الكتابة في زمن العبث والهذيان

05 يونيو 2025 10:02

هوية بريس – د. عمر لشكر

يحدث لي مرارا أن أراجع نفسي في قضية الإصرار على الكتابة حتى في زمن العبث .

فلماذا هذا الإصرار ؟

ولم الكتابة في زمن التيه واكتابةلعبث ؟

ربما أكتب لأنني لا أعرف غير الكتابة لتجلية ذاكرتي من الصدأ ، أو لوقاية عقلي من الوقوع في الجنون ، وصرفه عن التفكير المجنون في قضايا وأمور زمن العبث .

جماهير زمن العبث والتيه لا تقرأ .

ولم يعد لها سبب ما للوجود خارج العبث .

ومن يكتب ضد العبث ، ربما سيكررأسطورة سيزيف، تلك الأسطورة الإغريقية القديمة التي تحكي عن عبث سيزيف لما شملته لعنةزايوس “.

في زمن التيه والعبث :

إياكم وصحيح المنقول ،

وإياكم وصريح المعقول،

فإن ظواهر وأشياء  زمن العبث  لا تستمد جاذبيتها وقوتها إلا من لا معقوليتها، ومن لا جديتها ، ومن لامنطقيتها

كل معقول في هذا الزمن معلول ،

وكل عاقل فيه مهبول ،

أشياء هذا الزمن عنيدة جبارة ، لا يصمد لريحها إلا قلة من أصحاب المروءة والإرادة والهمم الوقادة .

جماهير هذا العصر تصرخ بأعلى صوتها :

نحن جماهير من نوع غير مألوف ، ومن جنس غير معروف .

فدعنا من القواطع العقلية ،

ودعنا من الإفادات والإرشادات والإنشادات الحكيمة .

نحن لا نحب الحكمة ولا نريدها .

ولا نتحمل المعقولات ولا نستسيغها .

ولا نقرأ ، ولا نفكر ، ولا نتأمل ، ولا نكتب .

هات ما عندك من أخبار الشطح والردح وهز الأكتاف والبطون ودق البنادير والطبول

هات ما عندك منالفرجة، ومن اللهو والإثارة .

نحن في زمن التيه والعبث :

دعنا من عاقل وعقل ومعقول، وناقل ونقل صحيح ومنقول ، ومتعنا بأخبار عاشق وعشق ومعشوق،  ولذيذ ولذة وملتذ

لا نريد شعرا ولا أدبا ، ولا حكمة ولا فلسفة ، ولا علما ولا بحثا ولا تحليلا ولا تجربة

نحن أهل الوهم وأهل التخييل،

وأهل التجهيل والتبديل والتضليل ،

وأهل التزييف والتحويل والتزوير.

قولوا عنا ما شئتم،  لن تغيروا فينا شيئا مهما اجتهدتم ، نحن أغلبية وأنتم قلة ، نحن أولو بأس شديد وقوة ، نحن هكذا وموتوا بغيظكم

نترك ما هو عظيم الشأن والمنفعة ، لما هو عظيم اللذة في اللحظة ،

وأين المشكل؟

نسير مع العصر وما يريد .

ونتيه في الغواية ونزيد .

قطعنا مع المفيد النافع كل وصال .

وسرنا مع زبد الحياة إلى حيث نجهل النهاية ونقطة الوصول .

دعونا وجنون العصر ففيه متعة لا تقاوم .

دعونا والغواية .

دعونا للتفاهة ففيها لذة الجسم والبدن .

وهل نحن إلا جسم وبدن !

أيتها الجماهير التابعة،  الضالة، التافهة ، المخدرة ، المستنفرة :

إن اللحظة عابرة والزمان ممتد .

والحال حال لا يرفع المآل.

والآفل آفل لا يدوم .

والظن ظن لا يرفع اليقين .

وصناديد الضلال والتضليل والتجهيل تقودكم إلى الضياع والهلاك  كالبعير .

طواغيت لها صوت مسموع تجركم إلى الظلمات جرا ، لا ترقب فيكم إلا ولا ذمة .

انتبهوا أيها الناس ، فكلام الطواغيت معسول ، وأبواقها تخرق أسوار العقول ، وقدرتها على التزوير والتحريف والتبديل تفوق قدرة الشياطين .

فيقوا أيها الناس ما دام ذالك ممكنا .

فيقوا من غفلتكم .

فكروا وتعقلوا واعتبروا.

فليس علما كل ما صبغ بلون العلم .

وليس عسلا كل ما جعل في القنن.

وليس دواء شافيا كل ما وصف لكم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
19°
24°
أحد
25°
الإثنين
22°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M