التوقف في المنتصف له ثمن       

08 أغسطس 2022 12:54

هوية بريس – إبراهيم أقنسوس

التوقف في بداية الطريق، أومنتصفه، يعني عدم الرغبة في التقدم إلى الأمام، إما خوفا، أو عجزا، أو ترددا، أو لأسباب أخرى يصعب تحديدها ؛ وكما تصدق هذه الحالة على الأفراد، تصدق أيضا على الجماعات والأوطان، في علاقتها بالإختيارات الثقافية والسياسية، التي تتحول حين التوقف فجأة، في بداية الطريق أو منتصفه، إلى مجموعة من الترددات والتشكيكات والتراجعات والإبهامات التي يصعب فهمها وتفهمها.

مناسبة هذا التقديم، هو المنطق الرسمي الذي نواجه به بعض التقارير، التي تنتقد جوانب معينة، في سلوكنا الحقوقي والديمقراطي، إذ يميل هذا المنطق غالبا، إلى الرغبة في إبراء الذمة، وإلى إنكار ما تحمله هذه التقارير، واعتباره مجرد مزاعم كاذبة ؛ وتلفيقات تستهدف صورة بلادنا ؛ والملاحظ، أن نفس الأمر يتكرر كلما ظهرت تقارير جديدة، على هذا المستوى، إذ تتم مواجهتها بنفس الردود والمقاربات والأساليب، ما يعني أن هناك خللا منهجيا، ذو طبيعة حقوقية وسياسية، يتم التغاضي عنه، ولا تتم مواجهته بالشجاعة المطلوبة، بما يخدم صورة البلد حقيقة، في الداخل و الخارج معا.

فبدل الإضطرار في كل مرة، إلى مواجهة تقارير وبيانات وقراءات، منظمات حقوقية دولية، وغير دولية، بمختلف توجهاتها ورهاناتها، من لون (هيومن رايتس..) وغيرها، يجدر بنا، أن نتجه رأسا، إلى مكامن الخلل، في منظومتنا الحقوقية، وأن نواجه نقائصنا بشجاعة وطنية، سواء تعلق الأمر بالجوانب القانونية والتشريعية، أوتعلق بالتطبيقات المواكبة، أو التي يجب أن تكون مواكبة ؛ ففي كل الأحوال، لا يمكن أن ننفي أن لدينا إشكالات عميقة، ذات طبيعة حقوقية، ترهن ما نصطلح عليه في بلادنا، بالإختيار الديمقراطي، وتهدد مكاسبنا على مستويات عدة، على قلتها ؛ فلا يمكن أن ننكر مثلا،  أن لدينا مشاكل على مستوى حرية الرأي والتعبير، فما زلنا نخلط، أو نريد أن نخلط، في قانون الصحافة، بين قلم الصحافي، والفعل الجنائي، و لدينا صحافيون يقبعون في السجن، بتهم يصعب الإقناع بها، بمنطق دولة الحق والقانون التي نريد ؛ ولا يمكن أن ننكر، أن السياسة عندنا تشتغل كثيرا،  إلى جانب المال، وأن علاقة السلطة بالثروة من معوقاتنا البنيوية الموضوعية، التي نشير إليها على استحياء، ونرفض التخلص منها، ما يعني أننا لا نمارس السياسة، بالمعنى العلمي والأخلاقي للكلمة، بقدر ما نوزع ألوانا من الريع والإمتيازات، ولذلك لا نحتفل كثيرا باستقلالية الأحزاب والشخصيات العمومية، ومنا من يشكك في ذلك باستمرار؛ من هنا، يسهل أن نلاحظ، أننا أطلنا المكوث طويلا فيما سميناه ذات أيام، بالإنتقال الديمقراطي، الذي أصبح يتحول مع مرور الوقت إلى حالة مزمنة، تضعنا باستمرار في وضع (انتقال)، دون أن ندري بالضبط إلى أين ننتقل، وبأية مواصفات ؛ ولنا أن نتأمل أخيرا، بعض العبارات والشعارات الدالة، التي تحمسنا لها لبعض الوقت، ثم تناسيناها، أو يفضل بعضنا أن ينساها، على الأصح، نذكر منها : (من أين لك هذا ؟ )، (قانون التصريح بالممتلكات )، (ربط المسؤولية بالمحاسبة )، وغيرها.

هذه بعض مشاكلنا الحقوقية، التي يجدر بنا مواجهتها بشجاعة، ومعالجتها بروح وطنية عالية، بما يمكننا من تقوية جبهتنا الداخلية، فلا نحتاج بعدها إلى إطالة الكلام في الرد على من ينتقدوننا، ويهمهم دائما، أن يتتبعوا عثراتنا، بحق و باطل، لأن جوابنا آنذاك، سيكون واقعيا، وسيتجلى في سلوكات، وأحوال، وحياة ديمقراطية، بمواصفات دالة وواضحة، تتقدم بنا إلى الأمام، وتخلصنا من وضع (التوقف في المنتصف أو المفترق ) المربك.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M