“إسراء بلا أقصى”.. هل أصبحت خطبة الجمعة بلا روح؟!

هوية بريس – علي حنين
في ظل الأحداث الجِسَام التي يشهدها المسجد الأقصى خاصة وفلسطين عامة من انتهاكاتٍ ممنهجة على يد الاحتلال الصهيوني، كان من المفترض أن تشكل خطبة الجمعة الماضية، والتي تناولت قصة الإسراء والمعراج، مناسبةً لربط الماضي بالحاضر، واستحضار معاناة الأقصى والمقدسيين في خضم هذه الأحداث.
إلا أن الخطبة جاءت بعيدةً عن الواقع، مكتفيةً بسرد جوانب تفصيلية عن الرحلة النبوية العظيمة دون التطرق إلى ما يتعرض له المسجد الأقصى من اعتداءاتٍ يومية، كمنع المصلين من الوصول إليه، واعتقال حراسه، ومحاولات تهويده.
إغفال أثار تساؤلات!
هذا الإغفال أثار تساؤلاتٍ حول دور الخطبة كمنبرٍ للتوعية والدفاع عن قضايا الأمة، خاصةً في ظل تصاعد العنف ضد إخوننا الفلسطينيين، والذي بلغ مؤخرا حد الإبادة الجماعية في غزة.
فبدلًا من استغلال المناسبة لتذكير المصلين بواجب نصرة الأقصى وحثهم على دعم صمود المقدسيين، اقتصرت الخطبة على سرد المعجزة بمعزل عن سياقها المعاصر، وهو ما يُعتبر تفويتًا لفرصة عظيمة لتعزيز الوعي الجمعي بواقع القضية الفلسطينية.
تسديد أم تحييد؟!
وفي هذا السياق علق الشيخ البشير عصام المراكشي على الخطبة قائلا: “من عجائب الخذلان أن تكون خطبة الجمعة الموحدة عن معجزة الإسراء والمعراج، ثم لا تذكر فيها كلمة واحدة عن فضائل مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن حاله اليوم تحت الاحتلال، وعن حكم التطبيع السياسي والثقافي مع مَن يحتل المسرى ويعيث فيه الفساد!”.
وأضاف ” إنه ليس تسديد التبليغ، بل هو تحييد التبليغ، أي: جعله محايدا في جميع معارك السياسة والاقتصاد التي تهم الناس، ويكون ذلك بإخراجه من الدائرة العامة للمجتمع والأمة، وحصره في دائرة الفرد الخاصة، ليصبح تبليغا موافقا للثقافة العلمانية المهيمنة”.
خطاب لا روح فيه ولا انتماء!
من جهته، أشار الأستاذ إبراهيم الطالب إلى أن هذا النوع من “علمنة المسجد” ينتج ” خطابا محايدا لا روح فيه ولا انتماء، يتماشى مع ما فرضته الدول الغربية على مصادر إنتاج الخطاب الشرعي في بلاد المسلمين”.
وأضاف: “ينبغي على من يهمهم أمر استمرار الإسلام في المغرب – والذي هو أساس البيعة – أن يعيدوا النظر في هذا القرار الخطير الذي لم تستطع اتخاذه حتى دولة الاحتلال الفرنسي رغم الدور المهدد لها والذي كانت تلعبه المساجد”.
تعطيل الدور الشرعي لمنبر الجمعة
الدكتور رشيد بنكيران وصف الخطبة بأنها “مثال واضح على تعطيل الدور الشرعي لمنبر الجمعة”، متسائلاً: “كيف يعقل أن يتم التطرق إلى معجزة الإسراء والمعراج، وذكر وصول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، دون الإشارة إلى واقع المسجد الأقصى اليوم!!؟ كيف يمكن التغافل عن كونه مكبلا بيد المغضوب عليهم، وعن واجب الأمة في السعي لتحريره والدفاع عنه!!؟”.
يا حسرة على الجمعة والمساجد!
أما الشيخ الحسن بن علي الكتاني، فقد عبّر عن أسفه قائلاً: “تخيلوا.. خطبة تسديد التبليغ اليوم تتحدث عن ذكرى الإسراء والمعراج ولم تذكر قط المسجد الأقصى، ولا أنه يرزح تحت احتلال عدو غاصب يسومه سوء العذاب، ولا تحدثت عن معركة فاصلة عظيمة اسمها طوفان الأقصى دامت عاما ونصفا قدم فيها المسلمون النفس والنفيس دفاعا عن مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم”.
وتساءل الشيخ الكتاني:” أهذه خطب تقدمونها للمسلمين يا وزارة الأوقاف وتلزمون بها الخطباء؟ يا حسرة على الجمعة والمساجد”.
ختاما..
في ظل ما آل إليه أمر خطبة الجمعة، تثار تساؤلات ملحة من قبيل: ما هو مستقبل الخطاب الديني في المغرب؟ وهل سيظل منبر الجمعة أداةً لتوعية الناس بقضايا وطنهم وأمتهم، أم سيصبح مجرد منصةٍ لتمرير الخطابات الرسمية؟ وأين صوتُ هذا المنبر النبوي المبارك في زمنٍ يحتاج إلى مزيد من اليقظة والوعي، لا إلى خطابٍ منفصل عن الواقع والحياة؟