الكتاتيب القرآنية بين “مطالب الإنصاف” وتحديات “المذكرة الوزارية”

09 يونيو 2025 19:10

 هوية بريس – متابعات

رغم الجهود الجبارة التي تبذلها الكتاتيب القرآنية في المغرب منذ عقود، تفاجأ القائمون عليها بتاريخ 18 يونيو 2024 بتوصلهم بمذكرة وزارية وُصفت بالتعسفية، تدعوهم إلى تسوية وضعيتهم القانونية داخل أجل لا يتجاوز شهراً، عبر التخلي عن تراخيصهم القانونية القديمة المستندة إلى ظهير شريف وتعويضها بإذن مؤقت قابل للتجديد كل ثلاث سنوات.

وقد خلّف هذا القرار استياء عارما في أوساط المشرفين على هذه المؤسسات، معتبرين أن هذا الإجراء لا يراعي خصوصية الكتاتيب ولا الدور المحوري الذي تلعبه في ترسيخ الثوابت الدينية والوطنية.

ما زاد من حدة الرفض، هو غياب أي تواصل أو حوار مسبق مع الفاعلين في القطاع قبل صدور المذكرة. فالقائمون على الكتاتيب يؤكدون أن الجهات المعنية لم تبادر إلى عقد لقاءات تشاورية أو فتح قنوات حوار بنّاء رغم الطلبات المتكررة، ما اعتبروه مؤشراً على تجاهل ميداني واضح لواقعهم واحتياجاتهم الفعلية. هذا التجاهل رافقه ضعف كبير في الدعم المالي، إذ لا تتجاوز قيمة المساعدات التي يحصل عليها عدد محدود جداً من الكتاتيب سوى 1000 درهم، بينما تغيب أي برامج دعم عمومية شاملة أو مستدامة لبقية المؤسسات.

هذا وترى الكتاتيب أن سحب التراخيص القانونية وتعويضها بإذن إداري مؤقت هو مسّ باستقرارها وشرعيتها، ويؤدي إلى إضعافها أمام السلطات التقديرية ويهدد استمراريتها، خاصة وأن كثيرا من المشرفين ليست لهم خبرة في تسيير الجمعيات أو التعامل مع مساطرها المعقدة، الأمر الذي قد يُدخل هذه المؤسسات في دوامة من النزاعات والتعطيل بدل التركيز على أداء رسالتها التربوية والدينية.

كما تفاجأ العاملون في القطاع بكثرة الشروط والوثائق المطلوبة في الترخيص الجديد، دون أن تواكبها أي مساعدة في تأهيل أو تجهيز هذه الفضاءات، التي تعتمد في الغالب على تمويلات إحسانية محدودة.

في ضوء هذا الوضع، رفع القائمون على الكتاتيب القرآنية مجموعة من المطالب التي يعتبرونها ضرورية للحفاظ على دورهم المجتمعي والروحي. في مقدمة هذه المطالب: الإبقاء على صيغة الرخصة القديمة المستندة إلى ظهير شريف، لما تمثله من حماية قانونية وتقدير رمزي. كما دعوا إلى توسيع الدعم المادي ليشمل جميع الكتاتيب دون استثناء، ورفع قيمته بما يراعي الجهود المبذولة وظروف التسيير الصعبة. وطالبوا بتبسيط المساطر الإدارية المرتبطة بالتراخيص، والإسراع في تسوية الملفات العالقة، مع تقديم تبريرات واضحة في حالة التأخير أو الرفض.

ومن بين المطالب الأساسية أيضاً، إطلاق مشروع إعلامي رسمي تتبناه الوزارة الوصية يسلط الضوء على الجهود التي يبذلها القائمون على الكتاتيب في خدمة الهوية الدينية والوطنية، وتعزيز صورة هذه المؤسسات باعتبارها جزءا أصيلا من النسيج الثقافي والاجتماعي المغربي. فالقائمون على الكتاتيب لا يعارضون تطوير القطاع أو تجويده، بل يؤكدون انخراطهم الكامل في أي إصلاح حقيقي، شريطة أن يتم وفق منطق تشاركي داعم، وليس عبر إجراءات مفاجئة ومعيقة.

وفي ظل غياب أي توضيحات رسمية من الجهات المعنية بشأن مبررات هذه المذكرة، تتصاعد الأسئلة حول الجهة المستفيدة من هذا التحول، وحول مدى توافقه مع التوجيهات الملكية السامية التي طالما دعت إلى دعم التعليم الديني وتحفيز القائمين عليه. ويبقى الأمل قائماً في أن تُصغي الجهات الوصية لصوت العاملين في القطاع، وأن تتعامل مع الكتاتيب القرآنية باعتبارها ركيزة أساسية في الأمن الروحي للمملكة، لا مجرد فضاءات يمكن إخضاعها لمنطق إداري صرف.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
19°
24°
أحد
25°
الإثنين
22°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M