العلاقات الفطرية: بين العدل والفضل والبر

14 مارس 2025 17:44

هوية بريس – د. لطفي الحضري

العلاقات الإنسانية تشكل جوهر الحياة البشرية، وهي المرآة التي تعكس قيم الفرد وأخلاقه ومدى التزامه بمبادئ التعايش مع الآخرين. في الإسلام، لم تُترك هذه العلاقات للصدفة أو للأهواء الشخصية، بل وُضعت ضمن إطار منظم يحدد مستويات التعامل مع الناس بناءً على طبيعة العلاقة التي تربطنا بهم. هذه المستويات الثلاثة هي:

1. العدل كأساس عام للتعامل مع جميع البشر،
2. الفضل كدرجة خاصة تنطبق على العلاقات الزوجية،
3. والبر كأعلى المراتب المخصصة للوالدين.

لكن ما يميز هذا النظام الإسلامي هو وجود عنصر مشترك يجمع بين هذه المستويات ويضيف لها بعدًا أعمق وأشمل، وهو الإحسان. الإحسان ليس مجرد قيمة إضافية، بل هو روح تسري في كل مستوى من هذه المستويات، وتمنحها عمقًا وتأثيرًا أكبر. فهو القاسم المشترك الذي يربط بين العدل والفضل والبر، ويضفي عليها لمسة من الكمال الأخلاقي.

1. العدل: الأساس العام للتعامل مع الجميع

العدل يعني إعطاء كل ذي حق حقه دون تمييز أو ظلم. هو الحد الأدنى المطلوب في التعامل مع البشر بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية، الثقافية، أو الاجتماعية.

– دور الإحسان في العدل:

بينما العدل يكفي كأساس عام، فإن الإحسان يرفع مستوى التعامل إلى درجة أعلى. فالإحسان هنا يعني تقديم أكثر مما هو مطلوب قانونيًا أو اجتماعيًا. على سبيل المثال، إذا كان العدل يقتضي رد المال المسروق، فإن الإحسان يضيف لمسة من الاعتذار الصادق أو تقديم تعويض إضافي لإصلاح العلاقة.
– قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ” (النحل: 90).

– قال النبي ﷺ: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله”.

2. الفضل: العلاقة الخاصة بين الأزواج

الفضل يعني تقديم ما هو أكثر من الحقوق الأساسية، وهو يعكس روح التعاون والمودة في العلاقات الخاصة.

– دور الإحسان في الفضل:

الإحسان هنا يظهر في شكل الرفق، الحب، والتضحية. فالزوجان ليسا مجرد شريكين في الحياة، بل هما فريق واحد يعملان معًا لتحقيق السعادة المشتركة. الإحسان في هذه العلاقة يعني أن يشعر كل طرف بالآخر، وأن يقدم له الدعم العاطفي والمادي دون انتظار مقابل.

₋ قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: 19).

₋ ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237﴾، سورة البقرة.

₋ قال النبي ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.

3. البر: العلاقة الخاصة مع الوالدين

البر يعني تقديم أعلى درجات الاحترام والرعاية، وهو يعبر عن الامتنان والتقدير لما قدموه من تضحيات.
– دور الإحسان في البر:

الإحسان هنا يتجاوز مجرد الالتزام بالواجبات إلى تحقيق السعادة للوالدين. فهو يعني أن تكون قريبًا من قلبهم، وأن تحرص على راحتهم النفسية والمادية، وأن تتجنب أي سلوك قد يؤذي مشاعرهم.
– قال الله تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” (الإسراء: 23).

– قال النبي ﷺ: “رِضى اللَّهِ في رِضى الوالِدَينِ ، وسَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ”، (ابن حبان).

الإحسان: الروح الجامعة للمستويات الثلاثة

الإحسان هو القوة المحركة التي تضفي على كل مستوى من هذه المستويات بُعدًا أخلاقيًا أعمق. فهو ليس مجرد إضافة اختيارية، بل هو جوهر التعامل الإسلامي.

إن الإسلام يدعو دائمًا إلى رفع المستوى الأخلاقي من العدل إلى الإحسان. فالعدل هو الحد الأدنى، لكن الإحسان هو الغاية العليا التي يجب أن يسعى إليها كل مسلم.

الخلاصة:

يقدم الإسلام نظامًا دقيقًا ومتوازنًا للعلاقات الإنسانية، يعتمد على ثلاثة مستويات رئيسية: العدل، الفضل، والبر. ومع ذلك، فإن الإحسان هو الروح الجامعة التي تربط بين هذه المستويات، وترفعها إلى درجة أعلى من الكمال الأخلاقي.

في كل مستوى من هذه المستويات، يمكننا تقسيم الإحسان إلى درجات داخلية، مما يجعله قاعدة شاملة تغطي جميع جوانب الحياة. لذلك، يجب أن نسعى دائمًا إلى تحقيق الإحسان في كل تعاملاتنا، سواء كانت مع الناس بشكل عام، أو مع شركائنا في الحياة، أو مع والدينا. بهذه الطريقة، نحقق التوازن والانسجام في المجتمع، ونعكس صورة حقيقية لقيم الإسلام السمحة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
14°
18°
الإثنين
18°
الثلاثاء
22°
الأربعاء
22°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M