بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه اجمعين. أحبابي الكرام:
العبد في طريق سيره إلى ربه. لا بد وأن تعترضه عقبات ومعوقات. تؤخر سيره أو تقعد به عن بلوغ مآربه. وتحقيق مطالبه. والفتور هو السكون بعد الحِدَّة واللين بعد الشِّدَّة والتراخي بعد الجد. والكسل بعد النشاط. وتلك أمور لايَسْلَمُ منها أحد على تفاوت بين شخص وآخر. فنوبات الفتور تتربص بكل عبد سالك. لكن ينبغي التفطن لأمرين اثنين. أولهما: أن لا تجره الفترة بعيدا فتردي به في مَهَاوي الفُرُط . ومحاذير الشريعة. والأمر الثاني: أن لا يركن إليها ويستسيغها فتطول مدتها. لأنه يُخْشَى عليه ساعتئذ من سوء الخاتمة عياذا بالله. قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: (فَتَخَلُّلُ الفترات للسالكين أمر لازم لا بد منه. فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد. ولم تُخْرِجْهُ من فرض. ولم تُدْخِلْهُ في محرم. رُجِيَ له أن يعود خيرا مما كان)، يقول سيدنا عمر رضوان الله عليه. وهو كلام يكتب بماء العين (إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل. وإن أدبرت فأَلْزِمُوهَا الفرائض )يعني إذا وجد العبد من نفسه إقبالا وانشراحا فليكثر من النوافل وذلك من باب استغلال الحال .وإذا وجد من نفسه فتورا وكسلا فلا يفرط في الفرائض. فإذا فَتَرَ العبد عن النوافل. فلا يدع الفرائض. وإذا تَوَسَّعَ في المباحات فلا يجرؤ على المحرمات. وإذا خَفتَ نشاطه في الخير. فليس إلى حَدِّ الترك والعزوف وتغيير الوجهة. وذلكم ميزان الاعتدال. الضامن لصفاء الحال على كل حال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ لكل عملٍ شِرَّة. ولكل شِرَّة فتَْرَة. فمَنْ كانت فتْرَتهُ إلى سُنتَّي فقد أفْلَح. ومَنْ كانت فَتْرتُه إلى غَيْرِ ذلك فقدْ هَلَك)، والفتور أيها الأماجد ليس توقفا فحسب. بل هو تأخر. لأن العبد في دروب هذه الحياة وخصوصا في طريق سيره إلى الله. إما متقدم وإما متأخر. وليس بينهما شيء اسمه التوقف. قال تعالى (إنها لإحدى الكبر. نذيرا للبشر. لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر)، ولم يُشَر في الآية إلى التوقف. بمعنى: من لم يتقدم فإنه يتأخر. إذ لا منزل بين الجنة والنار. ولا طريق لسالك إلى غير الدارين البتة (إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين)، فمن لم يتقدم بالأعمال الصالحة. فهو متأخر بالأعمال السيئة.
ويستعان على التخلص من آفة الفتور باللَّجَإِ إلى الله تعالى. والاطِّراحِ ببابه. وكثرة التضرع والتبتل إليه. خصوصا في أزمنة الهرج هذه. التي كثرت فيها دواعي الانحراف والانجراف. وكثر فيها دعاة الباطل الذين يلبسون لَبُوسَ الفكر. يدعون إلى مخالفة الوحي. وذلك عبر إفساد الوعي. وإثارة الشبهات التي تُحْدِثُ عند متلقيها تشويشا قد يفضي بهم إلى الشك. وتلك رسالتهم. وإن كانت أقوالهم وأفكارهم أوهن من بيت العنكبوت. ولكن عندما يقل الوعي يسهل الاختراق.
فمن آوى إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد آوى إلى ركن شديد. وليس مايقع اليوم بجديد على الأمة. بل هو متجدد على امتداد هذه الرسالة الزمني والمكاني. وذلك حتى تمضي سنة التدافع. ليميز الله الخبيث من الطيب. وآية البشارة ترفرف فوق رؤوس المحبين. ترفع عنهم الضيم. وتكشف الغيم. وتبشر بغد الإشراق. وذلك مما ينفي التوجس. ويقضي على المخاوف (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم. ويابى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.