التطبيع المغربي بين سوء التقدير ويقظة الضمير
هوية بريس – أحمد الريسوني
نحن على مقربة من الذكرى الرابعة لتوقيع الاتفاقية المشؤومة يوم 10 ديسمبر 2020.
وعلى مدى هذه السنين الأربع، وبصفة خاصة منذ سنة، تغيرت أمور كثيرة فيما يتصل بموضوع التطبيع وبالقضية الأصلية فيه، قضية فلسطين والمسجد الأقصى.
ففي هذه الفترة وقعت ملحمة طوفان الأقصى، المعبرة بقوة عن نفاد صبر المظلومين المحاصرين في غزة وعموم فلسطين، ويأسهم من الحلول الوهمية، المتداولة على ألسنة السياسيين وبعض الفلسطينيين..
وفي هذه الفترة وقع تطور رهيب في للعدوان الصهيوني وانقضاضه الهمجي على الشعب الفلسطيني برمته، وبكامل حقوقه الوطنية والإنسانية..
وفي هذه الفترة صوت الكنيست الإسرائيلي بالإجماع على رفض حل الدولتين، الذي كانت تلوكه الأكاذيب الغربية والأوهام العربية الرسمية..
وفي هذه الفترة تصاعدت الاعتداءات اليهودية المتطرفة على القدس والمسجد الأقصى، وأعلنوا عزمهم على الشروع في إعادة بناء الهيكل الأسطوري المزعوم.
وفي هذه الفترة نجحت بعض الدول غير العربية في اتخاذ مواقف شريفة من الاحتلال وحرب الإبادة التي يشنها؛ وذلك مثل تحريك محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وطرد السفراء الصهاينة، وقطع العلاقات الدبلوماسية، أو التجارية، وسحب رخص تصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال والعدوان،
ويشهد العالم في هذه الفترة تحركات غير مسبوقة، شعبية وشبابية وأكاديمية، للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه السليبة.
وعلى وجه الخصوص، تتواصل تظاهرات الشعب المغربي ونشاطاته المناهضة للعدوان الصهيوني، والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني، والمطالبة بإلغاء التطبيع الرسمي.. تتواصل بشكل يومي أو شبه يومي، في مختلف أنحاء المغرب.
ومع كل هذا وغيره، تظل الحكومة المغربية – حتى الآن – متحجرة في موقفها، وفية لخطئها الاستراتيجي وخطيئتها التاريخية، في إقامة علاقات مثلية حميمية، مع دولة الإرهاب والجريمة المنظمة، الملقبة بدولة إسرائيل!!
غير أن ما يثير الانتباه والتعجب، لدى المراقبين للحالة المغربية، داخل المغرب وخارجه، هو التعامل المرن والمتسامح للسلطات المغربية، مع التحركات المكثفة والمتواصلة للشارع المغربي!
وقد استمعتُ إلى عدة آراء في تفسير هذه المفارقة الغريبة: موقف رسمي مُغالٍ في التطبيع المثلي، بجانبه تسامح واضح مع احتجاجات شعبية تدين التطبيع وتخونه، وتسعى إلى إسقاطه!!
وأَوجَـه ما سمعته في تفسير هذه المفارقة هو:
أن المسؤولين بالمغرب أدركوا ما في تطبيعهم من فداحة وسوء تقدير، ويدركون يوما بعد يوم، ما ألحقه التطبيع من أضرار بسمعتهم ومكانتهم، داخليا وخارجيا.
ولذلك أطلقوا العنان للحراك الشعبي، ليعبر عن ضمير المغرب وحقيقته، وليؤكدوا بذلك أنهم مع الشعب وضميره، وليسوا ضد إرادته وموقفه.
ولكنه “الصراع بين الحقيقة والواقع”، كما في أسطورة أُوديب اليونانية..!