الفنانون والتدين… ليسوا سواءً…!!

28 يناير 2023 21:19

هوية بريس – نور الدين درواش

محزن جدا، أن نرى المطربين والمغنين والفنانين المسلمين يخطؤون الطريق عندما يشعر الواحد منهم بحاجته الفطرية إلى ربه والعودة إليه ووصله والقرب منه، مما لا يستغني عنه ذو فطرة سوية.

فعوض أن يتوب إلى الله ويقطع مع الماضي ويتبرأ مما أنتجه مما يخالف الشرع، ويفسد الناس ويفتنهم ويشق طريقا جديدا للسلوك إلى الله والسير إليه على طريق العبودية والاستقامة؛ تجده يكتفي بشيء لا يدل على صدق التوبة ولا يغير حياته فيكتفي بعمرة لبيت الله الحرام -وهي ولا شك خير- لكن الذي يكدرها هو العزم على العودة لنشاطه (الفني) المعتاد بعدها.

وبعضهم يعمد في الحال التي ذكرتُ إلى إنتاج أغنية (دينية) كأغنية “القلب يعشق كل جميل” أو “شفيعنا الهادي” أو “يا قاطعين الجبال” أو “أنا ديني دين الله” أو “يا عاشقين سيدي رسول الله”..

وهذه الأغاني؛ بالإضافة لما فيها من المخالفة المرتبطة بحكم المعازف والغناء؛ لا تخلو في الغالب من مخالفات في المضمون والمعنى، بل كثير منها يحتوي على الشرك بالله عز وجل في الاستغاثة بغيره أو دعاء القبور أو طلب المدد من الأموات…. مما يرفع من جريرة الفعل من مجرد معصية إلى أمر عظيم، قال الله عز وجل فيه: ﴿اِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِۦۖ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَّشَآءُۖ وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ اِ۪فْتَر۪يٰٓ إِثْماً عَظِيماًۖ﴾ [النساء:47].

ومما يزيد في تغليط هؤلاء الفنانين وتضليلهم؛ كثير من دعاة الباطل وعلماء السوء الذين يسوغون لهم الانحراف الكامن في الإنتاجات الفنية الغنائية والمسرحية والسينمائية… ويشيعون فيهم مثلا قول من أجاز الغناء والمعازف من بعض العلماء الذين شذوا عن جمهور العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم…

فهل من أخطأ فأجاز الغناء بالمعازف من علمائنا كابن حزم رحمه الله؛ خطر بباله أن يجيز غناء اليوم المليء بالسفور والعري والتغني بالعشق المحرم والإيحاءات الجنسية والدعوة للفاحشة والرذيلة والخيانة…

لقد صرح غير واحد من العلماء بالإجماع على تحريم الموسيقى؛ قال ابن الحاج المالكي: “وقد نقل ابن الصلاح رحمه الله تعالى أن الإجماع منعقد على أن آلات الطرب إذا اجتمعت فهي محرمة” [المدخل (2/2) ويراجع للمزيد رسالة (حكم الغناء في مذهب المالكية للشيخ مصطفى باحو)].

فعلى الفنان أن يستشعر أنه ليس شخصا عاديا، وأن معصيته ليست معصية لازمة له لا تجاوزه كما هو الشأن بالنسبة لعموم العصاة، بل هي معصية متعدية تتجاوزه لكل من توصل بها واستهلكها وافتتن بها وهنا مكن الخطر.

قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوٓاْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةٗ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِ وَمِنَ اَوْز۪ارِ اِ۬لذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍۖ اَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَۖ ﴾ [النحل:25].

وفي صحيح مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ). 

فيخشى على الفنانين والكُّتاب والمفكرين ومنشطي البرامج وصانعي المحتوى؛ ممن لا يراقبون الله في إنتاجهم ومضمونه ومحتواه أن يأتوا يوم القيامة متحملين بأوزار الملايين بل الملايير ممن تبعهم على باطلهم وافتتن بفسادهم.

ومع ذلك فهذا لا يمنعني من أن أقول كلمة حق للعدل حتى مع المخالف والعاصي:

إن هؤلاء المغنين والمطربين والممثلين ليسوا على درجة واحدة. وليس من العدل حشرهم في سلة واحدة وإطلاق حكم واحد عليهم، فهم فوق غنائهم وموسيقاهم وتمثيلهم مع ما في ذلك من المخالفات والمعاصي؛ نجد منهم الذي يحافظ على شعائر دينه وقراءته للقرآن وغيرته على الشريعة، واحترامه لقيم الإسلام وعقيدته ولا تجده يعادي حكما شرعيا أبدا وإن تلبس بما يخالفه من المعصية ولوازمها، بل منهم من إذا ذكِّر بالله أو تليت عليه آياته اغرورقت عيناه تأثرا بما سمع.

فهؤلاء لا يستوون مع من لا يستحيي من إظهار معاداته للإسلام من أصله ومخالفته لتشريعاته واستهزائه بالقرآن وأهله والسنة وأصحابها والعلماء والتدين والمتدينين… بل لا يمتنعون من الإنتاجات الطاعنة في الإسلام والمحاربة لقيمه، وفوق كل ذلك تجدهم في كل خرجة إعلامية يعبرون عن لادينيتهم وعلمانيتهم، بل عن تجندهم المستمر خلف المخطط الإفسادي للمجتمع في عقيدته وأخلاقه وسلوكاته…

فالصنف الأول يُتلطف معه ويدعى للخير بالتي هي أحسن، ويشجع على المعروف وينفر من المنكر، ويجتهد الجميع كل حسب طاقته وإمكاناته في دعوته للقطع مع طريق الشر والسوء، وسلوك طريق الصلاح والهداية، أسوة بالصالحين من الفنانين التائبين، مع سؤال الله لهم الهداية والتوفيق لما فيه خير لهم في الدنيا والآخرة.

والقسم الثاني تُكشف للناس حقيقته ويُبين انحراف فكره وفساد معتقده وحقده على الإسلام وحربه لشريعته… حتى يمقت الناس فكره مقتا فوق مقت المعصية ويحذروه أكثر من مجرد الحذر من الغناء والموسيقى والسينما والمسرح… لأنه فاسد مفسد لا للأخلاق فحسب؛ وإنما للعقيدة والإيمان والقيم، بل منهم من يتبنى الأفكار الإلحادية والمرجعيات اللادينية، ويناصر الحرب على الفطرة بدعمه لحقوق الشواذ والمنحرفين وغير ذلك.

والله الهادي إلى سواء السبيل..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M