المرأة ورمضان (ج1)
هوية بريس – فاطمة الزهراء سليماني
الإثنين 22 يوليوز 2013م
نعيش أياما مباركة بنسمات هذا الشهر الفضيل، يكفينا فيه العتق من النار، وأنه شهر القرآن، أيامه معدودات فطوبى لمن استغلت هذه الأيام في الطاعات والعبادات؛طوبى لمن استقبلت شهرها بعزيمة وهمّة في زمن الكسل، وطوبى لمن جعلت القرآن رفيقها والقيام أنيس ليلها؛ وهنيئا لكل امرأة فرحت بقدوم رمضان واجتهدت لتفوز بالجنان.
إن المرأة الذكية الفطنة هي التي تستثمر هذا الشهر في تغيير معادلتها اليومية والتنافس على مرضاة الله..
قال ربنا جل في علاه في سورة الذاريات: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وعند تدبر هذه الآية يظهر لنا جليا أن الغاية من خلقنا هي عبادة المولى سبحانه، فإذا كان الأمر كذلك فحق علينا اغتنام هذه الفرصة والإعراض عن الدنيا فهي مركب عبور لا منزل حبور، ودار نفاد لا محل إخلاد.
وقفات مع النفس في رمضان
نعمة إدراك رمضان
إن من نعم الله عز وجل علينا أن مدّ في أعمارنا حتى بلغنا هذا الشهر العظيم، فهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر يُنادى فيه: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله فيه عتقاء من النار كل ليلة، فما أعظم فضل هذا الشهر ولله فيه عتقاء من النار كل ليلة، وما أعظم فضل هذا الشهر، وهنيئا لمن شكرت الله على فضله.
فمما جاء في فضل رمضان ما رواه ابن ماجة بسند صحيح عن طلحة بن عبيد الله “أن رجلين قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعاً، فكان أحدهما أشد اجتهاداً من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخِر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأْنِ لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثوه الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مِن أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله! هذا كان أشد الرجلين اجتهاداً، ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان، فصام، وصلى كذا، وكذا من سجدة في السنة، قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض”.
والمرأة في هذا كالرجل ينبغي لها أن تستغل هذا الشهر مادامت قيد الحياة، وتغتنم الفرصة بما يعود عليها بالنفع العظيم.
واجعلي لكِ نصيباً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”، فالمرأة حين تعي أهمية إدراكها لشهر رمضان، تكون قد خطت أول خطوة في طريق استغلال أيام هذا الشهر الكريم.
وفي شهادات أخذتها “هوية بريس” من نساء من مختلف الفئات أكدت على أن كلمات الحمد والشكر قليلة لله عز وجل، الذي أنعم عليهم بنعمة بلوغ شهر القرآن، شهر الصيام والقيام، وإليكن بعضها:
أستعد لرمضان وكأنه آخر رمضان في حياتي
تقول السيدة (أ.ح): إنها تستعد لقدوم رمضان بلهفة وشوق تنتظر نسماته ورحمات الله فيه، وتنتظره كما لو أن امرأة تستعد لاستقبال زوجها القادم من السفر، أو الفرح بطفل حملت به 9 أشهر ويوم الوضع تجدها متلهفة لرؤيته.
كما قالت بهمة أعجبتني: نعيش نفحات ربانية، فلا أجعل همّي تنويع المأكولات والمشروبات وإضاعة الأوقات؛ فما هي إلا أيام معدودات ونسمع المنادي يقول: انتهى رمضان ويحدد فيه العتقاء؛ لن أقبل على نفسي إضاعة الفرصة.. فربما يكون آخر رمضان.
رمضان بين البيت والعمل والعبادة
وحسب الطالبة (س.س) فإن رمضان فرصة لا تعوض، ولذة العبادة فيه مختلفة، والطاعة بصيام أيامه وقيام لياليه مختلفة، وأجدها أكثر من الأيام العادية.
كما أضع لنفسي برنامجا أسير عليه؛ فمثلا: قراءة القرآن بعد الفجر، لا أحدد قدرا معينا للقراءة بل أحدد عدد الختمات، بينما أقسم الأوقات الأخرى بين الدروس العلمية، والمطبخ الذي أستغل دقائقه في الذكر والتسبيح، وأعتبر أن الوقت الذي أقضيه في المطبخ هو كذلك زاد لي..
وأستغل ما بعد صلاة التراويح لرؤية صديقاتي، وأجتهد في توزيع بعض المطويات والكتيبات فرمضان فرصة للدعوة إلى الله كذلك.
وتقول (م.س) -مستخدمة-: رمضان شهر الغفران والرحمة، ومن خلاله يجب على المرأة المسارعة إلى كثرة الخيرات، ومساعدة الناس، والتقرب إلى الله، فأسعى للإكثار من الصدقة ولو بكلمة طيبة.
كلمات من ذهب استحضار النية
يجب الإخلاص في النية وصدق التوجه إلى الله عز وجل، واحذري وأنت تعملين الطاعات مداخل الرياء والسمعة فإنها داء خطير يحبط العمل.
واجعلي لك خبيئة من عمل صالح لا يعلم به إلا الله عز وجل من صلاة نافلة، أو دمعة في ظلمة الليل، أو صدقة سر، واعلمي أن الله سبحانه لا يتقبل إلا من المتقين، فاحرصي على التقوى ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.
الاستماع إلى القرآن والمحاضرات
احرصي على قراءة القرآن الكريم كل يوم، ولو رتبت لنفسكِ جدولاً تقرئين فيه بعد كل صلاة جزءاً من القرآن لأتممت في اليوم الواحد خمسة أجزاء وهذا فضل من الله عظيم، والبعض يظهر عليه الجد والحماس في أول الشهر ثم يفتر، وربما يمر عليه اليوم واليومين بعد ذلك وهو لم يقرأ من القرآن شيئاً، وقد ورد في فضل القرآن ما تقر به النفوس وتهنأ به القلوب، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف” رواه الترمذي وصححه الألباني، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب” رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه” رواه مسلم.
الصدقة
قد فتح الله عز وجل لنا أبواب الخيرات وفاضت الأرزاق بيد الناس، فاحرصي -وفقك الله- على الصدقة بما تجود به نفسك من مال ومأكل وملبس، وقد مدح الله عباده المتقين ووصفهم بعدة صفات فقال تعالى: “كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” الذاريات:17-19.
وفي هذا الشهر تستطيعين أن تجمعي هذه الأعمال الفاضلة من قيام ليلٍ واستغفار وصدقة في كل يوم، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة بقوله: “اتقوا النار ولو بشق تمرة” رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (وذكر منهم) رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” متفق عليه.
وقد أنفق بعض الصحابة أموالهم كاملة في سبيل الله وبعضهم نصف ماله، فلا يُبخلنك الشيطان ويصدك عن الصدقة بل سارعي إليها..
وهذا نداء خاص لكِ أختي المسلمة، قال رسول الله صلـى اللـه عليـه وسلــم: “يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار” رواه مسلم.
يكون هذا جزءنا الأول من سلسة المرأة ورمضان، إلى حين استكمال الأجزاء الأخرى نسأل الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا، ويتجاوز عن تقصيرنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.