قراءة أولية للتصريح الحكومي من “زاوية نقابية”
هوية بريس – أنس الدحموني
قراءة أولية للتصريح الحكومي من زاوية نقابية:
أولا: محور إصلاح الإدارة وترسيخ الحكامة الجيدة
1- تميز التصريح الحكومي بمجموعة من الإجراءات التي تعتبر جيدة للرفع من أداء المرفق العمومي وتعزيز قيم النزاهة والشفافية وترسيخ الحكامة.
إلا أنه يلاحظ غياب أية مقاربة تحفيزية للرأسمال البشري للإدارة، ألا وهو الموظف: فلقد خلى التصريح الحكومي من أي إشارة إلى دعم القدرات الشرائية للموظف أو الرفع من الحد الأدنى للأجور أو إجراء مقاربة إجرائية لربط الأجور بمستوى التضخم، كما أن المقاربة الإصلاحية، فئوية (هيئات المتصرفين والمهندسين والمعماريين والتقنيين والمحررين…) كانت أو شمولية، لنظام الوظيفة العمومية كانت أبرز غائب من هذا التصريح.
2- إن مواصلة إصلاح صندوق المقاصة ورفع الدعم عن المواد المتبقية دون مرافقته بإصلاح ضريبي يهدف إلى رفع أجور الموظفين، لا بد أن ينعكس على السلم الاجتماعي ويهوي بالقدرة الشرائية للموظفين والأجراء الذين يمثلون القاعدة الأساسية للطبقة المتوسطة بالبلاد.
3- تمت الإشارة (ص.25) إلى الارتقاء بدور الوكالات الحضرية وإعادة تموقعها لتقوم بواجبها التخطيطي، إلا أنه لم يشر في التصريح إلى ضرورة إصدار القانون الأساسي المنظم لعملها، مما ينسف أي مقاربة إصلاحية حقيقية لهذا المرفق الهام.
4- لا يمكن لأي نقابي إلا تثمين جميع بنود المحور الخاص بتوسيع وتحسين الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية من خلال إخراج نظام التغطية الصحية للعمال المستقلين وتحسين وتبسيط شروط الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، والإصلاح الشمولي والمستدام لنظام المعاشات. التخوف الطبيعي لهذا المحور يخص فقط التنزيل السليم للمضامين الإيجابية لهذا التصريح.
ثانيا: محور إصلاح صندوق التقاعد
لم يتطرق التصريح الحكومي إلى أي الآلية للإصلاح الهيكلي لصندوق التقاعد، رغم أهميته الاستراتيجية، واكتفى بإشارات فضفاضة حول هذا الموضوع الشائك.
ثالثا: الحريات النقابية
1- مأسسة الحوار الاجتماعي: انطلاقا من القناعة الراسخة بأهمية العمل النقابي المنتج كإطار للحوار البناء ووسيلة للرفع من مردودية الإدارة والشركات، وتأكيدا لمنطق الحوار الاجتماعي كاختيار استراتيجي لتنظيم العلاقات المهنية، ومعالجة نزاعات الشغل على أساس التفاوض، والتشاور المنظم والمسؤول لإقرار نظام واقعي ومتطور للعلاقات المهنية، وتوكيدا على أن العلاقة بين المشغل والشغيلة يجب أن تقوم بالأساس على التعاون وليس على الصراع الذي كان مهيمنا على الممارسة النقابية، فلا يسع المرء إلا تزكية تبني البرنامج الحكومي لمأسسة الحوار الاجتماعي على المستوى المركزي والقطاعي والمقاولات (صفحة 31).
إلا أنه وفي نفس السياق، من الطبيعي التساؤل عن الأسلوب الأمثل لأجرأة هاته المأسسة، والتي تمر في تقديري عبر انتظام دورية انعقاد اجتماعاته بجدول أعمال متوافق بشأنه، وتفعيل آلية المتابعة لتنفيذ إلتزاماته والارتقاء به إلى مستوى التعاقد الاجتماعي الحقيقي.
2- القانون التنظيمي للإضراب: هناك تخوف حقيقي من استعمال هذا القانون لتقنين مصادرة هذا الحق الدستوري، وإفراغ محتوى هاته الآلية التعبيرية الكونية من أي معنى نضالي.
وإذا كان إصدار قانون تنظيمي متعلق بشروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب هو تعبير عن إرادة سياسية حقيقية تهدف إلى وضع إطار قانوني يضمن لكل أطراف العلاقة المهنية والاجتماعية ومعرفة حقوقهم والوقوف عند التزاماتهم، فإن أسلوب عمل الأطراف الثلاث التفاوضي (الحكومة وممثلي المقاولات والنقابات) هو الضمانة الحقيقية لأي سلم اجتماعي في المجتمعات الحديثة.
فالإضراب ما هو ظاهرة حقوقية لجبر الضرر الاقتصادي والاجتماعي وآلية من آليات الضغط للدفاع عن الحقوق والبحث المشروع عن المكتسبات، فإن أي تدخل لتقييده أو الحد منه -وفق مبادئ وقواعد القانون المدني ونظرياته أو وفق نصوص القانون الجنائي- يعمل على الإخلال بالتوازن الذي يأتي الإضراب لإقراره. لذلك فإن الحديث عن تنظيم الإضراب يستوجب توفير شروط أساسية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية، وعلى المستوى السياسي، وحتى يكون تنظيم هذا الحق عنصرا ضمن عناصر أخرى تستهدف توفير مناخ للعلاقات الاجتماعية والمهنية يكون مطبوعا بالاستقرار والثقة والمسؤولية.
ومن هذا المنطلق فإن هذا القانون يجب أن يصدر حسب منظور تفاوضي مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية وفي احترام تام لحقوق العمال في مفهومها الكوني الذي بلورته منظمة العمل الدولية والهيئات الحقوقية الأممية.