الزلازل بين القضاء و القدر وفعل البشر
هوية بريس – بوسلهام عميمر
بعيدا عن النظريات العلمية حول ظاهرة الزلازل، إنه شأن علمائه وخبرائه، وإن كان زلزال الحوز المفاجئ بالقوة التي ضرب بها بدون سابق إعلام، سيجعلهم يعيدون النظر في كل نتائج أبحاثهم السابقة كما ورد على لسان أكثر من خبير.
كما إنه لا أحد يجادل في قضاء الله وقدره كبقية الكوارث من حرائق وأعاصير و فيضانات وانزلاقات أرضية وسقوط الصخور الكبيرة. هل من تفسير لماذا يقضي هذا نحبه وتكتب النجاة لذاك علما فهم تحت سقف واحد؟ فعند الموت يتوقف العقل والمنطق، فلا نجد أبلغ من القول بأنها إرادة الله هو يعلمها ويختص بها لا علاقة لها بما يردده بعض من يتصدرون المجالس ويحسبون أنفسهم من الموقعين عن الله فيطلقون لألسنتهم العنان لتهرف بما لا تعرف والقول بأن الكوارث عقاب الله وغضبه، وكأن هؤلاء البسطاء شيبا وشبابا وأطفالا صغارا ممن قضوا نحبهم في هذا الزلزال، كلهم من ورثة أبي جهل وأحفاده يرفعون راية العصيان ويدعون لعبادة غير الله. أي جهل أكبر من ترديد هذه الأباطيل والأراجيف البعيدة كل البعد عن جوهر ديننا السمح الحنيف؟ !
لكن ونحن نتحدث عن زلزال الحوز وما أحدثه من دمار رهيب و ما خلفه من ضحايا في الأرواح و الجرحى يقدرون بالآلاف، فضلا عن مخلفاته الاجتماعية من يتم وترمل وعاهات مستديمة جسدية وأحيانا عقلية لهول ما يقع، ألم يكن للعنصر البشري يد في كل ما وقع؟ ألا تدعونا هذه الفاجعة لوقفة تأمل مع الذات للبحث عن مسؤوليتنا وتقصيرنا ويدنا في النتائج الكارثية المادية والبشرية؟ وإن كان فمن قلب الرماد ينبعث النور، إذ كانت المناسبة مواتية لتبيان معدن المغاربة الأصيل ملكا وشعبا في التلاحم والتضامن والتآزر.
اليابان اليوم باعتبارها رائدة على المستوى العالمي في مجال الزلازل، من زمن بعيد لم تعد تراهن على الكشف المبكر عن وقت حدوثها أو مكانها في إطار الحرب الاستباقية للتخفيف من أضرارها، بقدر اهتمامها بالبنية التحتية لمقاومة آثارها المدمرة. إنها إلى اليوم لا تزال تصدر القوانين المشددة على الأبنية المقاومة للهزات الأرضية كالقانون المتعلق بسماكة الأعمدة والسواري وصلابتها في المباني الشاهقة، وقانون آخر يفرض استخدام المخمّدات بإمكانها امتصاص الكثير من طاقة الزلازل، بوضع طبقات من الخرائط المطاطية السميكة على الأرض، وقانون يفرض بناء هيكل معزول عن الأرض بواسطة الفولاذ والمطاط تتحرك بشكل مستقل عند حدوث الهزات الأرضية و إلزامية الأخذ في الاعتبار التربة التي تقام عليها الأبنية الشاهقة وغيرها من القوانين بما فيه استعمال الغاز وما يتسبب فيه من حرائق، إنهم اليوم يبادرون إلى قطعه بمجرد وقوعها، تحصن بها ترسانتها الدفاعية في وجه خطورة الزلازل وقوتها. هذا فضلا عما يواكب هذه القوانين الصارمة من تعبئة شاملة وتوعية المواطنين وتربية النشء على كيفية التعامل مع الزلازل عند حدوثها والوقاية من أخطارها.
قد نلتمس العذر للأوائل قبل معرفة أحزمة الزلازل ومواقع تواجدها، لكن اليوم خاصة مع الثورة التكنولوجية والعلمية، فهل لأحد من عذر كان شخصا عاديا أو معنويا يتحمل مسؤولية كبيرة أو صغيرة، فهل بقي ما يمكن التذرع به للمسارعة إلى الأخذ بكل الأسباب المتاحة للحد من آثار الكوارث عامة والزلازل خاصة قبل وقوعها بهذا الهول الذي كان عليه زلزال 8 شتنبر؟
السؤال اليوم، اليابان بعد الزلزال الذي سبق أن ضربها في 1923 بقوة 7,9 على سلم ريشتر وخلف 140 ألف ضحية، من يومها وهي تطور تقنياتها للحد من آثارها. لن نغرق في نقد حال الأبنية التي سويت مع الأرض على رؤوس أهلها يرحمهم الله جميعا، تذكر مواد بنائها بالعصور البدائية من طوب و أعواد وأتربة وحجارة، ولن نغرق في البحث عمن تركهم على حالهم هاته حتى حدث ما حدث، فالسؤال اليوم، ما الذي سنفعله لكي لا تتكرر المأساة بهذا الشكل الرهيب؟
لن نكون مثاليين لنطالب المسؤولين للقيام بما تقوم به اليابان، لكن على الأقل نقتفي أثرها في صرامة قوانين البناء للحد من كوارثها وخاصة على مستوى العنصر البشري. يرحم الله الغيوان (ما هموني غير الرجال إلى ضاعو — لحيوط إلى رابو كلها يبني دار).