الفساد.. وأسباب فشل الإصلاحات في ظل التغلغل الصهيوني في المغرب

30 مارس 2025 11:00

هوية بريس – إبراهيم الطالب

في عالم يترنح، تحاول فيه “الأمم المتحدة” ضدنا أن تبقى متحكمة في إدارة الاستبداد العالمي، بالشكل الذي يضمن لها الاستمرار في استنزاف ثروات الشعوب، لتستمر الدول الفقيرة والمجتمعات الضعيفة في فقرها وذلها وتبعيتها لآلات إنتاج الدول الغنية، والتي هي نفسها الدول التي تشعل الحروب وتقسم الدول وتبيد الشعوب.

وفي عالم يترأس فيه أصحاب الشركات حكومات الدول، فلن تكون هناك رحمة للبشر، فالشركات في نشاطها التجاري لا تهتم بصحة المستهلك ولا بدينه ولا بحياته، فكيف إذا كان رؤساؤها يتحكمون في جيوش الدول، فطبيعي أن نرى هذه الحال في عالم تَستعبد فيه الأقلية المتحكمة الأغلبية المحكومة.

في عالم يعربد فيه رئيس أرعن مثل ترامب، يمول المجرمين والإرهابيين، ويبتز الدول كقاطع طريق في أحد شوارع مانهاتن المظلمة، ويهاجم المنظمات الدولية ورؤساء الدول كما لو كان ملاكما فوق حلبة الصراع.

في عالم مثل هذا، يعيش المغرب بتاريخه الحضاري العظيم، لكن واقعه يشي بتخوفات كبيرة، تجعل مستقبله مظلما ملتبسا، ينذر بكل شيء سوى الاطمئنان والارتياح.

انعدام الاطمئنان والراحة سببه وجود كثير من المهددات، التي تجعل الواقع المغرب عصيا على الإصلاح.

ويمكن القول إن كل الأسباب والمعضلات التي حالت دون محاولات الإصلاح التي انتهجها السلاطين منذ محمد الرابع إلى غاية اللحظة من عهد محمد السادس، لا تزال قائمة، ومن أهمها:

فساد النخب، وضعف الإدارة، وفساد القضاء، وانتشار التخلف، واستحكام الفقر، وتسلط الأجنبي على الاقتصاد المغربي، والاقتصاد المهترئ، وفشو المحسوبية، واحتكار الاقتصاد من طرف السياسيين النافذين، وإغراق البلاد في الديون.

وزاد على كل هذه المعضلات اليوم، هذا الاختراق الواسع لكل المجالات من طرف الصهيونية الدولية، الأمر الذي بات واضحا لكل مراقب أو متابع عادي، والخطير في الأمر أن توسعَ دائرة نفوذ ونفاذ الصهيونية، ربطه الإعلام المتصهين بالقضية الصحراء المغربية، وذلك عن طريق البروباغاندا المسمومة، والأخبار المضللة واستخدام الذباب الإلكتروني والإعلام المتصهين (راديو أبراهام ومن والاه من فصيل كلنا إسرائيليون)، وذلك توجيها للرأي العام حتى يقبل بهذا الربط المريب بين تغلغل الصهاينة في الاقتصاد والثقافة والفلاحة والتعليم العالي وكل القطاعات الحيوية وبين حل معضلة الصحراء المغربية التي هي أيضا بيد الغرب في مجلس الأمن المتصهين منذ نشأت منظمة “الأمم المتحدة” علينا.

وبعيدا عن موضوع الصهاينة وتغلغلهم السافر الذي يذكر بتغلغل فرنسا في المغرب في مرحلة ما بعد مؤتمر مدريد إلى توقيع عقد الحماية بالقوة، نجمل الحديث عن أسباب فشل الإصلاحات في المغرب والمرتبطة أساسا بمجموعة من العوامل البنيوية، (السياسية والاجتماعية والاقتصادية) والتي تعيق تنفيذ أي سياسات إصلاحية مهما كانت فعالة ومستدامة؛ ولعل أبرز هذه الأسباب تتلخص في النقاط التالية:

1- غياب الإرادة السياسية الحقيقية، حيث تبقى الإصلاحات غالبًا ما تكون شكلية، أو تتخذ بهدف امتصاص الاحتقان الشعبي دون نية فعلية لإحداث تغيير جذري كما حصل بعد هبوب رياح الربيع العربي، والذي لم نستفد منها سوى ترسيم المكون العبري دستوريا، ليبنى عليه اليوم هذا التوسع القاتل للصهاينة ذوي الأصول المغربية.

2- استمرار هيمنة النخب التقليدية وارتباط مصالحها بمصالح من يملكون السلطة المتزوجة بالمال، الأمر الذي يعيق تنفيذ إصلاحات حقيقية تمس مراكز نفوذهم المتغلغل في مفاصل جميع القطاعات الحية.

3- هيمنة السلطة التنفيذية وضعف المؤسسات المنتخبة، حيث تم إعلان وفاة السياسة مع نهاية الحرب على الإرهاب التي اختتمت بمرحلة كورونا؛ فرغم وجود برلمان وأحزاب سياسية، فنظرا للفساد الكبير الذي تعرفه الأحزاب، والذي يؤذن بسكتة قلبية للبلاد، تبقى السلطة الحقيقية مركزة في يد المؤسسة الملكية، وهذا يجعل نخب التكنوقراط تهيمن على كل المجالات، ويضعف إعمال مبدأ ارتباط المسؤولية بالمحاسبة.

4- فشو الفساد واستمرار اقتصاد الريع، وقد زاد من تجذرهما واتساع دائرتهما وجود الحاجة المستمرة إلى من يلعب الأدوار القذرة على كل المستويات خلال مرحلة “الحكومة الملتحية”، الأمر الذي تنهمك “الدولة” في تصفيته بحذر كامل، من خلال محاكمة الفاسدين.

فهل ستكون هناك جرأة لمحاربة الفساد المستشري في الإدارة والاقتصاد على مستوى أكبر من مستوى رؤساء الجماعات والجهات، والذي يعتبر أهم العوامل التي تعطل تنفيذ الإصلاحات، حيث تستفيد شبكات المصالح خصوصا المرتبطة بالصهاينة من الوضع القائم وترفض أي تغيير قد يهدد امتيازاتها، الأمر الذي سيفرض استمرار اقتصاد الريع، القائم على الامتيازات والاحتكارات؟

وهل ستسمح الطبقة المستفيدة من هذا الوضع بأي إصلاحات تمس مصالحها؟؟

7- الضغط الخارجي والمصالح الدولية، فمعلوم أن الدول المتخلفة لم تخرج من الاحتلال التقليدي إلا على أساس توافقات، أدخلتها في حالة “استعمار جديد” قوامه الحفاظ على مصالح الدول المحتلة، ولم يستطع المغرب الخروج من هذه الحالة، بل نجدها تتعمق يوما بعد يوم مع فشل معظم مشاريع الإصلاح التي تلتهم القروض دون نتائج، وذلك لكون بعض الإصلاحات تتعارض مع مصالح القوى الاقتصادية العالمية والمؤسسات المالية الدولية، خصوصا وأن المغرب يعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي والقروض، ما يجعله مقيدًا بسياسات خارجية لا تخدم الإصلاحات العميقة، حيث تُفرض عليه سياسات نيوليبرالية تخدم الشركات الكبرى أكثر من التنمية المحلية، وهذا يذكرنا بالاقتراضات التي عرفها المغرب في مطلع القرن العشرين (1902-1904)، والتي كان لها دور حاسم في دخول المغرب تحت الحماية الفرنسية التي لا نزال نعيش تحت آثارها.

ويضاف إلى هذه العوامل المانعة من نجاح كل إصلاح:

أ- هشاشة النظام التعليمي.

ب- ضعف الوعي السياسي.

ج- الإعلام الرسمي والموجه الذي يمعن في تضليل الرأي العام، مفضلا توجيه النقاشات بعيدا عن قضايا الفساد إرضاء للمستفيدين منه.

د- التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، والتي عرفت حدة كبيرة حيث اتسعت الطبقة الفقيرة وازداد بؤسها وعدم ثقتها في جدوى الإصلاحات العمومية برمتها، فلا ترى سوى الإحباط والتذمر واليأس، خصوصا مع استمرار ارتفاع معدل البطالة والذي حدده صندوق النقد الدولي مؤخرا في 13 بالمائة.

ومع كل هذه القتامة، قد نرى في المغرب في قابل الأيام تقدما ملحوظا بالعين المجردة، لكن دون أن ينعكس ذلك التقدم على مستوى معيشة المغاربة البسطاء، حيث سيكون قاصرا على المنخرطين في شبكة العلاقات الخادمة لطبقة الكبار ممن يزاوج بين السلطة والمال.

وقد نرى رفاهية ونموا اقتصاديا دون أن ينعم بهما البسطاء، فإذا رأينا هذا فإننا سنكون قد مرحلة زمن الفقر والهشاشة، لنلج زمن العبودية تحت ظل الاتفاقات الإبراهيمية، والاحتلال الصهيوني تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير.

وما يجري من ترحيل وإبادة لأهلنا في غزة، وهذه الهجرة العكسية “للمكون العبري” من الكيان الصهيوني إلى المغرب هي بداية الجزء الأخير من المرحلة التي عشناها بعد نهاية الحرب الباردة.

فهل سنكون دولة وشعبا في مستوى هذه التحديات ونخرج من هذا الوضع الخطير؟

أم سندخل النظام الدولي الجديد الذي يتأسس الآن رويدا رويدا، ونحن على حالنا زغبٌ في أذيال الوحوش الكبار؟؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
15°
18°
الإثنين
18°
الثلاثاء
22°
الأربعاء
22°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M