العقلية التخريبية (في المدارس)

28 أبريل 2025 15:14

هوية بريس – أنس النورتي*

أذكر عندما كنت طفلًا في المرحلة الابتدائية بمؤسسة الإمام البخاري بمدينة أكليم، إقليم بركان، ذلك التعلّق العميق الذي كان يربطني بالمدرسة.

كنا كتلاميذ صغار نسعى جاهدين إلى تزيين أقسامنا، وتنظيف ساحت المدرسة، والحفاظ على ممتلكاتها، وقد وعينا، رغم صغر سننا، أن أي عبث أو تخريب بتلك الممتلكات إنما يعود بالضرر علينا أولًا.

وكان الفضل في هذا الوعي يرجع إلى أساتذتنا الفضلاء، جزاهم الله عنا خير الجزاء، وعلى رأسهم الأستاذ الجليل سي دخيسة بارك الله في عمره، الذي كان حريصًا على تنشئتنا تنشئة أخلاقية رفيعة.

وقد كانت المؤسسة تزدان بكثرة أشجار الزيتون والبرتقال، وكان الأساتذة الكرام يؤطروننا في سقي تلك الأشجار، ورعايتها، وجني ثمارها، فترسخ فينا حب البيئة والانتماء إلى المكان، ولا يزال هذا الوعي مصاحبًا لي إلى يوم الناس هذا.

لكنني صُدمت لاحقًا حين انقطعت عن الدراسة الأكاديمية لظروف ما، ثم عدت إليها في مرحلة التعليم الثانوي بثانوية القاضي ابن العربي، حيث فوجئت بانتشار العقلية التخريبية: تخريب الأقسام والمراحيض، والعبث بالممتلكات العامة، وكتابة الألفاظ النابية على الجدران والكراسي والطاولات، في مشهد مؤلم يعكس انهيارًا تربويًا وأخلاقيًا خطيرًا.

وتوالت الصدمات حين عدت لاحقًا لبعض المؤسسات التعليمية متدربًا في شعبة المساعد الاجتماعي التربوي؛ فقد وقفت عن قرب على حجم الهوّة، وكمّ الانفصال بين كثير من التلاميذ ومؤسساتهم، حتى بلغ ببعضهم حدّ التمني لو اقتُلِعت هذه المؤسسات من جذورها.

إنها عقلية تخريبية مريضة، لا تعبّر فقط عن تمرد فارغ، بل عن أزمة عميقة في الإحساس بالمسؤولية والانتماء، إنها عقلية تنبئ عن وجوب بناء الإنسان قبل بناء العمران، إذ لا معنى لعمران يُشاد بسواعد خراب، ولا لقاعات أو مبانٍ تُقام فوق أنقاض النفس والضمير.

فخراب الإنسان هو خراب العمران مهما بلغت دقة التصاميم وجودة المواد.

والله يصلح الحال والمآل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مساعد اجتماعي تربوي

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
20°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M