زواج المتعة: إقامة الدليل على بطلان شبهات «محمد ابن الأزرق» (ح4)
هوية بريس – منير المرود
ضمن سلسلة “الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية “محمد ابن الأزرق الأنجري” الجزء السابع/الحلقة الرابعة.
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على من حرم زواج المتعة إلى يوم الدين.
وبعد:
لازالت رحلتنا مع الأخ الأستاذ محمد بن الأزرق الأنجري مستمرة، ولا زلنا نستقي من مستنقع شبهاته نتفا نرد من خلالها ما وقع فيه من التباس الحق بالباطل، حيث يسير بنا في ركب الشيعة الهوام، الذين أباحوا ما حرم الله ورسوله، فلم يبق عندهم للعرض مكان، ولا لمعصية الزنا عقاب، فانحل عنهم اللجام، وانهمكوا في الشهوات انهماك الأنعام، وصارت الرذيلة في دينهم من أقرب القربات، حيث رفع عنهم العلم، وسيطر الطيش والجنون على العقول، وعشش الانحلال في مجتمعاتهم وباض، وكثر أولاد الزنى، وشاعت الخيانة باسم الدين، وكانت حجتهم على إباحة هذا العقد الباطل هو محاربة الفواحش والزنى، فإذا بهم يقعون في شر مستطير لا قبل لهم على رده أو تنظيمه.
والغريب الذي يعجب منه كل ذي رأي حصيف، أن هذه الحجة نفسها ـ أي محاربة الزني ـ هي التي انطلق منها صاحبنا ” ابن الأزرق” في إباحته للمتعة، فوافق القوم في البداية والنهاية. (أنظر ص: 8ـ9 من مقدمة كتابه حول المتعة، وقارنه بما في كتاب “المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي” لتوفيق الفكيكي الشيعي، ص: 191، و263).
نص الشبهة
قال ابن الأزرق في مقاله المعنون بـ”نكاح المتعة: رحمة أم حرام عند السلف؟”: (لكن الشافعي تردد بشأن ثبوته في كتاب الأم، وصرح ابن معين بضعف كل ما يروى عن سبرة بن معبد في ترجمة حفيده عبد الملك بن الربيع بن سبرة، وانتقد الإمام الدارقطني في “الإلزامات والتتبع” مسلم بن الحجاج على تخريجه لعدم ثبوت صحبة سبرة بن معبد، وأضرب عنه الإمام البخاري فلم يستشهد به في الصحيح رغم أنه تناول موضوع نكاح المتعة هناك، وعلى الرغم من معرفته به إذ رواه في التاريخ الكبير.)
المحور الأول: تحقيق رأي الشافعي في حديث سبرة.
قال ابن الأزرق: (لكن الشافعي تردد بشأن ثبوته في كتاب الأم).
كذا قال في المقال المنشور على الشبكة، ولعله سبق قلم، لأن العبارة التي توهم من خلالها أن الشافعي متوقف في تضعيف الحديث موجودة في كتاب ” اختلاف الحديث ” وليس في “الأم”.
أقول هذا مع التنبيه على أن “ابن الأزرق” قد أشار في كتابه المطبوع حول الموضوع إلى أن تردد الشافعي حصل منه في كتابه ” اختلاف الحديث”، وما ذكرت هذه الملاحظة إلا لأنبه من يعتمد على مقالاته فقط دون الرجوع إلى الكتاب.
لقد نقل “ابن الأزرق” نص كلام الشافعي رحمه الله في “اختلاف الحديث”[1]، وتوهم أنه يتضمن ترددا منه في صحة حديث سبرة، وهذا خطأ فاحش في الفهم، لأن الشافعي قصد من كلامه هناك التوقف في صحة إحدى طرق حديث سبرة، والذي وردت فيه زيادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح المتعة ثم حرمها في عام الفتح، أو حجة الوداع حسب الاختلاف الوارد في رواية الحديث من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز.
وبالتالي فإن الشافعي رحمه الله متردد في رواية عبد العزيز بن عمر هاته لا في أصل حديث سبرة، وبيان ذلك فيما يلي:
1 ـ روى الشافعي حديث سبرة بن معبد الجهني، واستدل به على حرمة هذا النوع من النكاح، كما جاء في كتاب “الأم” من رواية الربيع بن سليمان 7/183، ثم قال ـ الربيع ـ بعد ذكر حديث سبرة: « وبهذا يقول الشافعي ».
هذا بالإضافة إلى أن الشافعي قد رواه أيضا في الأم 5/85 وبنى عليه تحريم نكاح المتعة. فكيف يكون الحديث ضعيفا عنده ثم يعتمد عليه في التحريم.
2 ـ الرواية التي صحت عند الإمام الشافعي بسنده الصحيح ليس فيها ذكر وقت النهي عن نكاح المتعة، وهذا نص الرواية المسلسلة بالحفاظ العدول، قال الشافعي في الأم 5/85 و 7/183: (« أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن نكاح المتعة»).
ملاحظة مهمة: الملاحظ أن هذه الرواية لم تتضمن وقت النهي، فلنتذكر ذلك لأنه سينفعنا في معرفة المقصود من كلام الشافعي رحمه الله.
3 ـ أورد الشافعي رحمه الله قبل رواية سبرة الدالة على التحريم حديثَ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الدال في ظاهره على إباحة المتعة، دون تحديد وقت الإباحة، فقال: (أخبرنا سفيان عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: «كنا نغزو مع النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس معنا نساء فأردنا أن نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء»).
4 ـ أورد بينهما حديث علي رضي الله عنه الذي يدل في ظاهره[2] على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن نكاح المتعة زمن خيبر، حيث جاء في كتاب ” الأم” 7/183 : (أخبرنا سفيان عن الزهري قال حدثني حسن وعبد الله ابنا محمد بن علي عن أبيهما عن علي – رضي الله عنه – أنه قال لابن عباس أن «رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن نكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية زمن خيبر»
(أخبرنا الربيع) قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي – رضي الله عنه – أن «النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن متعة النساء يوم خيبر») اهـ.
5 ـ اجتمع لدى الشافعي رحمه الله بالأسانيد الصحاح ـ غير حديث ابن مسعود فإنه حسن: رجاله رجال الصحيحين، وله طرق صحيحة كالشمس عند مسلم برقم 1404ـ ثلاث روايات في أحدها حكاية إباحة المتعة دون تحديد وقت تلك الإباحة (حديث ابن مسعود رضي الله عنه)، وفي الثانية النهي عنها دون تحديد وقت هذا النهي (حديث سبرة رضي الله عنه)، وفي الثالثة ما يدل على زمن النهي وهو خيبر (حديث علي رضي الله عنه).
6 ـ لما اجتمعت هذه الروايات الثلاث قال الشافعي عنها بعد أن أوردها في “اختلاف الحديث”[3] ص: 645 : (ثم ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة، ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أم بعدها، فأشبه حديث علي بن أبي طالب في نهي النبي عن المتعة أن يكون والله أعلم ناسخا، فلا يجوز نكاح المتعة بحال، وإن كان حديث الربيع بن سبرة يثبت، فهو يبين أن رسول الله أحل نكاح المتعة، ثم قال: «هي حرام إلى يوم القيامة» . قال: فإن لم يثبت، ولم يكن في حديث علي بيان أنه ناسخ لحديث ابن مسعود وغيره مما روى إحلال المتعة، سقط تحليلها بدلائل القرآن والسنة والقياس) اهـ.
وهذا المقطع قد نقله “ابن الأزرق” مستدلا به ـ وبمقطع آخر سأنقله فيما يلي ـ على أن الشافعي تردد في صحة حديث سبرة، وهذا خطأ في الفهم ، لا يمكن إدراكه إلا بإمعان النظر في كلام الشافعي وفهم مقصوده منه، وربط عناصره مع بعضها البعض، وفيما يلي تفكيك لهذا المقطع، ليتبين لكل طالب نبيه مراد الشافعي رحمه الله منه:
أ ـ قال الشافعي : (وإن كان حديث الربيع بن سبرة يثبت، فهو يبين أن رسول الله أحل نكاح المتعة، ثم قال: «هي حرام إلى يوم القيامة») اهـ.
الملاحظ أن زيادة «هي حرام إلى يوم القيامة» لم ترد في الروايات التي سبق أن ذكرناها من قبل، والتي رواها الشافعي في كتبه، وبالتالي فإنها لم تصل إليه بسند صحيح كرواية سفيان عن الزهري السابقة الذكر.
ب ـ الرواية التي فيها هذه الزيادة ـ أي «هي حرام إلى يوم القيامة» ـ وردت من عدة طرق، منها طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وطريق عمر بن عبد العزيز، وكلاهما عند الإمام مسلم.
فإذا تقرر ذلك، وعلمنا أن عبد العزيز بن عمر مختلف فيه بين أئمة هذا الشأن توثيقا وتجريحا في ضبطه لا في عدالته، تبين لنا السبب الذي جعل الشافعي رحمه الله يتوقف في الزيادة الواردة في روايته، والتي تدل على زمن التحريم ـ حجة الوداع أو الفتح حسب الاختلاف الوارد في روايات عبد العزيز بن عمر ـ.
فبتتبع روايات الأحاديث التي أوردها الشافعي رحمه الله عن المتعة، نجد أنها خالية من هذه الزيادة، فلعلها وصلت إليه بطريق توقف في صحتها، لذلك لم يوردها في شيء من كتبه، كما أنه لم يعتمد عليها في تحديد وقت النهي عن المتعة في حديث سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه. بدليل ما يلي:
ج ـ قال البيهقي في معرفة السنن والآثار تعليقا على أحاديث تحريم المتعة 10/175: (قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وإن كان حديث الربيع بن سبرة يثبت فهو يبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل نكاح المتعة، ثم قال: هي حرام إلى يوم القيامة) اهـ.
قلت: من العجيب أن الأخ ابن الأزرق استدل بكلام البيهقي المدون أعلاه، ونقله عنه في كتابه ص: 137، وفرح به فرحا شديدا لأنه في ظنه يؤيد فهمه لكلام الشافعي في “اختلاف الحديث”، لكنه ـ أي “ابن الأزرق” ـ لم يطالع تتمة كلام البيهقي حول الموضوع، والتي يبين من خلالها مقصود الشافعي رحمه الله من كلامه، وفيما يلي نص كلام البيهقي الدال على أن الشافعي كان يقصد رواية سبرة من طريق عبد العزيز بن عمر:
د ـ قال البيهقي في معرفة السنن والآثار 10/176 ـ 177 : (وأما اللفظ الذي أشار إليه الشافعي فهو فيما أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا جعفر بن عون، أخبرنا عبد العزيز بن عمر قال: حدثني الربيع بن سبرة، أن أباه حدثه: أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث في دخولهم مكة – وإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستمتاع قال: فخرجت أنا وابن عم لي معي برد ومعه برد وبرده أجود من بردي وأنا أشب منه، فأعجبها شبابي وأعجبها برده، فصار أمرها إلى أن قالت: برد كبرد، وكان الأجل بيني وبينها عشرة فبت عندها تلك الليلة، ثم أصبح فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بين الباب والركن، فقال في كلامه: «يا أيها الناس، قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا».
أخرجه مسلم في الصحيح مختصرا، وترك (تقييد)[4] عبد العزيز ذلك بحجة الوداع لمخالفته فيه أكثر الرواة عن الربيع،) اهـ.
قلت: ورواية عبد العزيز بن عمر هاته أخرجها الإمام أحمد برقم 15345، والقاسم ابن سلام في الناسخ والمنسوخ رقم: 122، والدارمي 2241، وابن ماجة 1962، وغيرهم. وفيها أن التحريم كان في حجة الوداع، وهذا شاذ، والمحفوظ أن التحريم كان في فتح مكة والله اعلم.
فهذه إشارة من البيهقي إلى أن الشافعي قد تردد في الطريق التي روي منها تحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، والتي وقع الاختلاف فيها على عبد العزيز بن عمر، بين من جعل التحريم يوم الفتح، ومن جعله يوم حجة الوداع.
هـ ـ قال المزني في مختصره 8/277 : (قال[5]: وإن كان حديث عبد العزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة ثابتا فهو مبين «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أحل نكاح المتعة ثم قال هي حرام إلى يوم القيامة») اهـ .
والضمير في قال هنا يعود على الشافعي، والذي صرح بمقصوده رحمه الله في “اختلاف الحديث” حيث ذكر أنه يقصد بتشكيكه هذا حديث عبد العزيز بن عمر المذكور فقال ص: 645 : (فخالفنا مخالفون في نكاح المتعة، فقال بعضهم: النهي عن نكاح المتعة عام خيبر على أنهم استمتعوا من يهوديات في دار الشرك، فكره ذلك لهم لا على تحريمه؛ لأن الناس استمتعوا عام الفتح في حديث عبد العزيز بن عمر، فقيل له: الحديث عام الفتح في النهي عن نكاح المتعة على الأبد أبين من حديث علي بن أبي طالب، وإذا لم يثبت فلا حجة فيه بالإرخاص في المتعة) اهـ.
قلت: الضمير في قوله : (وإذا لم يثبت) يعود على رواية الحديث من طريق عبد العزيز بن عمر، فيكون توقف الشافعي رحمه الله خاص بها دون غيرها، لأنها لم تثبت عنده بسند صحيح فيما يبدو والله أعلم.
ورواية عبد العزيز بن عمر التي نص فيها على أن التحريم كان عام الفتح أخرجها الطبراني في المعجم الأوسط رقم 1324، قال الحافظ بن حجر في الفتح 9/170 : (وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر) اهـ.
تنبيهان:
1 ـ ذهب الأخ طارق الحمودي في الجزء الثاني من أنواره الكاشفة إلى أن كلام الشافعي الذي فهم منه ابن الأزرق التردد في ثبوت الحديث جاء في معرض المجادلة، وهذا التأويل يحتاج إلى نظر وتأمل، لأن السياق لا يسعفه خاصة في المقطع الأول منه، أي من قوله: (ثم ذكر ابن مسعود الإرخاص) إلى: (حيث سئلنا عنه).
هذا بالإضافة إلى ما نقلناه من كلام البيهقي والمزني، والذي يدل على أن الشافعي كان يقصد التوقف في تصحيح رواية الربيع الدالة على توقيت زمن النهي، والتي وصلت إلى الشافعي من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، والله أعلم.
2 ـ نسب الأستاذ “طارق” أيضا في مقاله المشار إليه أعلاه رواية الشافعي لحديث سبرة الآتي: » أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري قال: أخبرني الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وبهذا يقول الشافعي«، ـ نسبها ـ إلى المزني في مختصره، والصواب أنها في كتاب الأم 7/183 وليس في مختصر المزني، وعبارة : (وبهذا يقول الشافعي) للربيع بن سليمان راوي كتاب الأم وليست للمزني. والله أعلم .
المحور الثاني: هل ضعف ابن معين حديث سبرة بن معبد الجهني؟
قال ابن الأزرق : (وصرح ابن معين بضعف كل ما يروى عن سبرة بن معبد في ترجمة حفيده عبد الملك بن الربيع بن سبرة) اهـ.
قلت: ضعف “ابن معين” أحاديث عبد الملك عن أبيه عن جده بسبب عبد الملك وليس بسبب الربيع، وكم أعجب من فهم “ابن الأزرق” لكلام المتقدمين، فمعظم شبهاته التي يوردها في مقالاته المختلفة سببها غالبا عدم فهمه لكلام من ينقل عنه عبارة معينة، ثم يبني على سوء فهمه عدة إشكالات يلبس بها على نفسه وعلى أتباعه.
وفيما يلي نص كلام “يحيى بن معين” الذي توهمه الأستاذ تضعيفا لكل ما يروى عن سبرة بن معبد الجهني، قال أبو خيثمة : « سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبد الملك بن الربيع ، عن أبيه ، عن جده ، فقال : ضعاف»[6].
و قد حكى “ابن الجوزى” ، عن “ابن معين” أنه قال : عبد الملك ضعيف[7]، فهذا تفسير منه رحمه الله لكلام ابن معين، وبيان بأن قصده من قوله « ضعاف » يعود على مروياته، لا على الربيع بن سبرة وأبيه رضي الله عنه.
ويفسره أيضا قول ابن حبان في ترجمته في كتابه “المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين” 2/132 ـ 133: « منكر الحديث جدا، يروي عَن أبيه ما لم يتابع عليه. سمعت الحنبلي يقول: سمعت ابن زهير يقول: سئل يحيى بْن مَعِين عَن أحاديث عَبد المَلِك بْن الربيع بْنِ سَبْرَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنْ جده؟ قال: ضعيف » اهـ.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 2/654 ـ 655: « صدوق إن شاء الله.
ضعفه يحيى بن معين فقط، وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين عن أحاديثه عن أبيه عن جده، فقال: ضعاف.
وقال ابن القطان: وإن كان مسلم قد أخرج لعبد الملك فغير محتج به » اهـ.
فهذه نصوص صريحة لمجموعة من المحدثين تبين المقصود من كلام يحيى بن معين، وبغض النظر عن كل هذه النقول، فإن كلامه واضح وصريح في أن المقصود بقوله: « ضعاف »، أي مروياته التي يرويها منفردا، أما حديث سبرة فقد روي من طرق شتى ليس فيها عبد الملك بن الربيع، وحديثه لم يروه الإمام مسلم إلا متابعة كما بينت في الحلقة الثانية من هذه الردود.
ومن عجائب فهم ابن الأزرق أنه جعل تضعيف يحيى ابن معين لعبد الملك بن الربيع ” أصرح كلام إمام من أئمتنا في رد حديث سبرة بن معبد” ـ كذا قال في ص: 138 ـ ، رغم أن هذا الحديث قد ورد من طرق عدة ليس فيها عبد الملك، وقد أجاد الأخ “طارق الحمودي ” في رد هذا الفهم حيث قال في “الأنوار الكاشفة” ج 2 : (فهم من عبارة «أحاديث عبد الملك » المتون التي يرويها، والصحيح أن المراد بـ« حديث عبد الملك »، رواية عبد الملك وطريقه لا متونه، وعلى هذا فقد تضعف روايته ولا يضعف متنه لمجيئه من طرق أخرى صحيحة، ولا أحتاج إلى شرح هذا لأنه معروف عند صغار طلبة علم الحديث) اهـ.
خاتمة:
لقد تبين من خلال ما تقدم أن الشافعي وابن معين رحمهما الله بريئان مما نسبه إليهما الأستاذ ابن الأزرق من تضعيف لأحاديث سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه، فماذا عن الإمامين الجليلين البخاري والدارقطني رحمهما الله، هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
وإلى ذلك الحين ها هو صاحب المقال يحييكم بتحية السلم والسلام والإسلام، تحية أهل الجنة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خريج دار الحديث الحسنية
[email protected]
https://web.facebook.com/?_rdr
[1] ـ لم أذكره هنا قصد الاختصار، علما أنني سأورد ما يهمنا منه بعد قليل إن شاء الله.
[2] ـ أقول هذا لأن بعض العلماء قد ذهبوا إلى أن المنهي عنه زمن خيبر هو لحوم الحمر الأهلية وليس المتعة، وهو رأي له وجاهته كما سنبين في مقالاتنا القادمة إن شاء الله .
[3] ـ وهو النص الذي توهم منه ابن الأزرق تردد الشافعي في تصحيح حديث سبرة.
[4] ـ وقع هنا سقط في المطبوع كما هو مبين في طبعة دار الكتب العلمية 5 / 343، وقد أثبتت هذه الزيادة أي (تقييد ) من رسالة علمية لنيل شهادة الدكتوراه للدكتور مصطفى عمار بن محمد منلا (معرفة السنن والآثار، تحقيق ودراسة: من أول باب المواريث إلى بداية كتاب الصداق ) ج 2 ص: 799.
[5] ـ أي الشافعي.
[6] ـ التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة 2 / 701 . وتجد هذا النقل عن ابن معين في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5 / 350.
[7] ـ الضعفاء والمتروكون 2 / 149.