الإنتخابات الأرباح والخسارات

20 سبتمبر 2021 22:17

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

تشكل الإنتخابات حدثا مفصليا كبيرا ، في تاريخ الأمم والشعوب ، لأنها ترهن مستقبلها لسنين عديدة ، في حدود ما تسمح به مواثيقها ومواضعاتها ، ولذلك تتوقف عندها الدول الديمقراطية طويلا ، وتعيد قراءتها مرات ومرات ، بغاية استخراج  الدروس الأساسية ، واستجماع الخلاصات الجوهرية والضرورية ، بما يمكنها من تحصيل الإستفادة المرجوة ، وضمان عدم تكرار الأخطاء والمطبات ، في ما يستقبل من محطات ومواعيد .

وتحرص المجتمعات الديمقراطية على استدعاء واستكتاب ، جل الفاعلين والمثقفين المرموقين ، وأهل الرأي والنظر، من مختلف المشارب الفكرية ، والتخصصات العلمية ، بغرض إجراء قراءة شاملة ،  وضافية وعميقة ، لمختلف أوجه العمليات الإنتخابية ، بدءا من الإعداد والتمويل ، مرورا بالغايات والمرامي والإرادات ، وانتهاء بالسياسات والأهداف القريبة والبعيدة ، المرجوة من مجموع هذه العمليات ، وبهذا تتم الإستفادة من هذه المحطات ، ويحصل التقدم ، ولا بأس عندهم إن طال هذا النقاش ، مادامت الغاية هي خدمة قضايا الوطن .

يسهل أن نلاحظ من باب المقارنة السريعة ، والتي لا تخلو من مجازفة ، أن العملية الإنتخابية عندنا ، غالبا ما يتم طي ملفها سريعا ، وإقفال أبوابها ، مباشرة بعد الإعلان عن النتائج ، والتي غالبا ما تخلف وراءها الكثير من الضجيج والجعجعة ، التي تظل بلا أجوبة ولا مقاربات مقنعة ، وكأن النتائج ، أية نتائج ، هي الغاية من كل هذه العملية ، في نهاية المطاف ، ولذلك لوحظ أن جل الأحاديث ، حتى لا أقول النقاشات ، التي أعقبت انتخاباتنا الأخيرة ، تميزت في عمومها بالتسطيح والتجزيء ، وطغيان التفسيرات العاطفية ، التي تنتصر للأنا الحزبية والشخصية ، أو الأنا الرسمية بالنسبة للجهات الوصية عن العملية ، ولا يتجه النقاش ، أو لا يريد أن يتجه ، إلى أماكن الأعطاب ، وأصول الأدواء ، ولا يلامس ، ولا يريد أن يلامس القضايا الأساس ، التي تجعل انتخاباتنا ، تصر في كل مرة ، على أن تجري في العمق ، بنفس المنطق والرهانات ، ليظل التغيير شكليا ظاهريا ، لا أقل ولا أكثر .

جل النقاشات والأحاديث ، التي أعقبت الإنتخابات الأخيرة التي شهدتها بلادنا ، انصبت في عمومها على نقطة واحدة ووحيدة ، هي ما سمي بانهزام ، أو انهيار، أو نهاية ، أو طي صفحة ، أو حتى موت ، حزب العدالة والتنمية ، وللإشارة ، فكل هذه المصطلحات تم استعمالها ، وتم في المقابل تغييب التفكير في الرهانات الأساسية الكبرى ، المقصودة من مجموع هذه العملية ، سواء بالنسبة إلى الدولة ، أو المجتمع ، وبعبارة أخرى ، لم نجب عن السؤال المحوري الملازم لكل عملية من هذا الحجم ، سؤال الربح والخسارة ، بالنسبة إلى الوطن ، ماذا ربح الوطن ، وماذا خسر ، من كل هذا الذي حدث ؟؟ ، وبعد كل هذا الذي حدث ؟؟

المؤكد أن تحصيل الأجوبة ، يتطلب قدرا معتبرا من الهدوء ، ومن الإنفتاح ، ومن الإحاطة ، ومن التخلص من المضايق السياسية والنظرية . وبالجملة ، ظاهريا ، نستطيع أن نزعم أننا ربحنا ، إجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري ، والإعلان عن نتائجها ، باحترام المواضعات القانونية ، في شقها الشكلي ، وهذا تقليد معقول ، بالرغم من ظروف الجائحة ، وما تفرضه من إكراهات ، كما استطعنا أن نقنع جزءا مهما من المواطنات والمواطنين ، بالتوجه إلى صناديق الإقتراع ، بمعدل تجاوز الخمسين في المئة ، حسب البلاغات الرسمية ، بغض النظر عن القراءات التي تستدعيها هذه النسبة وظروفها ، كما نستطيع أن نزعم أيضا ، أننا ربحنا مشاركة جزء من الحركة الإسلامية ، أو من الإسلاميين ، أو ماشئنا من التسميات ، في تدبير الشأن العام ، ضمن حزب سياسي مغربي ، ولولايتين متتاليتين ، ومهما بلغت درجة اختلافنا مع هذا المكون السياسي ، فإنه في النهاية ، يمثل جزءا من المغاربة ، ويعبر عن حساسية تنشط داخل مجتمعنا ، وبالمنطق الديمقراطي ، هذا مكسب لتعدديتنا الناشئة والهشة ، التي تقبل بالبعض ، ولا تقبل بالآخرين.

ويبدو أن علينا بذل المزيد من الجهد ، من أجل ضمان انخراط كل التعبيرات والحساسيات ، الفكرية والسياسية ، التي مازالت تتردد ، أو تأبى المشاركة في مناقشة الشأن العام ، من موقع التدبير والمؤسسة ، فالحاجة ماسة إلى توسيع الفضاء ، لا إلى إغلاقه ، إلى تخصيب الأفكار وتعددها ، لا إلى تحجيمها واختزالها ، مهما بلغ مستوى تضاربها واختلافها ، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح ، والمستفيد سيكون أكيدا ، هو الوطن . هذا بعض ما ربحناه ، في تقديري ، ولنا أن نفكر في المزيد . أما مالم نربحه ، حتى لا أقول ما خسرناه ، ونخسره باستمرار ، فيتمثل في كوننا لم نتمكن ، مرة أخرى ، من معالجة مسألة الإشراف على العملية الإنتخابية ، بكل تفاصيلها وحيثياتها وعناصرها ، فلا زالت العديد من الأسئلة تطرح بصدد الجهة الوصية على هذه العملية ، ولا تجد لها جوابا مقنعا ، وفي كل مرة يتجدد نفس الكلام حول ( التقطيع الإنتخابي ، اللوائح ، القوانين الإنتخابية … ) ، الشيء الثاني الذي لم نربحه في هذه الإنتخابات ، هو إصرار العديد من الأطراف على استعمال المال ، بشكل مثير ، واعتباره الوسيلة السالكة لضمان الأصوات والمقاعد ، ما يحول العملية برمتها إلى صفقة بيع وشراء ، ليس إلا . والغريب، أن العديد من الأطراف عبرت عن استنكارها لهذه الظاهرة المشينة ، ولكن الذي يحدث دائما ، أن نفس الوقائع تتكرر، عند كل محطة انتخابية ، هل الأمر يتعلق برغبة مقصودة ، وتدبير مدروس؟؟

لست أدري . وبالطبع ، ومن جهة أخرى ،  هذا مؤشر دال على وجود نقص كبير في الوعي الثقافي والسياسي لدى المواطنين ، ما يعني بوضوح ، أن الهيئات السياسية لا تضطلع بأدوارها التأطيرية ، وهذه أيضا خسرناها ، وتكفي ملاحظة مستوى المداخلات والحوارات وردود الأفعال ، التي يدلي بها الكثير من المواطنين والمواطنات ، إبان الحملة الإنتخابية ، بمن فيهم مناضلي الأحزاب ، ومن يسمون كذلك ، بل وحتى بعض الأمناء العامين ، لبعض الهيئات السياسية .  ماذا ربح الوطن ، وماذا خسر ، بعد كل الذي حدث ؟؟ ، سؤال يحتاج منا إلى أجوبة هادئة ، وإلى قراءات متأنية ، عميقة ومسؤولة .

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M