أمام ازدواجية القرار الرسمي: من يحمي الشباب؟ ومن يُغرقه في وحل الإدمان والمخدرات؟!

هوية بريس – عبد الله التازي
في مفارقة صادمة تُثير الكثير من الأسئلة حول منطق القرار العمومي، يسجل المتابع للشأن المغربي أن المؤسسات الرسمية التي ترصد مليارات الدراهم سنويًا لمحاربة آفة المخدرات، هي نفسها التي ترعى مهرجانات ضخمة يُردّد على منصاتها تمجيدٌ صريح للمخدرات وترويجٌ غير مباشر لثقافة الانحلال، في مشهد يُعبّر عن انفصام خطير بين ما يُعلن في الخطابات، وما يُنفذ في الواقع.
📑 ميزانيات ضخمة لمواجهة آفة مدمّرة
تُناط مهمة التصدي لظاهرة المخدرات في المغرب جيش عرمرم من الأجهزة والمؤسسات الرسمية، في مقدمتها:
-
المديرية العامة للأمن الوطني، من خلال الشرطة القضائية، فرق مكافحة العصابات، الكلاب المدربة، ووحدة التنسيق لمكافحة المخدرات.
-
الدرك الملكي، عبر وحداته الترابية والبحرية ومجموعات التدخل السريع وأقسام البحث والتحقيق.
-
القوات المسلحة الملكية، خاصة في المناطق الحدودية والنائية.
-
إدارة الجمارك، بوحداتها المكلفة بمراقبة الحدود والاستخبارات الجمركية والتدخلات الميدانية.
-
وزارة الصحة، التي تشرف على برامج وطنية لعلاج الإدمان والوقاية من تعاطي المخدرات.
-
وزارة العدل، عبر النيابات العامة والمحاكم والسجون المتخصصة في قضايا المخدرات.
-
إلى جانب مؤسسات تنسيقية ومراصد وطنية ومكاتب لمكافحة الاتجار غير المشروع ومراقبة الأنشطة المرتبطة بالقنب الهندي.
هذه الترسانة المؤسسية الكبيرة تتطلب اعتمادات مالية ضخمة تُكلّف خزينة الدولة مليارات الدراهم سنويًا، في مسعى لحماية المجتمع من آفة تهدد أمنه الصحي والاجتماعي والاقتصادي، وتُغذي شبكات الجريمة والانحراف.
🚨 في المقابل.. تمويل رسمي لمنصات تُروّج للمخدرات
رغم الجهود الرسمية المكثفة لمحاربة المخدرات، تُموّل في المقابل تظاهرات فنية تستقطب مئات الآلاف من الشباب، وتُفتح فيها المنصات أمام من يروجون لمخدرات بعينها ويُجمّلونها في أعين الناشئة من خلال كلمات أغاني تتحدث بصراحة عن الحشيش، والأمفيتامينات، والعنف، دون مراعاة لما تزرعه مثل هذه الخطابات من تطبيع خطير مع سلوك الإدمان والانحراف.
ومن العبارات المتداولة في بعض هذه الأعمال:
“تحت القميص quatorza (سلاح)، سبابي les amphétamines، ما ساحيش، باغي الblack jack (حشيش)، جواني مضوي motherfucker…”.
هي كلمات لا تخفى دلالاتها على أحد، وتُقدم المخدرات باعتبارها جزءًا من “النجومية” و”التحرر”، وتُغري الفئات الهشة باستبطان هذه الأنماط السلوكية في ظل غياب التوجيه القيمي على تلك المنصات.
🔴 أي منطق يحكم القرار العمومي؟
وفي هذا السياق تُطرح تساؤلات جوهرية وحارقة حول التناقض في السياسات العمومية:
- كيف يمكن إنفاق مليارات لمحاربة آفة خطيرة، في حين تُدعم فعاليات تروج لنفس الآفة بعبارات صريحة على مسامع آلاف الشباب؟
- كيف يُطلب من الأسرة والمدرسة غرس القيم، بينما تُقوّض هذه الجهود بمحتوى فني ممول من المال العام؟
- هل تحوّلت بعض التظاهرات إلى أدوات تقويض للقيم بدل أن تكون فضاءً للتثقيف والترفيه النظيف؟
🔸 هوية الأمة بين القيم والانحلال
ليس الخطر في انتشار بعض مظاهر الانحراف الفني فحسب، بل في منحها غطاءً رسميًا يُضفي عليها شرعية ضمنية. وهنا تُطرح الإشكالية الكبرى: هل السياسات العمومية في بلادنا تُسهم في حماية القيم أم في تفكيكها؟ وهل يليق ببلد له مرجعية إسلامية أن يُموّل من ماله العام محتوى يمجّد الحشيش والأمفيتامينات والسلوك الفجّ؟
المغرب بلد له تراث أصيل، وثقافة راقية يمكن أن توازن بين الجمال والالتزام. لكن حين يتم التنكر لهذا الإرث لصالح فن مبتذل وساقط، فإن الثمن يكون باهظًا والعواقب وخيمة، خاصة على المستوى القيمي والتربوي.
📌ختاما:
إن الحفاظ على الهوية الأخلاقية للأمة مسؤولية جماعية، تبدأ من القرار السياسي وتنتهي في سلوك الفرد. ولا يمكن لمجتمع يريد النجاة من آفة المخدرات أن يروّج لها باسم الفن، ولا لمنظومة تدّعي محاربة الإدمان أن تسمح بتطبيعه على خشبات المسارح.
المعادلة واضحة: إما الصدق في حماية القيم، أو التواطؤ الصريح مع الانهيار الأخلاقي.