الديانة الإبراهيمية.. أهل الباطل أدرى بباطلهم

21 مارس 2023 17:48

هوية بريس – د.أحمد اللويزة

صراع الحق والباطل قديم قدم الإنسان على هذه الأرض، فإبليس زعيم الباطل وإمام الشر وسيد الضلال يقوم بمهمة الغواية والصد عن الحق وتزيين الباطل، وهو مقر بأنه يفعل ذلك نشرا للباطل وحربا للحق، وصدا عن الخير وإشاعة للباطل.

فهو لم يطلب طول الحياة إلا لهذا الغرض (قَالَ ‌رَبِّ ‌فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، معلنا هدفه من ذلك حين قال {‌فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} و{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي ‌لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}، فإبليس سيد أهل الباطل يعمل معه جنود من الجن والإنس، وهم على سننه وخطته، ينشرون الباطل ويعلمون أنه الباطل، ويلبسون على الناس الحق وهم يعلمون أنه حق، فهم لم يحاربوه إلا لعلمهم بأنه الحق.

والحق كما يقال أبلج؛ عليه علامات ناطقة بأنه الحق، لا تخطؤه العين ولا تنكره العقول، لكن الإنكار إنما يكون جحودا وعنادا، وإليكم الدليل والبرهان، حيث يقول موسى لفرعون كما في القرآن (‌لَقَدْ ‌عَلِمْتَ ‌ما ‌أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَاّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً)، ويؤكد الله هذه الحقيقة عن بني إسرائيل في قوله جل وعلا {‌وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}.

ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وحاربته قريش وصناديدها لم يكونوا يحاربونه لأنه جاء بالباطل، وهم يعلمون أنه الصادق الأمين الذي لم يكذب أبدا، ولكنه الكبر والعناد كما قال جل شأنه في حقهم: (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ‌فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).

فوصفهم الله برفع رؤوسهم إلى أعلى وهي هيئة المتكبرين الذين يرفضون الحق رغم يقينهم بأنه الحق، فـ«الْكِبْرُ ‌بَطَرُ ‌الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» كما ورد في الحديث.

ذكر ابن كثير رحمه في تفسيره قوله (فَخَلَا الْأَخْنَسُ بِأَبِي جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ: أُصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرِي وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَيْحَكَ! وَاللَّهِ ‌إِنَّ ‌مُحَمَّدًا ‌لِصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ، وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَتْ بَنُو قُصيّ بِاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابِ وَالنُّبُوَّةِ، فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.

ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة دخل عليه حيي بن أخطب سيد يهود بني النضير قالت صفية ابنته زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي، حُييّ بْنِ أخْطَب: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ: قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وتُثْبته؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نفسِك مِنْهُ؟ قَالَ: ‌عداوتُهُ والله ما بَقِيتُ.

وليس النصارى بأقل يقينا من اليهود بصحة نبوته عليه السلام كما أقر بذلك الفتى النصراني عداس في قصة الطائف. وقد قال الله عنهم جميعا (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات)، وهم اليهود والنصارى كما فسره كثير من أهل العلم.

إن هذا التقديم الذي اقتضاه المقام لبيان حال أهل الباطل في كل زمان وأنهم يقرون بالحق لكنهم يحاربونه عن قصد حسدا وحقدا وغرورا، وسلفهم في ذلك إبليس. فلذلك فإن ما يروج له اليوم مما يسمى بالدين الإبراهيمي أو البيت الابراهيمي -وابرهيم عليه السلام منه براء- ومحاولة تصريفه بين الناس على أساس أنه الدين البديل الذي يمكن العالم من عيش في سلام كما يدعون، والمروجون هم عند الناس أنهم مصدر الشر في العالم، أولئك قال الله فيهم (ويسعون في الأرض فسادا).

فهذا العمل لا يخرج عما قيل قبل، وأن أعلم الناس ببطلان هذا العمل هم صانعوه، فهم لم يصنعوه إلا ليحاربوا به الإسلام دين الحق، هذا الدين الذي يزحف على القارات رغم كل وسائل التضييق والحرب والتشويه، فجاء دور التلبيس والتدليس، القوم يعلمون أنه باطل يحاربون به الحق، وشر يواجهون به الخير، وضلال يقابلون به الهدى، لكن الخوف كل الخوف على بسطاء الأمة وجهلتها والمستلبون منها الذي فرغت جعبتهم من العلم الشرعي والحقائق الإيمانية،  وتقريرات القرآن التي تثبت الأحقية لدين الإسلام وحده، وأن الله قضى في كتابه أن كل دين باطل إلا دين الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام” وذلك في قوله تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وفي قوله جل وعلا (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)، وفي قول رسوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، ‌لَا ‌يَسْمَعُ ‌بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

ولست هنا في معرض ذكر الأدلة لبيان بطلان الجمع بين الحق والباطل فهما لا يجتمعان أبدا، ولا يقر أحد باجتماعهما إلا أحمق أخرق، فكيف يقر بذلك مسلم وأصحاب الشأن أعلم الناس بأن ما يفعلون باطل لا مرية فيه، فيكيفكم يا أمة الإسلام أن يكون هذا الدين الجديد باطلا وضلالا وانحرافا.

ثم إن هذا الدين الجديد يرفضه أهل الباطل من جهة تعصبهم لباطلهم الذي يرونه حقا، فهم لا يقبلون بالإسلام الذي ينظرون إليه نظرة سيئة، ولذلك نجد “تواضروس” زعيم الاقباط في مصر يرفض ذلك ويعتبره تلاعبا سياسيا في أحد تصريحاته (ينظر تصريحه على المواقع الإخبارية).

ومن قبل صرح مدير مدير CIA في 2006 “سنضع لهم إسلاما يناسبنا”.

لتعلم بهذا ان العمل مخدوم ومبرمج وتم العمل عليه خفية قبل أن يخرج للعلن، كل ذلك في حرب جديدة أو فصل جديد من محاربة الإسلام الذي بدأت حربه منذ جهر محمد عليه الصلاة والسلام بالدعوة ولن تتوقف إلى قيام الساعة.

فلا أجد مسلما متشبثا بإسلامه غيورا على دينه يقر بأن الإسلام هو الحق الذي ليس بعده إلا الباطل، أن تنطلي عليه هذه الخدعة كما انطلت على كبار الناس خدعة حوار الأديان وحوار المذاهب، والتي كانت مجرد يافطات تخفي وراءها حقدا على الإسلام والسنة، مستغلين حسن النية عند المسلمين، ولكن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M