مشاهدات أليمة من عقوق الوالدين داخل المستشفيات
هوية بريس – وداد أزداد
إمّا يبلغن “عندك” الكبر أحدهما أو كلاهما
عندك… مكان والديك الطبيعي وهما في أرذل العمر هو منزلك معززيْن مكرميْن، لا ينقصهما شيء ولا ينغص صفوهما أحد.. فمن أضعف الإيمان بعدما بذلاه من جهد في سبيل تنشئتك أن يجدا فيك السند والعكاز والرحمة كما ربياك صغيرا.. وليس أن ترمي بهما كغلاف بسكويت مستهلك في خيرية أو في دار للمسنين أو حتى في غرفة مقفلة لا تدخلها الشمس ولا تصلهما فيها رحم كما لو كانا مصابيْن بالجذام أو كانا من فئة المنبوذين في الهند..
خلال تجربتي الطبية القصيرة عايشت عددا من القصص والحكايات المقززة.. أرحام تُقطع على عتبة مصلحة الإنعاش ومسنون يُرمون بالأسابيع لا يزورهم أحد من الأبناء والأحفاد، حتى أنك قد لا تجد من تعلمه بوفاتهم لأن الأهل قد يتركون أرقاما وهمية لأنهم أقفلوا قلوبهم قبل هواتفهم.. فتجد من الأولاد من يستعجل موت أبيه وفصله عن الأجهزة لكي ينصرف إلى شؤونه ويرتاح من المصاريف..
رأيت مسنة نخر السرطان ثديها حتى العظم، فأحضرها الجيران بعد أن غاب الأبناء..
رأيت عجزة لا يبدل لهم أحد حفاظاتهم غير الممرضين ولو كثر “الأحباب والأقارب” حتى ينسلخ الجلد واللحم بسبب التقرحات..
رأيت أبناء يتلقون خبر وفاة والدتهم بارتياح ويتنهدون لأن عليهم القيام بإجراءات الدفن، تماما كما يزفر أحدهم عندما يصدم كلبا وتتسخ سيارته بالدم..
ولكن السعفة الذهبية لعدم رضى الوالدين فأمنحها وبجدارة لأبناء السيدة التي قدمت إلى مصلحة جراحة الشرايين عندما كنت طبيبة خارجية في السنة السادسة بفاس، والتي كانت مصابة بغرغرينا الساقين ابتداء من الركبتين إلى الأسفل Gangrène.. أنسجة القدمين كانت ميتة وسوداء منذ أكثر من شهر حتى تيبست وجفت وأصبحت مثل رجلي مومياء قديمة.. أحد الأبناء تركها في حجرة مظلمة في قاع المنزل كي لا تؤذيهم بالرائحة في بداية الأمر في الوقت الذي كانت تتعفن فيه الأنسجة وتموت، لعل الأم تفارق الحياة كذلك في صمت رغم الألم الذي كان ينهش رجليها في البداية قبل أن تموت الأعصاب بدورها..
بسبب أوجاعها في بداية المرض، اتخذت الأم وضعية جنينية طيلة الوقت زامٌة على شفتيها للتخفيف من وقع الألم ولم تعد تتكلم بسبب الصدمة.. لدرجة أنه عندما أردنا أن نجعلها مستلقية في وضعية مستقيمة على ظهرها في قاعة العمليات، لم نستطع لأنها كانت مثنية على اثنين وتيبست في تلك الوضعية.. وعندما شرعنا في بتر الساقين، كانت الغرغرينا متقدمة لدرجة أنه كان علينا تقريبا قطع العظم فقط، لأن الأنسجة كانت رقيقة وجافة وتكاد تتفتت لوحدها.. حتى زملائي الجراحين الأشداء الذين اعتادوا بتر الأقدام كل يوم، شعروا بالغثيان..
أما الأبناء فلم يزوروها حتى بعد العملية، ولا يوجد قانون على حد علمي كان ليمكننا من التبليغ بهم بتهمة الإهمال تجاه أمهم.. إهمال أشد وقعا على النفس من بعض الجرائم المتسلسلة.. ولكن هؤلاء المجرمون سيجدون نفسهم بإذن الله يصرخون يوما ولا من مغيث..
أما يبلغن “عندك”: أيام تلفٌ وعجلة تدور.. ودين يجب أن يُسدٌد..