أَيَا ذَاكَ..
هوية بريس – زينب أحمد
إنّ في قرآننا ناموسًا كونِيًّا يتحدّى مبلغَ عِلْمِك بأبعادٍ تغشاها بصيرَتُك.. وقوانين تخرمُ منتهى ما قد تبلغه آمالك.. ودساتير تهدم -بأريحية- أعقد ما يصله فهمك..
إن كتابنا.. يتحداك اليوم وغدا بنفس ما تحدى به أسلافك.. لا بل إنه يتحدى جمع إنسكم إلى جنِّكم -وزد إن شئت متخيلا إنسنا وجنَّنَا- أن يأتي في آخر مطافاتِ علمه بِمثلِ ما بين أيْدينا؛ حبلٌ طرفُه بأيدينا وطرفُه بِيَدِ رَبِّنَا..
أتعلم أن هذا الذكر يُخبرنا بعبارات مُعجِزَةٍ.. أنك عاجزٌ ضعيفٌ كلُّ أَمْرِكَ ضَنَكٌ يَعْبَثُ الشَّيْطَانُ بأحلامك ويُداوم على تَحْزِينِكَ.. أَرْقَى مراحل تَعَقُّل قلبك -تُفِيدُ ولا بُدَّ- أنَّك كافرٌ بِذاتك قانعٌ دُونها بِسِجْنٍ دَاخِلَ ذَوَاتِ غَيْرِكَ.. مُنْتَهَى رُشْدِكَ أنَّك عَاجِزٌ عن رُؤْيَةِ مَوْضِعِ قدميك.. مبلغُ أحلامِك إيمانٌ بِغيبٍ يُشْبِعُ جَوْعَةَ فِطْرَتِكَ.. أحلى أمانيك إيواءٌ إلى ركن شديدٍ يحميك من الضعف الذي يُخزِي فيك الانتشاء بقوَّتك..
هل تُنكر؟!
اصدقني القول إذا.. لماذا ينتحر علماؤكم دون علمائنا، أثرياؤكم دون أثريائنا.. لماذا تنتهي مساراتُ المُفكرين في صفوفكم إلى جحيمٍ دنيويٍّ وخبلٍ وخطلٍ فكري عند أبسط الشدائد، بينما تَقوى ذاكرة موسوعيٍّ منَّا رغم المِحن والزُّهد في الدنيا فيأتينا حتَّى وهو في زنزانةٍ بالدُّرر؟! لماذا يعجز فلاسفتكم عن صياغة قوانين رادعةٍ لمكنونات النُّفوس؟! لماذا تُستعبَدُ شعوبكم بكذبات ساذجة؟!
هل تَعترفُ أنَّ هذا القلبَ مهما بلغ من الرُّقي في عملية إنتاج الفكر وصياغة مقدَّساتٍ لتهدئة لوعته إلى الإيمان.. إن هو خلا منها في الحب والتذكر والتفكر و… فسيُحرقه ذلك التَّشَوُّفُ المفطور فيه إلى غيبٍ مستحيلٌ له البديل إلا فراغٌ قاهرٌ مُتآكِلٌ به كلُّ البُنيان..
هل يشرح لك هذا انتحار أولئك.. هروباً منهم إلى أقربِ غيبٍ (الموت) لإسكات صوت تلك الفطرة الصَّادح بحَاجتها إلى التَشرّب من يَنَابِيعِ التّوحيد والاعتصام بالحميد المجيد؟!
ثم انظر معي إلى الآيةِ الكريمةِ التِّي تَتَجَلَّى هَادِمَةً لِمُنْتَهَى خَيَالِك.. صارخةً أنَّك لَنْ تَبْلُغَ أَبْعَدَ مِنْ مُجَرَّدِ كافرٍ بِحقائقِ الإسلام.. ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾.. إنَّها تُقِرُّ عنك بحقيقة أنّ أقصى ما يستطيعه أهل الفرار من الدين ←ادعاء العبثية.. فإلى أين لك الفرار؟!
تأكَّد أنَّني لو حدَّثْتُكَ فَقَطْ بِبعض ما أدركنا من رحماتِ التنزيل لبلغ بك الحسد لي مبلغه.. لذلك أقنع دون ذلك بإشارةٍ قد تُنَبِّهُكَ أو تَشْطَحُ بِغُرُورِكَ فَتَزِيدُ فِي وَجَعِكَ..