الفايد.. آية من آيات الله
هوية بريس – مولاي التهامي بهطاط
أذكر أنه في مستهل سنوات السلك الثالث، خاطبنا أستاذ القانون الإداري بأننا أمام عهد جديد. فإذا كانت “الإجازة” هي “شهادة الخبز”، فعلينا الآن التطلع للحصول على شهادة “العلم”، وهذا كلام منطقي جدا، يمكن تبسيطه كما يلي:
الدراسات العليا هي مرحلة تعلم أساليب التفكير العلمي المنهجي وليس تحصيل المعلومات فقط.
هذه النصيحة أستحضرها عادة كلما قرأت أو ناقشت شخصا يتقدم اسمه رمز (د.)، حيث يتضح أحيانا أن الشواهد التي يشير إليها هذا “الرمز” لم تعد تعني بالضرورة حصول صاحبها على مرتبة الباحث الذي يعتمد المنهج العلمي في عمله.
هذا المعيار ينطبق من دون شك على د. الفايد في طبعته الجديدة غير المنقحة.
وأعتذر لتطرقي لهذه الحالة مجددا، بعد أن تكاثرت “ظباء” الرجل فلا ندري ما نصيد منها.. فهو على ما يبدو اختار طريقه، لكن الإشكال في من ينساقون وراءه دون تفكير أو تبين، وقد تأخذهم الأغلفة البراقة للعصرنة والتحديث وشعارات العلم..
إن أول ما يمكن أن نتوقف عنده، هو أن هذا “العالم العقلاني” سرعان ما حشد القبيلة في معاركه الكلامية، تماما كما كان يفعل أي جاهلي أو أعرابي.
فهل هناك عالم يرد على معارضيه بأنه “رحماني” (نسبة إلى الرحامنة)، وأنه ولد في “أولاد سعيد” بسطات؟
وما علاقة هذا بنقاش يفترض أنه “علمي”؟
بل الأخطر من ذلك أن الرجل يقدم هذا الانتماء القبلي كمبرر لـ”عدم الاعتذار”، لأن “أولاد سعيد” لا يعتذرون.. يفضلون السجن على الاعتذار..
فأي علم هذا الذي يقود صاحبه إلى تصرفات لا يتوقع صدورها من أجلاف أعراب الربع الخالي في القرون “الوسطى”؟
الاعتذار فضيلة وخلق كريم، محمود في جميع الثقافات والحضارات، وأولى الناس به العلماء أصحاب العقول النيرة.
وهو في حالة د. الفايد أشد إلحاحا، لأنه لم يناقش معارضيه ومخالفيه بشكل علمي، بل شتم كثيرا منهم، ووصف تعليقاتهم بالنباح، واستهزأ حتى بملابسهم وخِلقتهم، وهو أمر نهى عنه صراحة القرآن الذي يريد تفسيره..
والأعجب أكثر، أن أول ما تفرضه شهادة الدكتوراه “المضاعفة” هو احترام مبدإ التخصص، لأنه لا يوجد دكتور يحترم العلم، يتجرأ على الترامي على مجالات لا علاقة له بها، لأنه سيتحول تلقائيا إلى أضحوكة، كما حدث مع شحرور والكيالي وغيرهم من الأطباء والمهندسين الذين تجرؤوا حتى على سيبويه في علم هو من مخترعيه..
لقد أثبت د. الفايد نظرية تقول: من خاض في غير اختصاصه أتى بالعجائب.. وإني لأستغرب كيف يصدر عن “عالم” كلام لا يقف على رجلين حتى على مستوى البعد الأول من أبعاد اللغة العربية.
وقد جاء فعلا بالعجائب في “تفسيره” لبعض آيات سورة “النبإ”.
فعلى غرار سابقيه الذين يدعون في “العلم معرفة”، قال بأن كواعب جمع كاعبة لا جمع كاعب.. ولـ”يغمق” على الدراويش، أضاف بأن فواعل جمع فاعلة.. كقائمة جمعها قوائم.. مع أنه لم يسمع أصلا بالوزن القياسي والوزن السماعي فأحرى أن يميز بينهما..
ما إعراب هذا الكلام واقعيا؟
ببساطة، هو بمثابة رفع لافتة كبيرة كتب عليها بالبنط العريض: أنا جاهل وأفتخر.. فالعرب الذين خاطبهم القرآن بلسانهم وتحداهم بلغتهم، يقولون امرأة حامل وطاهر وقاعد..
ولو ذهب الدكتور إلى مدارس سوس العتيقة وسأل صغار تلاميذها عن هذا الأمر لأخبروه بأن الصفة إذا انفردت بها الأنثى عن الذكر كالحمل، والطهر من الحيض، والقعود عن الولادة، لا تحتاج لتاء التأنيث في آخرها…
وهذا علم لا يدرس في معاهد الزراعة والبيطرة بطبيعة الحال..
ولم يقف الدكتور عند هذا الحد، بل “فسر” كواعب أترابا، بأنها عناقيد العنب، وهو معنى لن تجده في أي من قواميس العربية قديمها وحديثها، اللهم إلا إن كانت هذه لغة الرحامنة أو أولاد سعيد التي قد يدعي الدكتور أنها كانت لغة قحطان وعدنان وجُرهم… والعرب البائدة..
إن مما تعرفه حتى “عجائز نيسابور” أن تفسير أي كلام ينبغي أن تتقبله وتستوعبه لغة هذا الكلام، وإلا فهي مجرد هلوسة..
تأمل معي..
“إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا” هذا نظم القرآن، ومعناه الواضح أن جائزة المتقين الدنيا، هي الفوز في الحياة الأخرى بالحدائق والأعناب، والشابات الحسان المتماثلات في السن”، بينما تفسير الدكتور مؤداه أن للمتقين مفازا حدائق وعنبا وعناقيد من عنب.. حتى يتجاوز التفسير “الجنسي” للآيات..
اللهم لا تعليق..
بعد هذا تجددت سقطات الدكتور عندما خاض في “علم الكلام” وهو لا يعرف قطعا حتى تعريفه..
علماء الكلام لم يخوضوا في الصفات وغيرها بسبب “قلة الشغل”، أو بحثا عن “البوز”، بل استجابة لحاجة ملحة فرضها عليهم الواقع.
فمع توسع انتشار الإسلام ودخول أمم أخرى فيه، وتفاعله مع فلسفات وثقافات مختلفة، لم يعد كافيا التدليل على وجود ووحدانية الله، بالإحالة على القرآن المعجز، بل تطلب الأمر استعارة أدوات البرهنة التي طورها الآخر، لإيمان المسلمين بكونية المعرفة، وبأن مناهج التفكير هي -حسب ابن رشد- مثل أداة التذكية لا مانع من استعارتها من الآخر واستعمالها فيما يفيد.
وهناك حقيقة ربما يجهلها كثيرون عن علم الكلام، وهي أنه علم يحتاج عقولا جبارة، وقدرات استثنائية، بدليل أنك نادرا ما تجد شخصا قادرا على تبسيط موضوع “الصفات” مثلا، رغم أن المعلومات والبضاعة العلمية متوفرة وزيادة..
أما آخر نقطة أتوقف عندها، فهي ادعاء الدكتور بأن الجنة غير مخلوقة وأنها ستكون في الأرض.
باستعمال العقل الطفولي البدائي: كيف سكن آدم وزوجه الجنة، وتم تحذيرهما من الشيطان الذي يسعى لإخراجهما منها، وكيف عوقبا على المخالفة بالإنزال إلى الأرض، لكن هذه الجنة -رغم ذلك – لم تخلق بعد؟
هل قرأ الدكتور قصة آدم وإبليس كما جاءت في القرآن؟
بل هل يقبل عقل “عجائز نيسابور” أن الدليل القرآني على كون الجنة ستخلق في الأرض هو آيات: “وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا”؟
إن هذه من “التخريجات” التي جعلتني أشك هل دكتورنا دكتور فعلا؟
فالآيات تتحدث عن تأثير المطر الذي ينزله الله تعالى، على الأرض فيحييها بعد موتها، وهو مفهوم تكرر كثيرا جدا في القرآن، فكيف فهم منها الدكتور خلق الجنة لاحقا، وفي الأرض؟
أتمنى أن يستغل الدكتور شهر رمضان الذي تصفد فيه الشياطين، ليراجع نفسه، لأنه سيتأكد -كما قال الحسن اليوسي رحمه الله في محاضراته- ما إذا كان ما أقترفه مؤخرا، من تلبيس إبليس أم من نزغات النفس الأمارة بالسوء.. وأسال الله تعالى أن يهدينا وإياه إلى سواء السبيل..
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.
للأسف د الفايد نسي نفسه انه عالم تغذية لا عالم تفسير
علماء افذاذ لهم من ارصدة علمية في مختلف العلوم اهلتهم التفسير و لم يحرؤوا على ادعاء التفسير بل منهم من قال في ظلال القرآن و….
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا