بين التشيع والتصوف… !! (ح1)
إبراهيم الصغير
هوية بريس – الخميس 19 يونيو 2014
يقول ابن خلدون في مقدمته(ص:529): متحدثا عن مخالطة بعض الصوفية للرافضة: «فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر، واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم».
ويضيف بعدما مَثَّل لهذه المخالطة وذلك التلاقح: «فانظر كيف سرقت طباع هؤلاء القوم هذا الرأي من الرافضة ودانوا به».
فهذه الإشارات من العلامة ابن خلدون تدفعنا بقوة إلى معرفة العلاقة بين التشيع والتصوف، والبحث فيما توافقا عليه الطرفان من عقائد فاسدة وأفكار باطلة، استغلها الشيعة في التقريب والتقارب وغزو البلدان السنية.
فإليكم بعضا مما تشابهت فيه عقائد الفريقين، وتوافقت فيه أقوالهم، وتآلفت عليه قلوبهم:
1- الوصي والولي أفضل من النبي:
يعتقد الشيعة أن الإمام عندهم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلم وأشجع منه، وقد صنعوا روايات تؤيد مذهبهم وتنتصر لخرافاتهم:
أ- يقول الشيعي محمد فاضل المسعودي: “…وعليه ثبوت هذا القول بهذا البيان، تكون هذه الولاية أيضا ثابتة لأهل البيت عليهم السلام وذلك لأنهم عليهم السلام أفضل من جميع الأنبياء وكيف وقد ثبت لنا بالأدلة النقلية أن عيسى عليه السلام يصلي خلف الإمام المهدي عند ظهوره الشريف”[1].
فأئمة آل البيت أفضل من جميع الأنبياء حسب هذا المعمم الشيعي المخبول.
ب- يفتري المعتوه نقمة الله الجزائري في أنواره رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم -كذبا وزورا- يقول فيها: “عن النبي عليه السلام قال: أعطيت ثلاثا وعلي مشاركي فيها وأعطي علي ثلاثة ولم أشاركه فيها،فقيل يا رسول الله وما الثلاث التي شاركك فيها علي عليه السلام، قال: لواء الحمد لي وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، والجنة والنار لي وعلي قسيمها، وأما الثلاث التي أعطي علي ولم أشاركه فيها فإنه أعطي شجاعة ولم أعط مثله…”[2].
فعلي إذن أشجع من النبي صلى الله عليه وسلم بعقول هؤلاء الروافض الجهال.
ج- ويضيف المجنون: “الخامس… ما استفاض في الأخبار من أن علم الأئمة عليهم السلام أكمل من علوم كل الأنبياء”[3].
د- يقول الهالك الخميني: “وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل”[4].
هذه قطرة من فيض من روايات لا تنتهي جعلت للأئمة ظاهرا بالولاية وباطنا بالرسالة، بل جعلتهم فوق مقام الأنبياء والمرسلين نعوذ بالله من الجهل الذي يعمي ويصم ويختم على القلوب والأفهام.
فهذه العقيدة صنعها معممو الشيعة وتلقّفها أقطاب الصوفية شريعةجاهزة دنسوا بها مذهبهم ودانوا الله بها.
فتجدهم يقسمون أولياءهم إلى ظاهر جلي وباطن مخفي، وأسرار كهنوتية يرتفعون بها فوق مقام الأنبياء والرسل.
يقول بعض عارفي الصوفية:
مقام النبوة في برزخ *** فويق الرسول ودون الولي
فالرسول يتلقّى الوحي من الله بواسطة والولي يتلقاه مباشرة، وبالتالي فهو أفضل منه، لتكون أعلى منزلة عندهم الولي ثم النبي ثم الرسول، فجعلوا خاتم الأولياء كابن عربي مثلا أفضل من خاتم الأنبياء. هذا بهتان عظيم وإفك مبين لا قرار له إلا في عقول المتصوفة الجهال.
يقول شيخ الإسلام: “وهذا قلب للحقيقة التي اتفق عليها المسلمون، وهو أن الرسول أفضل من النبي الذي ليس برسول، والنبي أفضل من الولي الذي ليس بنبي، والرسالة تنتظم النبوة والولاية، كما أن النبوة تنتظم الولاية، وأن أفضل الأولياء أكملهم تلقيًا عن الأنبياء”[5]انتهى.
ومما جادت به قرائح الصوفية المنكوسة وأفهامهم المعكوسة أنهم خاضوا بحورا وقفت الأنبياء بسواحلها، وأنهم أوتوا ما لم يِؤت الأنبياء.
وأخذوا عن أبي يزيد البسطامي قوله: «تالله إن لوائي أعظم من لواء محمد صلى الله عليه وسلم، لوائي من نور تحته الجان والجن والإنس، كلهم من النبيين»[6].
فتفضيل الأولياء والأئمة على الأنبياء والمرسلين عقيدة شيعية المنشأ، رضعها الصوفية لتكون دعامة أساسية في تكوين مذهبهم الباطل.
2- الأئمة والأولياء يعلمون الغيب:
يدعي الشيعة أن أئمتهم يعلمون الغيب، بل جعلوا علم الغيب العلامة المميزة للإمام فليس بإمام من لا يعلم الغيب عند القوم.
أ- فعن أبي عبد الله قال: “والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين، فقيل له:أعندك علم الغيب؟ فقال له: ويحك! إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء”[7].
ب- وينقل الشيعي نعمة الله الجزائري في أنواره عن صاحب مشارق الأنوار بإسناده إلى مفضل بن عمر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإمام، كيف يعلم ما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره؟ قال: يا مفضل إن الله جعل فيه خمسة أرواح: روح اليحوة وبها دَبَّ ودرج، وروح القوة وبها نهض، وروح الشهوة وبها يأكل، وروح الإيمان فبها أمر وعدل، وروح القدس وبها حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وسلم، انتقل روح القدس إلى الإمام فلا يغفل ولا يلهو، وبها يرى ما في الأقطار، وأن الإمام لا يخفى عليه شيء مما في الأرض ولا مما في السماء، وأنه ينظر في ملكوت السموات فلا يخفى عليه شيء، ولا همهمة، ولا شيء فيه روح، ومن لم يكن بهذه الصفات فليس بإمام”.
ج- ويروون عن جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: «إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم وأن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا بالاختيار منهم»[8].
فدعوى علم الأئمة للغيب عند الشيعة مسألة مفروغ منها، وهي مما لا تقبل النقاش ولا الجدال لأنها من أركان دينهم، وليس بإمام من لم يكن يعلم الغيب عندهم، وقد انتقلت هذه العقيدة إلى إخوة الشيعة من الرضاعة الصوفية الذين جعلوا علم الغيب من اختصاص أوليائهم وأقطابهم أصحاب كرامة علم الغيب المطلق والكشف الصوفي اللامحدود.
1- يروون عن علي الخواص أنه قال: “لا يكتمل إيمان عبد حتى يصير الغيب عنده كالشهادة في عدم الريب”[9].
2- ويقول الدباغ: “ما السموات السبع والأرضون السبع في نظر العبد المؤمن إلا كحلقة ملقاة في فلاة”[10].
3- وينقلون عن أحمد الرفاعي أنه قال: “إن العبد ما يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن تصير من صفات الحق –تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-فيطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة ولا تخضر ورقة إلا بنظره (ي بنظر الولي)ويتكلم هناك عن الله بكلام لا تسعه عقول الخلائق…
ويضيف هذا المتصوف قائلا: “إن القلب إذا انجلى من حب الدنيا وشهوتها صار كالبلور، وأخبر صاحبه بما مضى وبما هو آت من أحوال الناس”[11].
4- ونقل عن الشلبي أنه قال: “لو دبت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أشعر بها أو لم أعلم بها لقلت أنه ممكور بي”[12].
هذه بعض المقولات الصوفية التي تفيد بعلم الأولياء الغيب، أطلقها أصحابها مضاهية للروايات الشيعية الرافضية ومحاكاة لها لتكون شاهدة على ضلالهما معا وبعدهما عن الصراط المستقيم والطريق القويم طريق أهل السنة والجماعة المبين.
3- الأئمة والأولياء يوحى إليهم:
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك، أن أم أيمن بكت حين مات النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: تبكين؟ فقالت: “إني والله قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت، ولكن إنما أبكي على الوحي الذي انقطع عنا من السماء”[13].
فمسألة انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم مما لا تحتاج إلى بيان، إذ الفطر السليمة والعقول المستقيمة تسلِّم بذلك، إلا عقول الروافض الجهال الذين استعملهم إبليس اللعين في الانتصار لأباطيله الواهية على حساب الحقائق الثابتة. وقد تبعهم في ذلك بعض أهل الضلال من المتصوفة.
فللشيعة في هذا عقائد باطلة تنطلق من اعتبار جبريل أخطأ في إنزال الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وتمرُّ عبر المساواة بينه وبين علي رضي الله عنه في طرق التلقي، وتنتهي بتفضيل الأئمة في الموحى به إليهم.
1- يقرر المجلسي في بحار الأنوار أن (الأئمة عليهم السلام لا يتكلمون إلا بالوحي.. وهذا من ضروريات دين الأمامية)[14].
2- ويروون عن أبي عبد الله عليه السلام- كذبا وزورا- أنه قال: “إن منا لمن ينكت في أذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع صوت السلسة يقع على الطشت، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل”[15].
3- ينقل محمد بن حسن الصفار عن حمران بن أعين أنه قال: “قلت لأبي عبد الله (جعفر) عليه السلام: جعلت فداك، بلغني أن الله تعالى قد ناجى عليا عليه السلام؟ قال: أجل، قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل”[16].
هذه بعض إفادات الرافضة حول استمرار نزول خبر السماء على الأئمة مشابهة للأنبياء والرسل على حد زعمهم، وقد تعقبهم أهل التصوف في هذه الخطيئة بعدما أغمضوا أعينهم عن الحقيقة الساطعة التي تقرر انقطاع خبر السماء بموت خاتم الأنبياء عليه أفضل لصلاة وأتم السلام.
1- يقول الصوفي الكبير الحلبي المعروف بابن قضيب البان: “كل ما خصّت به الأنبياء، خصّت به الأولياء”[17].
من أهم ما خص به الأنبياء الوحي، فكيف ألصق هذا الصوفي هذه الخاصية بالأولياء؟
2- يقرر الصوفي نجم الدين الكبرى أن “الملائكة تنزل على الصوفية”[18].
فبماذا نزلت الملائكة على هؤلاء القوم؟
وبما تنزل الملائكة غير وحي السماء؟
3- ينقل الشعراني عن الشيخ عبد الغفار القوصي أنه قال: “أنّ الشيخ تاج الدين بن شعبان كان إذا سأله إنسان في حاجة يقول له: اصبر حتى يجيء جبريل”[19].
هذه بعض أقوال المتصوفة التي تدعي استقبال الأولياء للوحي الرباني، والتقلب في عوالم الغيب الخفي ومقامات الرقي الصوفي الخرافي.
ليس القول بتفضيل الأئمة والأولياء على الأنبياء والمرسلين، والادعاء أنهم يعلمون الغيب ويتلقون الوحي، وحده ما يجمع الشيعة الروافض، وما تفرع من ذريتهم، بل هناك العديد من العقائد التي استمدها الصوفية من الشيعة وجعلوها دينا يستدلون عليه بالرؤى والمنامات والهواتف والمكالمات، مما سنتطرق إليه في الحلقات القادمة بحول الله.
يتبع…
[1]– الأسرار الفاطمية-البحث السابع “فاطمة و الولاية التكوينية”، (ص:253).
[5]– انظر -غير مأمور- الصفدية (1/252).
[7]– “بحار الأنوار” (27/26).
[9]– “طبقات الشعراني” (1/156).
[10]– “الإبريز” (ص:242).
[11]– “قلادة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الأكابر” (ص:148).
[12]– “الإنسان الكامل” للجيلي (1/122).
[13]– إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد -وهو ابن سلمة- فمن رجال مسلم.
وأخرجه ابن سعد (8/226) عن عفان بن مسلم، بهذا الإسناد.
[14]– “بحار الانوار” (17/155).
[15]– “بحار الانوار” (26/358).
[16]– “بصائر الدرجات” للصفار الباب السادس عشر (ص430) طبعة إيران.
[17]– “المواقف الإلهية” لابن قضيب البان (ص160).
[18]– “فواتح الجمال و فواتح الجلال” لنجم الدين الكبرى (ص10).
[19]– “الأخلاق المتبولية” للشعراني، بتحقيق الدكتور منيع عبد الحليم محمود (1/454)، مطبعة حسان القاهرة.