إسبانيا تعتقل مذيعا مغربيا بسبب قضية سبِّ الرسول ﷺ.. متى تعبر دولتنا عن هويتنا وتنتصر لديننا؟؟

31 مايو 2020 15:56

هوية بريس – إبراهيم الطالب

اعتقلت السلطات الإسبانية يوم أمس السبت 30 ماي 2020 المذيع المغربي مصطفى الأوغادي، الملقب بتشادو، بسبب تعبيره عن رأيه في قضية لعن أستاذة الفلسفة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أحدثه من ردود أفعال لدى المغاربة المسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي.

فقد تناولت وسائل إعلام إسبانية، من بينها صحيفة “إلكونفيدونسيال” خبر الاعتقال، وكشفت أن اعتقال المذيع المغربي جاء بعد يومين من مهاجمته لأستاذة الفلسفة ووصْفه إياها بـ”الملحدة”، خلال برنامج على محطة “حياتي” التي تبث من إسبانيا.

وأبرزت الصحيفة أن المذيع وصف الأستاذة بكونها ملحدة وأن هناك 1.2 مليار مسلم سيوجهون لها 1.2 مليار صفعة لتقليلها الاحترام للرسول ﷺ.

الأمن الإسباني عندما وصله الخبر عبر صفحته لم يتوانى في اعتقال المذيع بتهمة التحريض على الكراهية، والتدخل في الحياة الشخصية للأستاذة الطاعنة في جناب النبي الكريم .

ثم علّقت الصحيفة المذكورة بالجملة البليغة التي تختزل كل شيء فقالت: “نسي المذيع أنه يتحدث من إسبانيا، ولم يتردد في التعبير عن كراهيته لأستاذة الفلسفة”.

هذه هي دول الحرية لا مكان فيها للمقدس لا مكان فيها للإله، تعتبر الأرض مملكة للإنسان الأبيض بعد أن قتل إلهه فحرم أي تحرك باسم الدين، وأباح كل حرمات الله لنفسه.

فعلا، صدقتِ الصحيفة الإسبانية، لقد نسي المذيع المغربي المسكين نفسه، كيف تعبر أيهذا الأبله عن هذه الكراهية اتجاه امرأة لا تعترف بمعبودك، إنك تعيش في إسبانيا ولا تعرف عقيدتها ولا شريعتها، أخذتك العزة فانتصرت لنبيك رسول الله، وعبرت عن غضبك بخطاب الكراهية، من أعطاك الحق أن تكره تلك الأستاذة، عليك أن تكون متسامحا معها ولو آذتك في دينك وعقيدته وعبرت عن كراهيتها لأعز ما لديك، كم أنت جاهل بالحداثة والديمقراطية أيها المغربي المسكين!!

ألم يخبرك وكلاؤنا العلمانيون في بلادكم أنه في العقيدة الإسبانية المتنورة لا وجود لإلهك، فكيف تريد أن نقبل خرقك لشريعتنا انتصارا لرسوله، إنه يا عزيزي أمر خاص بك، عبّر عنه في نفسك، اعبد ربك واتبع نبيك كما يحلو لك، لكن لا تفرض على أحد أن يحترم عقيدتك، فليس عند العلمانيين مقدس سوى الإنسان، لهذا اعتقلناك وانتصرنا لألوهية الإنسان باسم الإنسانية ضد متخلف لا زال يُؤْمِن بألوهية الله، التي دفعته ليعبر عن الكراهية ضد امرأة سبت رسول الله.

ومَن هو الله عندنا نحن العلمانيين المتنورين، لا يعدو أن يكون معبودا مثل كل المعبودات، التي نعتقد جازمين أن البشر هم من صنعوها في الأزمنة البدائية، -تعالى الله عن هذا علوا كبيرا-، فإذا أردت أيها المغربي المسلم أن تشتغل في إسبانيا، فلا ينبغي أن تتصرف بموجب غيرتك وإيمانك، فهذه ظلامية وتطرف يجعلانك تفكر بهذا الشكل المخالف لقانوننا، كيف تقول ولو مَجازا أن استنكارات المغاربة والمسلمين الكثيرة بعد سب نبيهم هي بمثابة صفعات على قفا تلك الأستاذة المتنورة، فهذا عنف ضد النساء، وتحريض على الكراهية.

إسبانيا بتصرفها هذا، تريد أن تقول لهذا المغربي:

آه.. يا مسكين! صدقت ما درسوك في المدرسة، أن الثورات الأوربية هي ثورات الأنوار، ثورات ضد الظلامية وضد الرجعية، لقد كنت تلميذا غبيا لم تفهم الدرس جيدا، التنوير أن تعتقد أن الكفر والإيمان شيء واحد، نطلق عليه اسم الإيمان بلا حدود، فلَم يعد بعد تجلي الأنوار العلمانية مكانٌ للكفر والتكفير، لقد انتقلنا من حرية الاعتقاد إلى حرية الضمير، واخترنا أن نلغي في العالم ما تسمونه أنتم كفرا بالله.  لقد انتهى زمن المقدسات التي يقتضي منك إيمانك بها أن تغضب لها، إننا نحن السادة اليوم، ونحن من يصنع الدين ونحن من يُحدد من يكون الرب ومن يكون العبد.

أما ربك فلا دخل له عندنا حتى في تحديد هويتك الجنسية، إذا كنت من أبنائنا لن تنادي عليك الأستاذة المتنورة باسم ذكر ولا باسم أنثى، أنت ستبقى منذ ولادتك بدون هوية حتى تكون قادرا على أن تختار هويتك الجنسية بنفسك، فربما تكتشف أنك لست ذكرا ولست أنثى، فتجد نفسك في حالة التيه والحيرة مجبرا على امتثال ما حدده لك المجتمع، نريد أن تجد نفسك وقتها حرا لتختار ما تشاء، فألوهيتك التي استرجعتها لك ثورة الأنوار، تعطيك الحق في تحديد ذاتك وهويتك لتعيش متصالحا مع نفسك.

لقد مضى زمن الدول الغربية الصليبية التي كانت تخوض الحروب المقدسة في سبيل الصليب وابن الإله، لقد ثار الأحرار على دينها النصراني الرجعي الظلامي، وأصبحت الدولة بعد ثورتها التنويرية العلمانية لا تؤمن إلا بالإنسان، جعلته مركز الكون والحياة، ثم أعلنت موت إلهها الذي كانت تعبده.. لقد أثبت لها العلم والفلسفة أن الإنسان هو الإله، إله لا يخلق ولا يرزق، لكنه فقط يتلذذ بالجنس ويعربد كما شاء ويأكل دون قيود.

هل ظننت أن أستاذة الفلسفة سنتركها لظلاميتك، لا أنت واهم سنحقق معك ونحاسبك حتى ولو كانت المظلومة ليست مواطنة إسبانية، إننا لا نرضى في ديننا نحن العلمانيين أن تضطهد امرأة متنورة تدرس الفلسفة وتناضل ضد التطرّف والرجعية.

ساذج من يظن أن أوروبا والغرب عندما كفروا بالإله وثاروا عليه، قد تخلوا عن التدين، لقد عوضت الدول الغربية الصليبية شريعة الكتاب المقدس الذي كانت مبنية على الحلال والحرام لإرضاء ابن الله، بشريعة أخرى شريعة الإنسان، فما يسنه الإنسان هو الملزِم الوحيد الذي ينظم العلاقات بين الناس، فما منعته الشريعة العلمانية ممنوع وما أباحته فهو المباح.

مسكين هذا المذيع انخدع بكلام المغاربة اللادينيين عندما كانوا يقولون له أن العلمانية ليست ضد الدين، بل هي تحميه من استغلال تجار الدين الإسلاميين، فظن المخدوع أن العدالة العلمانية ستكفل له الحق في الانتصار لربه ودينه كما تعطي الحق للعلماني أن يسفه معتقدات المؤمنين بالله.

لم يستوعب هذا المغربي أن هذه الدول أسست تصورها الجديد للكون والإنسان والحياة، على شريعتها وعقيدتها اللادينيتين، لذا؛ فهو اليوم موضوع لأمر سدنةِ محرابها باعتقاله لأنه أخل بهما.

في الحقيقة، يمكن اعتبار قضية المذيع المسكين وقضية تحريم -وليس تجريم- النقاب مؤشرين مهمين في الغرب يعطياننا حقيقة ما تعنيه العقيدة العلمانية، في سلم الأولويات لدى الدول العلمانية اللادينية.

فهل يمكن لدولتنا أن تنتصر لمقدساتنا ومعتقداتنا نحن المسلمين؟؟

لماذا لا تكاد دولتنا تفعّل القانون الجنائي ضد من يطعن في الدين؟؟

لماذا تجمده، وهو الأداة الوحيدة لممارسة حماية الملة والدين المنصوص عليها في الدستور؟؟

إن التقصير في الانتصار جنائيا لقضايا الدين والعقيدة مرده للتغول العلماني في البلاد، فالدولة لا تريد أن تظهر بمظهر من يحاسب الناس على معتقداتهم، ومن ينتهك حرياتهم في التعبير والاعتقاد، إنها تخشى بكل صراحة من أتباع الديانة العلمانية في المغرب، ومن مراقبي السفارات الغربية، فكلاهما يرفع التقارير يخبرون بها الكرسي الرسولي هناك في كنيسة الأمم المتحدة بكل ما يجري في المغرب.

وهذا ما يفسر لماذا لم تحرك النيابة العامة الدعوى العمومية في حق أستاذة الفلسفة التي سبت الله ولعنت الرسول صلى الله عليه وسلم وطعنت المغاربة في قلوبهم، وكذا في حق عشرات المغاربة الذين يصرحون بأنهم مرتدون رغم عدائهم وحربهم للدين والطعن المتكرر في الإسلام والرسول.

أليس غريبا أيها السادة أن تتحرك دولة إسبانيا للانتصار لعقيدتها وشريعتها ضد مغربي عبّر عن ألمه من طعن مغربية في نبيه، ولا تتحرك الدولة المغربية لاعتقالِ أو حتى استدعاء الأستاذة التي اعتدت على كل المغاربة.

تريد إسبانيا أن تحرج السلطات باعتقالها للمذيع المغربي الذي رد على الطاعنة في الإسلام والرسول، حتى لا يستجيب لدعوات الشعب باعتقالها، وحتى لا تحرك النيابة العامة الدعوى ضدها.

هذه هي العلمانية التي يبشرنا بها علمانيو المغرب، العلمانية ليست فصلا للدين عن السياسة، العلمانية هي إخراج للدين من شؤون إدارة الدولة، وفصله عن تدبير شؤون المجتمع؛ العلمانية في نهاياتها، هي أن تعبد نفسك، فإن أبيت إلا أن تعبد الله فاعبده في نفسك، ولا تلزم أحدا بأن يقدس ما تقدس أو أن يكف عن تدنيس ما تعتقده مقدسا؛ أما الدولة فليس لها أي دين رسمي أو ثوابت مستمدة من الدين.

وفي اعتقادي لو كنا نعيش في حرية حقيقية واستقلال عن الهيمنة العلمانية لرأينا السفير المغربي في إسبانيا يؤازر المذيع الشهم الغيور مصطفى الأوغادي وينتصر له لأنه مغربي حر لم يرتكب جرما يخالف دين المغرب ولا قانونه، بل دافع عن مقدساته وهويته، لكنه زمن يراد فيه أن يعلو اللادين بكل أشكاله عن الدين والمتدينين.

ما وقع في قضية الأستاذة والمذيع، يقذف بسؤالات قوية في وجه الدولة والعلماء:

متى تصبح دولتنا تعبر عن هويتنا وتنتصر لديننا؟؟

أم أننا سنتخلى عن تجريم الطعن في الدين الإسلامي؟

هل ستندثر مؤسسة إمارة المؤمنين وتسقط من الدستور؟

العلمانيون المغاربة يشتغلون بقوة وبتنسيق مع “الكرسي الرسولي”، ويتلقون الحماية والدعم الكامل من أجل إلغاء ما تبقى من الدين الإسلامي في المنظومة القانونية، بما فيها الدستور، لتفتيت الإسلام الشعبي الذي يمثل القوة الحامية للهوية المغربية.

فهل هناك مقاربة جادة لسياسة تجنب المغرب هذا البلد العظيم السقوط الكامل في أيدي العلمانية الدولية، التي أصبحت البديل عن الإمبريالية التي هيمنت في القرون السابقة.

هذا ما يجب أن يفتح بشأنه نقاش عمومي بين العقلاء، فليس ضروريا أن نشجع الردة واللواط ونترك أربابه يعيثون فسادا في الأرض حتى نكون ديمقراطيين.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار
4 تعليقات
  1. حسبنا الله ونعم الوكيل.. أسأل الله تعالى أن ينصرك في الدنيا والآخرة، كما نصرت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولة الحق

  2. أقاموا الدنيا و لم يقعدوها و يدعون بالبحث عن من وسخ حجر منحوت فيه اسم شخص لم يقدم شيئا للبشرية .
    أما إذا أسيء إلى من جاء نور و رحمة للعالمين صلى الله عليه و سلم ، فلا تسمع لهم همسا و لا ركزا.
    حسبنا الله و نعم الوكيل .
    قال تعالى :
    وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
    قال تعالى في سورة ( ق):
    أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) .

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M