الدكتور الريسوني يكتب: أولوية السلم على العدل أو الاستبداد المعجَّل والعدل المؤجل

هوية بريس- د.أحمد الريسوني
الشيخ عبد الله بن بيه، الإماراتي من أصل موريتاني، ورئيس مجلس الإفتاء بدولة الإمارات، ومنذ أن حط رحاله بالإمارات، وأوحيَ إليه مذهبه الجديد، في وطنه الجديد.. يتبني فكرة مبتكرة لم يسبقه إليها أي فقيه مسلم من قبل، وهي أن على المسلمين أن يكُفُّوا عن المطالبة بالعدل، وأن يكفوا عن السعيِ إليه وإلى ما في ضمنه من حقوق لهم.. وأن يركزوا – بدل ذلك – على إقامة السلام والوئام والانسجام، مع كافة الولاة والحكام. “عليهم أن يصرفوا النظر عن الطغاة، ويركزوا على مواجهة الغلاة”، كما قال الشيخ في بعض خطبه..
في ربيع 2010 نظم الشيخ عبد الله بن بيه “مؤتمر ماردين”، بمدينة ماردين التركية. وكان حريصا في هذا المؤتمر على استصدار توصيات مشددة ضد الغلاة (=التطرف والإرهاب والإسلام السياسي)، ومؤيدة لولاة الأمور.. وهو ما تم له بالفعل.
ولكن ما أثار التساؤل والاستغراب أكثر يومذاك، هو ذلك الحضور التام لبعض موظفي السفارة البريطانية، ثم السؤال عن مصدر التمويل السخي لهذا المؤتمر؟! ولم يجد المشاركون جوابا أو تفسيرا لهذه الأمور؟!
وفي سنة 2013 انفصل الشيخ عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. ثم بدأ يُفصح – شيئا فشيئا – عن مذهبه الجديد، ويؤكد أن المطالبة بالحقوق تؤدي إلى تأجيج الصراعات والحروب، علما بأن “استمرار الحرب لا يحقق سلما ولا يحقق عدلا”، كما صرح في حوار له مع القناة الإماراتية سكاي نيوز عربية، .
وهكذا أصبح الشيخ يوصف بأنه داعية السلام، وعدو الحروب والعنف.. واشتهرت عنه مقولة: “يجب أن نعلن الحرب على الحرب.. لتكون النتيجة: سِلمًا على سِلم”.. فنحن بحاجة إلى السلم أولا، والعدلُ سيأتي لاحقا.. أما إذا اشتغلنا بمطالب العدل والحقوق، فهذا يشعل الحروب والصراعات.. وحينئذ نبقى بلا سلم ولا عدل!
ويرى أحد الكتاب المناصرين للشيخ بأن هذه العبارة تُمثِّل جوهر المشروع الفكري للشيخ ابن بيّه ..
ومن هنا أحدثوا له – مطلعَ 2014 – منظمة خاصة باسم (منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة)، وعينوه رئيسا لها!
وتعبيرا عن توجهه الجديد، أو مذهبه الجديد، بدأ الشيخ يردد ويروج مجموعة من المفردات الأنيقة والمعاني الشعرية الجميلة؛ مثل:
– كليُّ السلم أَوْلى الأولويات..
– تحقيق السلم يأتي بالعدل، ومطلب العدل لا يأتي إلا بالحرب..
– الحرب على الحرب نتيجتها: سلم على سلم..
– غض الطرف عن الطغاة، ومحاربة الغلاة..
– رفع شعار: العائلة الإبراهيمية، التي تجمع وتؤاخي بين المسلمين واليهود والنصارى..
وقد ظهر سريعا أن هذه التنظيرات توظَّف مباشرة في خدمة الحروب الجديدة لبعض الأنظمة الاستبدادية، المندمجة في السياسات الإسرائيلية.. من ذلك:
1. أنها استخدمت في سحق الشعوب العربية ومطالبها الإصلاحية والتحررية، بعد اشتداد وطأة الفساد والاستبداد، وخاصة في مواجهة ما سمي بالربيع العربي.. فعززت الاستبداد المعجَّل، في انتظار سراب العدل المؤجل..!؟
2. استُعملت كذلك لشرعنة الاستسلام والتسليم التام، بخصوص القضية الفلسطينية؛ وهو ما تَـجسدَ فعليا في التطبيع الاستسلامي اللامشروط من الجانب العربي، ولكنه مشروط – من الجانب الآخر – بتصفية القضية، وتصفية المقاومة، وبسط يد العدو في المنطقة.. لأن السلام يعلو ولا يُعلى عليه.
3. منذ إطلاق هذه التنظيرات والشعارات على لسان الشيخ ابن بية، ونحن نرى دولتها وراعيتها، تُشعل حربا بعد أخرى، في عدد من المجتمعات المسلمة.. كما هو الحال في ليبيا والصومال واليمن والسودان، وغيرها. وكما وقع في الانقلاب المصري (2013)، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا (2016)، والحصار الرباعي ضد قطر (2017)..
4. ظهر بوضوح تام أن تأسيس ـ(منتدى تعزيز السلم)، وكثرة الكلام عن التعايش والسلام والأخوة الإبراهيمية.. كان لمجرد التلهية والتعمية، وللتغطية على حروب الاستبداد والاستعباد، أو لذرِّ الرماد في العيون، كما يقول المثل العربي..
فعل يصحو الشيخ وينتفض، ويعود إلى أصله وصفته؟ أم أن الأموال تغير الأحوال، وتقهر الرجال؟