ذاك المنعطف الذي بدا آمنا، ومن ذلك المنحدر الذي تخيلت أنك قادر على السيطرة على اندفاعك فيه، ومن تلك التلة التي تخيلت أنها ستوصلك إلى القمة، من ذلك ” اللا شيء” الذي اتضح أنه أشياء كثيرة، وذلك الشيء “الصغير” الذي تبين أنه كبير جدا، وذلك الشيء الآخر الذي قررت أن ” تجربه فقط” ثم أصبحت عبدا له….ستواجه كل ما أوداك إلى مهاويك وقيعانك. نقاط ضعفك التي تجاهلتها حتى أصبحت ثقوبا سوداء التهمتك، عليك أن تحذر نفسك منها…لن تتهاون معها بعد أن عرفت ما فعلته نقاط ضعفك تلك….
رسالة لنفسك. واحدة فقط. فرصة أخيرة قبل أن ينتهي كل شيء. تخبر النسخة المبكرة منك عما يجب أن تتجنبه، عن درب الندامة الذي كان يمكن تفاديه، ودرب السلامة الذي كان عليك أن تسلكه…رسالة كل منا لنفسه ستكون مختلفة حتما، لكل منا درب ندامته الخاص به، وثقوبه السوداء التي التهمته ولم تلتهم سواه…لا رسالة “موحدة” قابلة لأن تكون صالحة للجميع. لكل منا صندوقه الأسود الخاص به والذي يروي ما حدث له في سقوطه.
هذه الرسالة يمكن أن تنبه قائد الطائرة، من أسباب ما حدث لها، في ذلك السقوط الذي ربما لا يعرف أحد عنه شيئا، ولم يلاحظه أحد… سواك.