الكنبوري*: انتهى جيل الحركة الوطنية الذي كان متشبعا بالقيم الدينية والوطنية وجزء من الطبقة السياسية أصبح يدور حول مرجعيات أيديولوجية متباينة

08 ديسمبر 2019 17:41
إدريس الكنبوري يطرح تساؤلات حول "التعديل الحكومي" والعلاقة بين مطلب الكفاءات ومطلب التقليص العددي؟

هوية بريس – حاوره: نبيل غزال

-علاقة بموضوع التغييرات والتعديلات المقترحة من طرف بعض الأحزاب على القانون الجنائي المغربي، هل هناك مرجعية تأصيلية قيمية تنسجم مع تاريخ المغرب وهويته تضبط هذه المقترحات؛ أم أن الأمر خلاف ذلك؟

من الناحية النظرية هناك مرجعية مستقرة وهي أن المغرب بلد إسلامي مجتمعا ودولة، وقد ظلت هذه المرجعية دائما محفوظة من أعلى هرم الدولة، لأن مؤسسة إمارة المؤمنين هي الضامن من الناحية المؤسسية لهذا الاستمرار، والملك دستوريا حامي الملة والدين، أي مسؤول عن توفير الحماية للقيم الدينية.

ولكن الذي حصل أن جزء من الطبقة السياسية في المغرب في العقود الأخيرة أصبح يدور حول قيم مختلفة انطلاقا من مرجعيات أيديولوجية متباينة. يمكن القول إنه منذ السبعينات انتهى جيل الحركة الوطنية الذي كان متشبعا بالقيم الدينية والوطنية الكبرى ووقع الانحراف عن هذا المسار.

والمقترحات التي تقدم سواء في ما يخص القانون الجنائي أو غيره تدخل في هذا السياق. قد يفهم أن تأتي مثل هذه المقترحات من هيئات مدنية، لكن أن تأتي من نواب في البرلمان فهذا يطرح إشكالية العلاقة بين التمثيلية السياسية والهوية الثقافية والدينية.

نحن نعرف أن الانتخابات في المغرب لا تتم على أساس برنامجي لأن الناخبين لا يصوتون على البرامج بل على الأشخاص  أو الأحزاب عموما، وهذا يعني أن المنتخب يصل إلى البرلمان بدون تعاقد صريح مع القاعدة الناخبة فيتحول الأمر إلى تلاعب بذلك التعاقد غير المصرح به.

– كيف يمكن تفسير تناقض المرجعية في الدستور المغربي، فتارة هو يعلي من إسلامية الدولة، ويبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة في الهوية الإسلامية، ويؤكد أن المراجعات لا يمكن أن تمس الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، ومرات أخرى يجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية.

هذا التناقض بين التنصيص الدستوري على المرجعية وبين الواقع حاصل في جميع البلدان العربية والإسلامية. فنحن نعيش حقبة ما بعد الدولة الوطنية المستقلة، والدول لم تعد تحكم نفسها بنفسها بشكل تلقائي، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات استفحل الأمر أكثر وأصبحت هذه البلدان الضعيفة عارية أمام القوة الرأسمالية الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

واليوم جزء كبير من القرارات الداخلية في هذه البلدان يتخذ داخل المنظمات الدولية. خذ مثلا ملف الصحراء المغربية، فهذا الملف في يد الأمم المتحدة وليس لدى المغرب هامش كبير للمناورة فيه، إنه قضية وطنية ولكن ملفها بيد منظمة فوق وطنية.

خذ القرارات الاقتصادية الكبرى في هذه البلدان، كلها تتخذ داخل اجتماعات ضيقة لصندوق النقد الدولي. الدواء تتحكم فيه منظمة الصحة العالمية.

فخياراتك كلها تقريبا بيد جهات خارج الدولة. وكما أن هناك منظمات للتوجيه والتحكم في أمور كهذه هناك منظمات للتوجيه والتحكم في مسائل القيم والثقافة والتربية. نعم هناك هامش للدولة الوطنية لكنه هامش ضيق.

وأحيانا تلجأ هذه الدول إلى توظيف هذا الهامش لصالحها وأحيانا تفشل. مثلا بعض الدول تصادق على مواثيق دولية لكنها تتحفظ على بعض بنودها، وتستغل منظمات وأحزاب داخلية هذا التحفظ وتحاول الضغط لرفعه وإحراج الدولة، وأحيانا تصادق على جميع البنود لكنها تجمد التطبيق.

-البرلمانيون الذين يتقدمون بمقترحات قانون تمس أمورا محسوما فيها في المذهب المالكي والشريعة الإسلامية عموما، هل يراعون في مقترحاتهم مرجعية إسلامية الدولة، أم أنهم يكتفون فقط بما تأثروا به من أفكار ومناهج، وما يفرضه الغرب في مجال حقوق الإنسان عبر مؤسساته المختلفة؟

غالبية من يتجهون هذا الاتجاه ليس لديهم اهتمام بما يسمى المرجعية الإسلامية للدولة، فهم يعتبرون أن هناك مرجعية أكبر هي ما يسمونه المرجعية الكونية، وهذا التعبير ليس معنى خارج المنظمات الدولية التي تتكون نواتها الصلبة من الأوروبيين وتتركز مقراتها في أوروبا، فهي إذن ليست كونية بل أوروبية، كما أنه لا معنى له أيضا، لأن الكون أو العالم يتشكل من أديان وثقافات وتقاليد مختلفة، والقول بتوحيد المرجعية في هذا الوضع يعني شيئا من اثنين، إما اتفاق الجميع على ما هو مشترك بحيث يجد كل طرف نفسه في تلك المرجعية، وهذا غير حاصل، وإما أن يتنازل كل طرف عن مرجعيته لفائدة مرجعية واحدة وهذا ما هو موجود.

لكن بالنسبة للمرجعية الإسلامية أو الشريعة كما تقول فهناك اليوم أسلوب جديد مبتكر وهو القول بأن هذه المرجعية واسعة وتقبل الاختلافات، بحيث أصبح البعض يبحث عن حالات الشذوذ النادرة في الإسلام لكي يدخل منها إلى ما يريد، فأسلوب الصراع تطور لأن الاستعمار الأوروبي تعلم أشياء كثيرة من خلال تجربته الواسعة مع العالم العربي والإسلامي.

ــــــــــــــــــــــــ

* د.إدريس الكنبوري: محلل سياسي وباحث في قضايا العنف والتطرف والفكر الإسلامي

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M