اللغة الوطنية.. الضحية الوحيدة لزلزال بريكشة!

11 فبراير 2025 22:24

هوية بريس – علي حنين

في سياق يفرض على الدولة تعزيز التواصل مع مواطنيها بلغة يفهمونها، أصدر المعهد الوطني للجيوفيزياء تقريرًا حول الزلزال الذي ضرب منطقة القصر الكبير بقوة 5.4 درجات على سلم ريختر، إلا أن اللافت للانتباه هو أن التقرير جاء حصريًا باللغة الفرنسية، متجاهلًا اللغتين الرسميتين للمملكة: العربية والأمازيغية.



هذه الواقعة تثير جدلًا متجددًا حول أولوية اللغات الوطنية في التواصل الرسمي، وتأثيرها على حق المواطن في الوصول إلى المعلومات.

  • البعد الدستوري والقانوني

ينص دستور المملكة في فصله الخامس بوضوح على أن العربية والأمازيغية هما اللغتان الرسميتان للدولة، مع التزامها بحمايتهما وتطويرهما.

ورغم ذلك، ما تزال العديد من المؤسسات الوطنية تصدر تقاريرها ومراسلاتها الإدارية باللغة الفرنسية، في تجاوز واضح لهذا الفصل الدستوري.

إن إصدار تقرير عن زلزال بلغة أجنبية يحرم فئات واسعة من المواطنين من فهم تفاصيل الحدث وخطورته، مما يطرح تساؤلات حول مدى احترام هذه المؤسسات لروح الدستور ومقتضياته.

  • التداعيات الاجتماعية والثقافية

من الناحية الاجتماعية، يكرس استمرار استخدام الفرنسية في التقارير الرسمية واقعًا لغويًا غير متكافئ، حيث يشعر المواطن العادي المعتز بعراقته وأصالته بأن هناك نظرة تبخيسية للغة التي يفهمها باعتبارها لغة عاجزة عن إبلاغ المعلومات الأساسية لعامة الشعب، وأن اللغة الوحيدة القادرة على ذلك هي لغة المستعمر الفرنسي!

إن اللغات الوطنية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي جزء أصيل عريق من الهوية الثقافية للمغاربة، وإهمالها في مثل هذه الوثائق الرسمية يعطي انطباعًا بأن الفرنسية هي لغة الدولة الفعلية، مما يعمق الفجوة بين المؤسسات والمواطنين.

  • البعد العملي وحق الوصول إلى المعلومات

إن اعتماد الفرنسية في التقارير ذات الأهمية الكبرى، مثل الزلازل والكوارث الطبيعية، قد يحرم شرائح واسعة من المواطنين من فهم الإجراءات الوقائية المطلوبة أو تقدير حجم الخطر..

فكيف لمواطن بسيط في القرى والمناطق الهشة، الذي لم يتلقَّ تعليمه بالفرنسية، أن يفهم مضامين تقرير يصدر بلغة أجنبية؟

أليس من واجب الدولة ضمان إيصال المعلومات الحساسة بلغات يفهمها عامة الشعب، بدل حصرها في لغة لا يكاد يفهما سوى نخبة مستلبة لم تجد ما تنفخ بها ذاتها الفارغة سوى الرطانة بلغة “المستعمر”؟!

  • مقارنات دولية وتجارب سابقة

في أغلب الدول حول العالم، تحرص المؤسسات الرسمية على إصدار بياناتها باللغات الوطنية، حتى في البلدان التي تعتمد أكثر من لغة رسمية.

في تركيا، تصدر جميع التقارير الحكومية بالتركية أولًا، مع إمكانية ترجمتها إلى لغات أخرى عند الحاجة.

وفي الجارة الشمالية إسبانيا، تحترم الحكومة التنوع اللغوي من خلال إصدار بياناتها باللغة الإسبانية، مع توفير نسخ بلغات محلية أخرى كالكتالونية والباسكية.

أما في المغرب، فرغم وجود خطاب رسمي يؤكد تعزيز اللغات الوطنية، إلا أن الممارسة الإدارية لا تزال متأخرة جدا في هذا المجال.

  • الحلول والتوصيات

لمعالجة هذا الخلل، يتعين على المؤسسات الرسمية، بما في ذلك المعهد الوطني للجيوفيزياء، تبني نهج يراعي اللغات الرسمية للدولة. ويمكن تحقيق ذلك عبر:

  • إلزام جميع المؤسسات بإصدار تقاريرها الأساسية بالعربية والأمازيغية، مع إتاحة الترجمة إلى الفرنسية أو الإنجليزية عند الحاجة.

  • تفعيل الرقابة القانونية لضمان احترام الدستور فيما يتعلق باستخدام اللغات الوطنية.

  • أمر لا بد من التنويه به

رغم الملاحظات حول لغة التقرير، لا يمكن إغفال الجهود التي بذلها مدير المعهد الوطني للجيوفيزياء، ناصر جبور، في إطلاع المواطنين حول كل ما يتعلق بالزلزال.

فقد أبان عن انفتاح كبير على مختلف المنابر الإعلامية حتى المحلي منها أحيانا، مما ساعد في نشر المعلومات الضرورية حول الزلزال وطمأنة المواطنين.

هذا النهج التواصلي الإيجابي ينبغي أن يكون مقترنًا باحترام اللغات الرسمية للدولة حتى فيما يصدر عن هذه المؤسسات من وثائق رسمية.

  • ختامًا: الهوية اللغوية ضرورة وليست خيارًا

إن تعزيز مكانة اللغتين العربية والأمازيغية في المؤسسات الرسمية ليس مجرد مسألة شكلية، بل هو جزء من سيادة الدولة وهويتها.

إن تجاهل هذا الأمر يكرس واقعًا لغويًا غير عادل، حيث تبقى الفرنسية لغة النخبة والإدارة، بينما تبقى اللغات الوطنية حبيسة الخطابات السياسية.

من هنا، فإن المطلوب ليس مجرد الاعتراف الدستوري بالعربية والأمازيغية، بل تفعيلهما على أرض الواقع، وجعل المعطيات الرسمية في متناول الجميع، دون أي تمييز لغوي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
15°
15°
الإثنين
15°
الثلاثاء
17°
الأربعاء
17°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M