الحريات الفردية في المغرب وسؤال الهوية

08 يونيو 2025 20:10

هوية بريس – نبيل غزال

في ظل سيطرة الغرب وسعيه الحثيث للتمكين لمفاهيمه، باتت كثير من القيم والمصطلحات، ذاتِ المفاهيم العميقة والمؤثرة في حياة الإنسان ومصيره؛ تتعرض للتحريف والتشويه..

ومن ضمن هذه المصطلحات مصطلح الحرية، الذي صار يُمنع تفسيره وإعطاؤه حمولات خارج إطار المرجعية اللادينية التي تلغي المقدس وتناصب الدين العداء..

وحيث إننا نجد كاتبا مثل د.عبد الله العروي يشدد على أن الحرية التي تكونت في أعقاب الثورة الفرنسية “تستلزم بكيفية أو بأخرى تأليه الإنسان الحر”، نجد على الطرف الآخر د.طه عبد الرحمن يؤكد على أن الحرية هي: “أن تتعبد للخالق باختيارك، وألا يستعبدك الخلق في ظاهرك أو باطنك”.

واليوم وباسم الحرية دوما، صرنا نسمع بعض السياسيين ومن ينسبون لحقول الفكر والمعرفة، ومن يرفعون شعار الدفاع عن حقوق الإنسان، يطالبون بتقييد الإنسان بأغلال الشهوات وعبودية الماديات، خدمة لمصالح الشركات الكبرى العابرة للدول والقرارات، التي تخدم أجندات أسرٍ معروفة ودولٍ متحكمة، علما أن الشريعةَ التي من المفترض أن تؤطر المجتمع المسلم في كل مجالاته، جاءت لتخرج المكلف من داعية هواه إلى طاعة مولاه، فتجعل منه كائنا حرا يخضع لأوامر خالقه؛ لا لأحد سواه.

“خارجات عن القانون” حركة ولدت ميتة

قبل بضع سنوات خرجت للوجود حركةٌ ولدت ميتة ترفع شعار “خارجات عن القانون” من أجل إسقاط الفصل 490 من القانون الجنائي، وطالب الموقعون على عريضتها برفع التجريم عن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج واحترام الحياة الخاصة للأفراد.

وكتبت المنتميات إلى الحركة التي أطلقتها المخرجةُ صونيا التراب والكاتبةُ ليلى السليماني، التي سبق وعينها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” سنة 2017 ممثلته للشخصية للفرنكفونية: “نحن ننتهك قوانين ظالمة وبالية عفا عنها الزمن، لقد أقمنا علاقات جنسية خارج إطار الزواج، لقد مورس علينا أو مارسنا أو كنا شاهدات على إجهاض”.

كما راسلت في وقت سابق المنتميات للتنظيم الذي حصل بسبب مطالبه على جائزة “سيمون دو بوفوار” سنة 2020، رئيسَ النيابة العامة، محمد عبد النباوي، “للوقف الفوري لتطبيق القوانين المجرمة للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والخيانة الزوجية والإجهاض”، واصفات إياها بـ”الوحشية، والتعسفية”!.

وعلى الطرف الآخر أطلقت مؤسسةٌ تدعى “مودة” عريضة مضادة لرفض المطالب المرفوعة، كما عبر الشارع المغربي عن رفضه البات والقاطع لمثل هكذا مطالب، وأكد عدد من العلماء والمفكرين والإعلاميين والسياسيين، بأن الحرية أسمى بكثير مما يحصرها فيه “الخارجاتُ عن القانون”، وأن كل المجتمعات في العالم تراعي هويتها وخصوصيتها وتضع حدودا للحرية وفق ذلك.

سياسيون خارج السياق

من خلال تصريحات غريبة ومطالب شاذة أثار سياسيون ومسؤولون حكوميون الرأي العام الوطني والإقليمي، حيث أعلن وزير العدل عبد الطيف وهبي أنه يتجه إلى إلغاء تجريم العلاقات الرضائية (الزنا) بالمغرب، وذلك ضمن التعديلات التي ستشمل القانون الجنائي الجديد.

وشدد وهبي على أن “كل شخص حر في أن يختار الذهاب مع واحدة أو اثنتين، فتلك مسؤوليته”، واعتبر “وجود رجل وامرأة داخل بيت ليس جريمة”.

عبد اللطيف وهبي تجاوز موضوع الزنا إلى ما هو أفدح منه، حيث أعلن بـ”أن المثليين (الشواذ) أصبحوا قوة سياسية واقتصادية ضاربة، ويتحكمون في زمام الأمور، ويقررون فيها سياسيا واقتصاديا على المستوى العالمي، مضيفا أنهم “يوظفون آلياتهم لكي يفرضوا علينا اختياراتهم، ونحن في الحقيقة عاجزون عن مواجهتهم”.

الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، بدوره لم يُخفِ مواقفه من العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي.

وصرح في هذا الصدد بقوله: “أقولها بكامل الصدق من نقاط الضعف عندنا في الخارج هو القانون الجنائي “حشومة”، راه الناس لا تفهمنا في العالم المتقدم والعالم الحر حين نعاقب على أفعال الرشداء والعاقلين، ونقول فين غادي فين جاي وهادي حرام”.

مضيفا أن “قانوننا قانون وضعي يجب أن يكون عصريا يحترم الحريات والحقوق كما هو متعارف عليها”.

وفي ذات السياق شدد الزعيم الحالي لحزب الوردة بقوله “أقول بكل مسؤولية كانت هناك تراجعات، وخاسنا نتفاهموا أن ما لله لله وما لقيصر لقيصر، أذهب للمؤتمرات وأجد قواعد قانونية يخجل الإنسان من الدفاع عنها”.

 مجلس وطني يخالف الدستور والمرجعية الوطنية

المجلس الوطني لحقوق الإنسان بدوره طالب في مذكرته حول مشروع القانون الجنائي، بـ”إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين”، وعدم تدخل القانون الجنائي في العلاقات الحميمية، إلا بصفة استثنائية، وذلك في حالة عنف أو اغتصاب أو ربط علاقة جنسية مع قاصر..

كما أثارت مذكرة لذات المجلس حول مراجعة “مدونة الأسرة” الجدل، لما تضمنته من مطالب مصادمة للشريعة الإسلامية، والتي اختار معدوها أن تنحو في اتجاه التخلي عن الشريعة الإسلامية كمرجعية أساسية في قوانينها.

ما دفع بالدكتور إدريس خليفة، عضو المجلس العلمي الأعلى، للانسحاب من دورة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بسبب المساس بمقتضيات الشريعة، لأنه وفق ما صرح به “لا يمكن مخالفة الإسلام فيما هو قطعي من الشريعة ومنصوص عليه، وذلك كما ذكر جلالة الملك من قبل وحذر من أن تمس الشريعة بشيء”.

الشارع المغربي يقول كلمته

وإذ ترفع فئة المطالب المثيرة المشار إليها آنفا؛ يعيش على الطرف الآخر الشارع المغربي واقعه المرّ بهمومه وتحدياته، ولازال المواطنون إلى حدود الساعة يطالبون بحفظ حقوق الإنسان الجوهرية؛ بضمان فرص الشغل والسكن والصحة والتعليم، ويرفضون هذه المطالب التي يرفعها أفراد مستلبون يعيشون في جزر معزولة عن المجتمع، لا يعيرون اهتماما لا لقيم ولا أخلاق ولا دين هذا الوطن.

وقد أكد خبراء وأكاديميون وعلماء ومفكرون وإعلاميون، بأن الحرية أسمى بكثير مما يحصرها فيه “الخارجونُ والخارجاتُ عن القانون” والمبررون لأفعال الشواذ والتسيب الجنسي، الذي يخرب المجتمع ويفتك بنظام الأسرة، وحذروا من الذوبان في القيم الغربية والمس بالخصوصية.

نعم؛ العقوبات المقررة في القانون الجنائي على هذه الجنايات ليست شرعية، وجل المواطنين يأملون أن تصير كذلك، لكنهم لن يقبلوا بحال أن تُرفع، لأنها تقلل الشرّ، وتضيق الخناق على المفسدين في الأرض، ممن يعتقدون بأن الإنسان محور الكون، ولا سلطة دينية أو قانونية، تكبح جماح شهواته، وتَحُول دون تحقيق رغباته الشاذة.

خاتمة:

وفي الختام نؤكد أن الحريات تقاس بمدى نفعها وضررها، ونحن نرى الغرب اليوم كيف يعمل على تقليص الحريات الفردية، ويسعى جاهدا إلى إصدار قوانين تمنع الحجاب والنقاب، وتصادر بناء المآذن، وتبيح له التنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة، وتركيز أجهزة السكانير في المطارات التي تظهر أدق خصوصيات الإنسان وأجهزته التناسلية، وكل ذلك لحماية أمنه الخاص، فالحريات الفردية مردها إلى ما يعود على الفرد والمجتمع بالنفع وما يدفع عنهما الضر أيضا، ولذا وصفت النواهي الشرعية حدودا فإذا تجاوزها الإنسان وقع فيما يضره.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
19°
24°
أحد
25°
الإثنين
22°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M