حينما يصير المتبوع في قبضة التابع

03 يوليو 2013 14:01
بين الكلب والحمار وفرعون وعصيد

محمد بوقنطار

[email protected]

 

بات باب التشكيك والصفاقة والجراءة مشرعا أمام كل متنطع متربع على منبر لا ديني، فقد تطاول القوم باسم الحرية الفردية، وباسم سمو المبادئ الكونية، وباسم الإلحاد، وباسم المشاعية، على كل فضيلة وخصيصة، وميزة تميز بها المجتمع الإسلامي عموما والمغربي خصوصا، بل وصلت الدناءة بهم إلى التطاول على الله وكتابه، وعلى الرسول وسنته، والإسلام وشريعته.

نعم، لقد بات للقوم الحق والحقوق في خلق تمرد حاقد فاقد للوعي على كل مكتسب ديني، ومستهلك أخلاقي، بل مع هذا البيات انقلبت المفاهيم حتى صار المقدس الوطني والخط الأحمر هو المجاهرة بمعصية الإفطار في نهار رمضان، وشهر ورقة الإلحاد، والخروج عن دائرة الالتزام بالدين شعيرة وشريعة، والانقلاب بشراسة على مفاهيم الطهر والفطرة، بدء بالختان، والبكارة، والحجاب، والاختلاط، والخلوة، ومبادئ الحلال والحرام، والتنطع باسم حقوق الحيوان على شعيرة الأضحية، وباسم استغلال الملك العمومي على سنة التراويح، وباسم النعرة على اتهام مؤسس دولة المغرب ببنوة السفاح، بل بلغ السيل زباه، وبلغت الردة أفقا سمح لبعض المترفين فكريا باتهام رسائل سيد الخلق بالإرهاب، وتهديد الحياة الدراسية ببلادنا، بل لايزال لسان حاله وقلم بنانه بهّاتا لعّانا سيّالا، في صوب نعراتي لا يبقي ولا يذر.

لقد بات للمفطرين إطار جمعوي، وللمثليين من الجنسين إطار مؤسساتي، وللملاحدة لواء قانوني، ولكل من تأبط مشروعا وحمل معول هدم جهة من الداخل والخارج تسنده، في مقابل غياب رادع وزاجر قانوني محلي، زاد من حدّة غيابه أن أهلكته وتداعت عليه مطرقة العولمة، وسندان المبادئ الكونية، فكان أن أردته فاشلا عقيما في اتجاه لا ولن ينتج مؤسسة أوقاف وشؤون علمانية، تكون لها اليد الطولى في كبح وفرملة عجلة هذا الزحف الحائف الزائف.

لكنه بالمقابل كان وجاء فعالا مشاغبا محجرا مستبدا، في الاتجاه الذي تمخض حمله قديما على وضع مؤسسة ترعى الشأن الديني، وإن كنا قبل المرور نتحفظ على كلمة “الشأن الديني” بعد أن خبرنا مقاصد القوم من التقعيد لها، باسم الإصلاح والهيكلة التي لا يفهم من سياق طرحها الزماني والسياسي إلا أن في مقابل شأن ديني هناك شأن دنيوي، مع التنبيه بالضرورة على أن بين الشأنين حاجز فولاذي، وسد منيع يمنع العبوروالتلاقح والتكامل والوصاية والتوجيه من الأول للثاني، بما يقتضيه الشرع ومقاصده الهادفة.

وهكذا،في الوقت الذي يمارس العلماني دوره المنوط به، الموجود من أجله، والذي كان ولا يزال هو إغراق المجتمع في لجة الرذيلة، ومستنقع الإباحية، والانقلاب على كل فضيلة تنتمي إلى حضارة الوراء باسم محاربة الرجعية، والظلامية، والاستبداد الديني والأخلاقي الذي يحجر واسع ما تسمح به المبادئ الكونية، ومواثيق حقوق الإنسان والجان والحيوان؛نرى المؤسسة الوصية على دين الإسلام، وعلى الفاعلين في حضيرته من علماء، وخطباء، وأئمة، ووعاظ، وطلبة علم، ودور قرآن، ومعارض كتاب، ودور نشر،وكل ما فيه نسمة إسلام، نراها تضع يدا من حديد، وبأس شديد، وتنزل بكل ثقلها باسم الهيكلة والإصلاح، وإحاطة الأمن الروحي للمغاربة بقشرة سميكة من الخصوصيات الشعائرية، ذات الإبداع المغربي المحض، التي من شأنها أن تقي كيانه التديني من عواقب وافد التهريب الديني، كما يطيب للعلمانيين، ورواد الهيكلة الدينية إطلاقه على ما بات يعرف في أدبياتهم الرسمية بالإسلام المشرقي.

وإننا عندما نقول أن للمؤسسة الوصية يد من حديد وبأس شديد نعني ما نقول، إذ في الوقت الذي أصبح من الواجب والمفروض أن لا يكتفي العالم والخطيب-مع حظ الاستثناء- بالتماهي مع الطرح العلماني، وما تقتضيه مصالحه، بل صار هو في يد السياسي، يستعمله في مناسبات متكررة لخدمة أجندته المدنية، وجعله وعاء ناضحا بالخطوط العريضة لأيديولوجيته،فأصبح ولاؤه وبراؤه تابعا مرهونا بتوجيهات السياسة العامة للمشرف على مقود الشأن الدنيوي.

 

هذا، وفي الوقت الذي يتصرف فيه العالم والخطيب بما تمليه عليه أمانة حمل الدين، فإن نظرية فصل السلط تتحول إلى الذوبان في حوجلة التكامل والتداخل، إذ في الوقت الذي تأمر فيه الوزارة الوصية بتوقيف الخطيب أو إغلاق مؤسسة دار القرآن، تتولى وزارة الداخلية ومعها وزارة العدل إكمال مساطر التهديد والتنفيذ لقرار التوقيف والإغلاق ذاك، دون الخوض في تفاصيل التهمة وتداعيات القرار، مع أن المتتبع لمسار هذا الارتجال القانوني يعلم أن مجهودا صغيرا ينقل المتدخلين من الطاعة العمياء إلى “الحِراب الذكية” كفيل بأن يقف على جور وتجاوزات قرارات الإغلاق والتوقيف، إذ كيف لفاعل متجرد يُعْمِل مبادئ الحياد وقواعد العدل أن يتماهى مع لوازم تهمة لم تكن إلا ممارسة خطيب لدوره المنوط به، وممارسة دار قرآن لبرنامجها المنضبط مع كتاب الله وسنة نبيه، مع شيء من الاجتزاء الذي يقدح في سنة استيعاب الدين لكل مناحي الحياة، وهو اجتزاء فرضته ظروف راهنة، والضرورة تقدر بقدرها كما تقرر شرعا وكونا، مع الإشارة إلى عدم تحميل هذه القاعدة مالا تحتمل، كأن يصير المتبوع في قبضة التابع، يأتمر بأمره وينتهي بنواهيه، نسأل الله السلامة والعافية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M