الشيخ القزابري يكتب: وَطَنُ الأَرْوَاحِ المُتْعَبَة…!!!

هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..
أحبابي الكرام:
العزلة ذلك الظل الذي تأوي إليه من هجير الخلطة..والكهف الذي يقيك من لظى المجاملات الفارغة.. والسكون الذي يعيد إليك نفسك بعد أن كادت تضيع منك في ردهات قيل وقال…
إن في العزلة اليوم خيرا كثيرا.. لمن كانت له نفس حية.. تنأى عن مواطن الإذلال.. وتأبى وصم الكذب.. ونعوت النفاق المغلف.. ومن خَبَرَ الناس.. عَلِمَ علم اليقين.. أن الطمأنينة لا تنال إلا في زاوية بعيدة عن أعين الناس.. حيث لا رقيب يحصي عليك أنفاسك.. ولا حسود يستكثر عليك اطمئنانك.. ولا مستكبر يختال به زهوه الكاذب…
إنك أيها الفاضل.. إن نظرت إلى زمننا نظر المتفحص.. رأيت كذبا وزورا.. وتحايلا.. ورأيت من يلقاك بغير وجهه الحقيقي.. ويسمعك ألفاظ الحب المفبرك القائم على المصلحة.. والخالي من معاني الصدق.. إلا من رحم الله.. وقليل ما هم..
عن عقبة ابن عامر رضي عنه قال: قلت (يا رسول الله.. ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك. وليسعك بيتك..وابك على خطيئتك..)، ويقول سيدي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثَرة.. وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. فعليك بخاصة نفسك.. ودع عنك أمر العوام..)،
ويقول سيدنا علي رضي الله عنه (يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء.. تسعة منها في اعتزال الناس.. وواحدة بالصمت) ليست العزلة أيها الأحباب أن يترك الانسان الجمعة والجماعة.. فهذا حرام شرعا.. وإنما أن يقلل الإنسان ما استطاع من الخلطة.. التي ليس فيها إلا القيل القال.. وكثرة السؤال فيما لا نفع فيه..ونهش الأعراض.. واقتحام الأستار.. وهتك الأسرار.. ولقد حث الأكابر من أسياد هذه الأمة.. على العزلة.. واعتبروها من عناوين النجاة.. فإذا كان هذا في زمن الأكابر.. فكيف يكون الحال في زمننا هذا.. الذي لا يختلف اثنان.. أن الأخلاق فيه تدنت إلى دركات سحيقة.. وأن الصداقة فيه أصبحت بلا معنى (إلا من رحم الله)..
يقول سيدنا الامام الشافعي رحمه الله:
فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها///تبقى سعيدا إذا ما كنت منفردا
إن العزلة أيها الأحباب هي وطن للأرواح المتعبة. وهي مرآة يقف فيها الانسان أمام نفسه. وهي خيمة تكون فيها على حقيقتك.. بعيدا عن أي تزييف.. إن العزلة تفرضها العزلة.. عزلة الفكر والذوق والتوجه والمبادئ والقيم.. عندما تجد نفسك تسبح ضد التيار.. وتتمسك بالذوق في حمأة الاسفاف.. وتأوي إلى القيم في غربة الأخلاق.. وتعامل بالنقاء أناسا لا يتقنون إلا الحساب.. وميزان الربح والخسارة.. والبيع والشراء.. حينها تبدو لك العزلة جنة مُشْرَعَةَ الأبواب.. فيها الظل الظليل.. والخضرة والنضرة.. وستكون مغبونا إن حُرِمتَ ظلها ونضرتها..
وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.