أفول عهد الدعاية الإعلامية الأمريكية

هوية بريس – إدريس الكنبوري
بدأ عهد الدعاية الإعلامية الأمريكية في الأفول، فبعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مارس الماضي بحل جميع القنوات التلفزية ومحطات الإذاعة التابعة لوكالة الولايات المتحدة الأمريكية للإعلام، شرعت هذه المحطات في تسريح العاملين بعد أن أوقف الرئيس الأمريكي الدعم المالي الذي كان يخصص لها، وهو دعم يقدر سنويا بحوالي 900 مليون دولار.
تشمل هذه الإجراءات جميع المحطات الإذاعية والتلفزية كراديو صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة وراديو ليبرتي وتلفزيون مارتي وراديو آسيا الحرة وقناة الحرة وراديو ساوا، وهي محطات كانت توجه بعشرات اللغات عبر العالم للترويج للسياسة الأمريكية وغسل أدمغة الشعوب، إذ كانت الوكالة الأمريكية توجه بستين لغة، بينما كان راديو أوروبا الحرة ينطق بسبعة وعشرين لغة ويخاطب 23 بلدا عبر العالم.
وقد نشرت يومية لوموند الفرنسية تقريرا من صفحتين يقول بأن عهد الهيمنة الأمريكية على الإعلام العالمي بدأ في الانطفاء، وأن المستفيد الأكبر من إغلاق جميع هذه المحطات هما روسيا والصين اللتين سوف تصبحان المهيمن الأكبر على الإعلام العالمي، بعد توجههما إلى الاستثمار في الإعلام الناطق بمختلف اللغات ومنها العربية.
المحطات الأمريكية والأوروبية بدأت العمل عام 1950، بعد الحرب العالمية الثانية، لتحارب الدعاية الشيوعية للاتحاد السوفياتي، وبعد انهيار الشيوعية تحولت إلى العالم الإسلامي من أجل الدعاية للإسلام على النمط الامريكي ـ الصهيووني وتشجيع العلمانيين في العالم الإسلامي الذين يهاجمون السنة والقرآن ويدعون إلى ما يسمى القراءة المعاصرة.
ويأتي إغلاق هذه المحطات دليلا على فشل الدعاية الأمريكية الموجهة إلى العالم الإسلامي وفشل جميع المشروعات التي انطلقت مع بداية هذه الألفية، فقد انهزمت الدعاية الأمريكية والصهيوونية أمام وسائل التواصل الاجتماعي، وزحفت قنوات اليوتيوب الإسلامية بمختلف اللغات لدى مختلف الشعوب الإسلامية، وظهرت مئات الآلاف من القنوات التي يعدها مسلمون من العالم العربي ومن الهند وباكستان وماليزيا وأمريكا وأوروبا وإفريقيا وغيرها، بحيث بدا أن المحطات الأمريكية والأمريكية التقليدية لم تعد قادرة على المنافسة.
وخلال معركة الطوفان أظهرت المقاومة قدرة هائلة على خوض الحرب الإعلامية في وسائل التواصل، وظهر فشل الدعاية الصهيوونية داخل أوروبا وأمريكا، وسقطت السرديات التقليدية لأمريكا وإصرائيل في العالم، وليس أدل على ذلك من هجوم ترامب على الجامعات الأمريكية بدعوى انتشار نزعة معاداة الياهود فيها، ومنع التمويلات التي كانت تستفيد منها الجامعات الخاصة مثل هارفارد، وتسريح المئات من الطلبة الأجانب، والمطالبة بعدم تسجيل الطلبة الأجانب في هذه الجامعات، ومحاولات التدخل في المقررات التعليمية بها، مما فجر حالة من العصيان فيها.
كل هذه التحولات وغيرها مما سيأتي هي واحدة من ثمار المقاومة في فلسطين خلال العامين الماضيين، فقد انطلقت المعركة في بقعة صغيرة هي غزة لكن تداعياتها انتشرت في العالم كله، وليس هذا غريبا، فقد ولد المسيح عليه السلام في بيت لحم لكن دعوته انتشرت في العالم كله، وولد محمد صلى الله عليه وسلم في بيت صغير في مكة لكن دعوته عمت العالم، وولدت المقاومة في غزة لكن دعوتها سوف تعم العالم.