د.بنكيران يكتب: التعصيب وقاعدة الغُـنْـم بالغُـرْم
هوية بريس د.رشيد بنكيران
تعد القاعدة الفقهية “الغُـنْـم بالغُـرْم” من القواعد التي عبرت عن سمتي العدل والواقعية اللتين تحلت بهما شريعة الإسلام؛ فالإسلام دين عدل يرفض الظلم ويحرمه، ودين واقعي يستجيب للمنطق ومبادئ العقل ويلبي حاجيات الناس.
يتجه معنى القاعدة إلى أن من يستحق الغنم أو الغنيمة فعليه الغرم أو الغرامة، ومن ينشد الربح تلزمه الخسارة، ومن له الخراج فعليه الضمان، وعلى قدر الغنيمة والربح والخراج تكون الغرامة والخسارة والضمان.
وإذا كان التعصيب هو استحقاق العصبة نصيبا من التركة غير مقدر عند وجود سببه، فإن ذلك النصيب يتنزل منزلة الغنيمة التي تستوجب الغرامة عند مقتضياتها وفقا لقاعدة الغنم بالغرم، فلا يعقل أن ترث العصبة ـ التي من جهاتها أخوة الميت وعمومته ـ نصيبا من المال وتشارك فيه بنات الميت دون أن تتحمل مسؤولية مالية اتجاههن.
وقد أشار ظاهر القرآن الكريم إلى هذه المسؤولية المالية في قوله تعالى: {وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ}(1) ، فالآية الكريمة دلت على وجوب أن ينفق الوالد على المولود، فإذا أعسر بالنفقة وجبت على الوالدة أي أم المولود، فإذا أعسرت بالنفقة وجبت على الوارثين بالمعروف (وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ )، ومن الوارثين العصبة. قال ابن تيمية: “وهذه الآية صريحة في إلحاق نفقة الصغير على الوارث العاصب، وقال بها جمهور السلف (2)”. وقد سئل عطاء عن يتيم له عصبة أغنياء أيجبرون على أن ينفقوا عليه؟ قال عطاء: نعم، ينفقون عليه بقدر ما كانوا يرثونه لو مات وترك مالا(3)، وأجبر الخليفة عمر رضي الله عنه بني عم مَنْفُوسِ على نفقته (4).
وبناء عليه، فإنه يجب على العصبة بمقتضى ظاهر الآية وقاعدة الغنم بالغرم مسؤولية مالية عند استحقاقهم الإرث، ويجدر بمدونة الأسرة أن تتجه نحو سن قوانين تلزم العصبة بتحمل هذه المسؤولية، وبدلا أن نرى في التعصيب سببا في إفقار بنات الميت، ثم السعي إلى تعطيل أحكام قطعية في القرآن وفق رغبات الحداثيين، ينبغي أن نجعل منه سببا في حمايتهن ورعايتهن، وشريعة الإسلام منظومة متكاملة تنشد العدل في الأحكام والواقعية في التشريع.
…………………………
(1)[جزء من آية 233 من البقرة]،
(2) «المستدرك على مجموع الفتاوى» (2/ 147).
(3) «المحلى بالآثار» (9/ 270).
(4) «المستدرك على مجموع الفتاوى» (2/ 147).