تناهى إلى أسماعنا يوم الاثنين الماضي خبر التفجيرات الآثمة، التي حلت بثلاثة أماكن ببلاد الحرمين الشريفين، حيث اهتزت نفوس المسلمين في بقاع الأرض، واعتصرت قلوبهم ألما وتفجعا، لأن أحد هذه التفجيرات لم عاديا، تجاوز فيه الإرهاب كل مقاييس القسوة والترهيب، حين تعلق الأمر بتفجير المدينة النبوية، على بعد 300 متر من مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يثوي قبره الشريف، وحيث روضته المنيفة، دون أن تأخذ الظالمين المعتدين مسكة من شعور بقداسة المكان، أو صحوة من عظمة الزمان، وهو العشر الأواخر من رمضان المبارك.
هل كان أحد يتصور -ولو في الخيال- أن تمتد يد البغي إلى هذه البقاع الطاهرة، والحُرُم المقدسة، تعثو فيها بالفساد، من ترويع للآمنين، وفتون للعابدين، بل وقتل للساهرين على أمن الحجاج والمعتمرين؟ ماذا كان سيحصل لو لم يضح أربعة من حراس الأمن بنفوسهم، ويصدوا المعتدي الفاجر قبل التوغل في حشود المعتمرين الآمنين، والمصلين المخبتين، وقت إفطارهم، انتظارا لصلاة المغرب؟ إذن لكانت مقتلة عظيمة لا يعلم مداها إلا الله.
إنهم أحفاد الخوارج، الذين قتلوا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهو صائم والقرآن بين يديه، والذين قتلوا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو قاصد إلى صلاة الفجر، والذين حاولوا قتل معاوية -رضي الله عنه- وهو خارج لصلاة الصبح، وحاولوا قتل عمرو بن العاص، بعد أن اشتكى بطنه، فلم يخرج إلى صلاة الصبح، وأمر أن يصلي بالناس خارجة بن حبيب، فتشابه للباغي مع عمرو بن العاص فقتله. وقتلوا -قبل ذلك- الصحابي الجليل عبد الله بن خباب، بعد أن حدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحديث: “سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ” متفق عليه، فقتلوه، وذبحوا زوجته الحامل، وبقروا بطنها.
هؤلاء هم الذين قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يَقْرَأونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ” متفق عليه.
هؤلاء المكفرون، المستحلون لدماء من خالفهم، لهم حفدة يخلفونهم، لا ينقطعون على مرور الأزمان. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ (طائفة) قُطِعَ (غلبهم أهل الحق) أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ (أي: جيشهم) الدَّجَّالُ” صحيح سنن ابن ماجة.
وهؤلاء هم الذين قال فيهم شيخ الإسلام: “الخوارج هم أول من كفَّر المسلمين بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله“.
ألم يعلم هؤلاء أن المدينة يحرم فيها البغي والقتل، وأنها آمنة إلى يوم القيامة؟ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: أَهْوَى رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: “إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ” رواه مسلم، أي يحرم فيها القتل وحمل السلاح، بل يحرم بها الصيد، وقطع الشجر إلا للحاجة. قال -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا (أي: جبليها)، أَنْ لاَ يُهَرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلاَ يُحْمَلَ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَالٍ، وَلاَ يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ لِعَلْفٍ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا .. اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ” مسلم.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكن لها حبا عظيما، لا يطيق الغياب عنها، فهي مهبط الوحي، وموطن هجرته، ودار صحابته، ومنطلق بناء دولته. عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ (حثها على السرعة)، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ، حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا” البخاري.
ألم يعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توعد المعتدين في مدينته بالعذاب العاجل والآجل؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلاَّ أَذَابَهُ الله فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ” متفق عليه.
ألم يعلموا أن مجرد إخافة أهل المدينة، يستوجب اللعنة والخروج من رحمة الله؟ يقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ظُلْماً، أَخَافَهُ الله، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً” رواه أحمد. ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله، وَالْمَلاَئِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ” متفق عليه، فكيف بأذية رسول الله -صلى الله عليه وسلم وهو في قبره- بهذا التفجير الباغي، وهذا التقتيل الآثم؟ وقد نهى الله -عز وجل- عن مجرد رفع الصوت عنده. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ“. وقد نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- حين اختلفا في من يكون على وفد بني تميم حتى ارتفعت أصواتهما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان عمر بعدُ إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِحَدِيثٍ، حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ، لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ” البخاري.
وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ربما إذا أراد إصلاح باب داره، خرج إلى أطراف المدينة، لكي لا يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلح الباب.
وكان الإمام مالك -رحمه الله-، الذي عرف حق التأدب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يركب دابة بالمدينة المنورة، هيبة وتوقيرا للنبي -صلى الله عليه وسلم-. ثم يأتي المخذول، فيعلنها ثورة على المقدسات، وتمردا على الثوابت، فينحر نفسه، ويفتك بآخرين ظلما واعتداء.
المدينة النبوية، التي جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مجمع الإيمان ومأواه، تتعرض لمثل هذا الاعتداء، وتستباح فيها الدماء. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا” منفق عليه.
المدينة النبوية، التي دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبركة فيها، حتى فضلها في ذلك على مكة فقال: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ” متفق عليه، وفي حديث آخر: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، وَاجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ” مسلم. ويقول فيها -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ“، يقصدها الخسيس بالفعل الوضيع، والتهوك الشنيع، يزهق الأرواح، وينشر الأتراح، ويهدر الكرامات، ويستبيح الحرمات، ويهتك المقدسات، ويعتقد المسكين أنه على هدى، وغيره على ضلال، “فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ“.
نقاتل باسم هذا الدين بعـضا*** كأنا لا نرى في الدين ديــنا
نقطع في الشآم رؤوس بعض***ونقتل في العراق الآمنيـنا
(مددنا للمـديـنة سـيـف بغــي***بطعن في صدور المخبتينا)
المدينة النبوية، التي ميزها الله -تعالى- بكونها تنفي عنها الخبثاء، وتطرد السفهاء، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ” متفق عليه، تعلن اليوم أنها نفت المعتدي الظالم، فقتل شر قِتلة، حتى إنهم عثروا على رأسه على بعد 30 مترا من مكان التفجير. “لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ الله مِنْ وَاقٍ“.
المدينة النبوية، التي سماها الله -تعالى- طابة، كما في حديث جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ” مسلم، حيث تطيب بها السكنى، ويُنعَم فيها بالبركة. ومع ما فيها من لأواء وشدة، فضل النبي -صلى الله عليه وسلم- سكناها على غيرها فقال: “يأتي على الناسِ زمانٌ، يدعُو الرجلُ ابنَ عمِّه وقريبَه: هلُمَّ إلى الرَّخاء، هلُمَّ إلى الرَّخاء، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون” مسلم.
بل والموت فيها أفضل من الموت في غيرها. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا” صحيح سنن ابن ماجة.
وكان عُمرُ بن الخطاب يقول: “اللهم اجعل موتي في بلدِ رسولِك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-” البخاري.
هذه المدينة المباركة، بهذه القدسية العظيمة، والهالة الجسيمة، تتعرض للتفجير البئيس، والهجوم الخسيس، فهل وعوا خطورة هذا الفعل الدني، والتفكير الشني؟
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى الله أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلاَّ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِراً، أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً” صحيح سنن النسائي. ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ، لأَكَبَّهُمُ الله فِي النَّارِ” صحيح سنن الترمذي.
الامر قي منتهى البساطة ، انتم ياجماعة المقاتلة نموذج للمداخلة الفرق بينكم انكم اسنعملتم القوة وهم لا ، لكن في نهاية المطاف كلكم تكفيريون وتعتبروا ان كل من يحالفكم هو انسان ضال و…… وهذا منهج الوهابيين وكلهم جماهة ضالة
الامر قي منتهى البساطة ، انتم ياجماعة المقاتلة نموذج للمداخلة الفرق بينكم انكم اسنعملتم القوة وهم لا ، لكن في نهاية المطاف كلكم تكفيريون وتعتبروا ان كل من يحالفكم هو انسان ضال و…… وهذا منهج الوهابيين وكلهم جماهة ضالة