إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه.. دروس سياسية مهمة من انتصار تركيا على الإرهاب

13 مايو 2025 03:06

هوية بريس – جمال سلطان

حدث تاريخي بكل المقاييس في تركيا اليوم، حزب العمال الكردستاني المسلح (PKK) يعلن رسميا حل نفسه، وإلقاء السلاح، وإنهاء جميع النشاطات العسكرية ضد الدولة التركية، والانخراط في السلم الأهلي والمشاركة الديمقراطية، لتطوى بذلك أسوأ صفحة في تاريخ تركيا الحديث، امتدت قرابة 45 عاما، نصف عمر الجمهورية تقريبا، هذا نصر كبير لتركيا، بكل مكوناتها، حيث استنزفتها تلك المواجهات بمئات المليارات من الدولارات، ناهيك عما خلفته من قرابة 40 ألف قتيل، من الشرطة والجيش والمدنيين.

الحدث الكبير كان نتيجة عدة عوامل، أهمها السيطرة الكاملة للدولة التركية على ساحات المعارك وميادينها كافة في تركيا وسوريا والعراق، وإدراك حزب العمال بأنه محاصر عسكريا وسياسيا، أيضا نجاح العملية السياسية الطويلة والصبورة للدولة التركية مع الزعيم التاريخي للحزب عبد الله أوجالان، والتي انتهت إلى إصداره بيانا دعا فيه الحزب إلى حل نفسه وإلقاء السلاح والانخراط في السلم الأهلي، أيضا التغيرات الكبيرة في الجغرافيا السياسية التي كان يتمدد فيها حزب العمال، في سوريا والعراق، بعد انتصار ثورة الشعب السوري -بدعم تركي- وطرد نظام الأسد حليفهم الأساس، وأيضا النجاح المبهر للديبلوماسية التركية في تمتين علاقتها مع أكراد العراق ومع الدولة العراقية نفسها التي صنفت الحزب أخيرا كجماعة إرهابية.

على عكس كل من كانوا قبله في قيادة الدولة التركية، قاد الرئيس اردوغان عملية شاملة لمعالجة هذا الجرح التركي العميق، بداية من إدماج الأكراد في مؤسسات الدولة كافة، وفي العملية السياسية، وإعادة الحقوق الثقافية لهم كجزء من نسيج الدولة التركية، إضافة إلى تغيير وجه الحياة المدنية والاقتصادية بالكامل في ولايات الجنوب التركي حيث الأغلبية الكردية، بإنشاء المدارس والجامعات والمستشفيات والمطارات والمؤسسات الثقافية والدينية وتطوير البنية الأساسية بشكل جذري، مما حقق طمأنينة كبيرة لدى ملايين الأكراد تجاه الدولة، لدرجة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم كان يفوز على حساب الأحزاب الكردية في مناطق بها أغلبية كردية.

كذلك لجوء أردوغان -بعد كل ما تقدم- إلى الردع الشامل للتمرد العسكري الانفصالي، وخوضه معارك ضارية انتهت بقطع دابره تماما من الأراضي التركية، وهروب عناصره وقادته إلى خارج البلاد، مما ساعد على تأمين التراب الوطني من الإرهاب وبسط سلطة الدولة وهيبتها كاملة وإضعاف معنويات حزب العمال.

أيضا، نجح أردوغان بسياسة النفس الطويل، في توجيه أجهزته الأمنية والسياسية إلى إدارة مفاوضات مكثفة مع زعيم الحزب “أوجالان” المسجون حاليا ـ ومتوقع الإفراج عنه ـ وإتاحة المجال للقيادات الكردية السياسية بالتواصل معه داخل سجنه وإدارة مناقشات مطولة، انتهت إلى اقتناعه التام بأن الحزب يمضي في طريق مسدود، فكان بيانه المهم قبل عدة أشهر يطالب فيه الحزب بحل نفسه.

التجربة التركية المنتصرة، تجربة ملهمة بالفعل، وتعطينا دروسا مهمة في مقاومة الإرهاب، على رأسها أن مواجهة الإرهاب هي عملية شاملة، سياسية وإنسانية وفكرية ومدنية، وأخيراعسكرية وأمنية، لا يمكن أبدا أن تحل مثل هذه المشكلة باستخدام العنف أو الأمن وحده، أو يقودها القادة الأمنيون وحدهم، أنت تحاصر الإرهاب أولا بتعزيز الديمقراطية، والعدالة، وجودة الحياة، ومنح الفرصة لجميع مكونات الأمة في المشاركة في صنع سياسات الوطن ومستقبله، فالجميع شركاء، أيضا إدراك الإرهابيين أنهم يواجهون منظومة عدالة حقيقية، دولة وليست ميليشيات، ويواجهون حكومة تلتزم بأساسيات أخلاقية ضرورية في مجال حقوق الإنسان، سواء داخل السجون أو أمام المحاكم أو في الحياة العامة والمجتمع المدني، باختصار، نجح اردوغان فيما لم ينجح فيه الحكام العسكريون قبله لأنه سياسي مدني خبير وواع لمقتضيات إدارة دولة، بالعقل والحكمة والصرامة معا، لم يفكر في الخيار الأمني والعسكري أولا، بل جعله آخر الدواء، فنجح.

حل حزب العمال الكردستاني في بعض جوانبه، ينهي عقودا من المؤامرات الدولية المتعددة على الدولة التركية من خلال استخدام الحزب ودعمه عسكريا وأمنيا وماليا، لاستنزاف تركيا وإجهاض أي قدرة لها على النهوض الاقتصادي أو العسكري، وقد شارك في تلك المؤامرات دول إقليمية ، مثل نظام الملالي في إيران، ونظام الأسد الأب والإبن في سوريا، ونظام الميليشيات العراقية الموالية لإيران في العراق، كما كان يحظى بدعم مباشر وغير مباشر من عواصم أوربية عديدة، وله مكاتب فيها، وجمع تبرعات، ومظاهرات وندوات وفعاليات مختلفة وصحف وقنوات فضائية، على الرغم من تصنفيه رسميا فيها كمنظمة إرهابية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
19°
24°
أحد
25°
الإثنين
22°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M