الرَّوْضُ الجَنِيّ.. في بعْض خِصَال سيدي عبد الله بلمدني…!!

هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..
أحبابي الكرام:
الحديث عن العلماء العاملين.. حديث صعب.. لكثرة المناقب.. واحتيار الكاتب.. وتعذُّرِ الألفاظ عن توفية بعض الحق لمستحقيه.. إذ هم حملة الوحي.. وحرّاسُ العقيدة.. وحُماةُ المِلّة.. وورثة الأنبياء.. ولكني أستعينُ الله تعالى.. وأستمنحه المدد.. وحديثي في هذا المقال.. عن علم من أعلام العلم والسلوك.. ببلدنا المغرب.. سيدي عبد الله بلمدني.. حفظه الله وصانه..
رافقتُه في السّفرِ والحضر.. فكانت حالي معه حالية.. ومَوارِد أنسي به من قذى الأكدار صافية.. كان يفتح لي للخير والبر كلَّ باب.. وهو ممن مودّتُه تدخلُ بيتَ القلبِ بغير إذنٍ ولا حجاب.. فمِن العنبر الذي أذكته مجامرُ فضله.. وقذفته في قلبي رياح نبله.. ما رأيت من بكائه وهو يعانق عالما آخر من علماء المغرب.. عند لقائه به في فرنسا.. فرسَم في قلبي صورة حب لا تمحوها الأيام.. وبريقها ينسيني قتامة غدر اللئام..
قضيتُ برفقته قرابة عشرين يوما في فرنسا.. وكان كثيرا ما يجلو علي كأس أنسه.. ويسامرني بليل سمره ونِقْسِهْ.. ونحنُ في حضرته مع بعض الفضلاء نتجارى.. حتى مضى لنا معه أويقات أرق من النسيم.. عنبرية الصميم والشَّميم..
والشيخ حفظه الله فاضل ليِّن العود ماجد الأعراق.. حلو الشمائل عذب الأخلاق.. له آثار على أَكُفِّ القبولِ مرفوعة.. وكلمات حلوة كثمرات الجنان لا مقطوعة ولا ممنوعة.. وهو في رحبة العلوم ماهر حاذق.. وفي ميدان الفضل وحلبة الحِلم سابق.. وقد تنورت عرصات بني ملال بغوادي شمائله.. وتحلَّى مِعصم مجدها بسِوار فضائله..
والشيخ أديبٌ نسق من جواهر كلامه أكاليل دُرٍّ ما لمنظومها سِلك.. وجَرَتْ مياهُ البلاغة في رياضِ نِظامه فذابتْ كذوْبِ التِّبْر أخلصَهُ السَّبْكْ.. مع تواضُعٍ جمّ.. ولُطفٍ تَمّْ.. فسبحان المعطي الوهاب.. وقد نقل لتلامذته سمتَه ودلَّه.. فمتى جالستَ أحدهم رأيتَ أثر الشيخِ وظِلَّه..
لله دره من ماجد صِيغَ من معدِن السَّماح.. وابتسمتْ في جَبينهِ غرّةُ الصباح.. اللطف حشْوُ إِهَابِه.. والفضلُ لا يلبسُ غيرَ جِلبابِه.. ولستُ بالمُكْثِر ولا المُبالِغ.. فقد فاح من أخلاقه روْحُ الجِنان.. ونظمتْ مناقبُه عقود الدُّرِّ والمَرجانْ..
والشيخ لا يرى نفسه أبدا.. ولا يزدري من الناس أحدا.. وأخلاقه بها الألسن تُقِرّْ.. وبها العيون تَقَرّْ.. يكاد لرقته ولطفه يمتزج بالأرواح.. كامتزاج الماء القَراحِ بالرَّاحْ.. وقد قلت للشيخ مرارا.. أني ما رأيت أحدا من الناس يذكرني بوالدي رحمه الله.. كالشيخ سيدي عبد الله.. في صمته وسمته.. وانكسارِه وخضوعه..
لقد تطفلت وأطلقت العنان.. مع علمي أني لست من فرسان هذا الميدان.. ولكنَّ الشيخ الفاضل من الكرام.. الذين شيمتهم الصفح إن زلَّت بالمحبين الأقلام.. وما قصدي بذلك إلا ارتياضَ القريحة.. وحفظَ المودة الصحيحة..
وها هي كلماتي تسعى خجلى إليكم.. سعيَ المتطفل عليكم.. فالمراد والمأمول.. إسدال ستر القبول..
واللهَ أسأل.. أن يحفظ الشيخ.. ويزيد في علمه وعمله.. ويبارك له في أهله وَوُلْدِهْ.. وينفعنا ببركة حبِّه وَوُدِّه..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.