المحرمات بالمغرب.. بين إسلامية الدولة في الدستور وانتعاشها في الواقع

هوية بريس – عبد الصمد إيشن
نص الدستور المغربي في الفصل الأول والثالث بشكل صريح على أن الإسلام دين الدولة، وأن الأمة المغربية تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
وفي مقابل هذا التنصيص الدستوري على مركزية الإسلام في النظام السياسي المغربي، نجد تناقضات شتى تعكر هذا التنصيص، وضمنها “التساهل” في بعض المحرمات كالربا والخمور والقمار والدعارة. ما يثير حفيظة المواطنين وعدد من الفعاليات المدنية والدعوية والسياسية.
ولكن ما يثير استياء هذه الفعاليات بشكل أكبر “شبه الاعتراف” الذي نجده في حالات الخمور والقمار والربا، لأن الميزانية العامة تنتعش بمداخيل هذه الأنشطة المحرمة شرعا وقانونا. وهو ما يدفعهم لمطالبة السلطات بتفعيل القانون ومحاربة هذه الأنشطة التي تخرب المجتمع وتهدم الأسر.
بيع واستهلاك الخمور في المغربّ
نسجل في حالة الخمور بالمغرب أن القانون الصادر عام 1967 يمنع عملية بيع “المشروبات الكحولية” بالمغرب، إذ يشترط الحصول على رخصة خاصة لكل من يرغب بذلك، ويمنع هذا القانون على التجار بيع هذه الخمور إلى المسلمين المغاربة، ويضع عقوبات حسبية لكل من خالف ذلك قد تصل إلى ستة أشهر.
لكن في المقابل نشرت وكالة رويترز الإخبارية تقريرا أفادت فيه بأن الاستهلاك السنوي للخمور في المغرب يصل إلى نحو 131 مليون لتر من الجعة و38 مليون زجاجة من النبيذ الأحمر والأبيض ونصف مليون زجاجة ويسكي و140 ألف زجاجة شمبانيا مستوردة. وساهم استهلاك المغاربة للخمور في ضخ مداخيل ضريبية مهمة تجاوزت 2 مليار درهم في خزينة الدولة خلال العام 2022، بشكل تجاوز توقعات الحكومة.
نعم في بعض الحالات نجد تدخلا صارما من السلطات، مثل قرار منع تنظيم مهرجان لشرب الجعة في الدار البيضاء، الذي أرادت تنظيمه إحدى كبريات شركات الخمور المغربية. وقرارات مماثلة برفض منح رخص بيع الخمور في عدد من المدن. لكن هذا لا يمنع من تسجيل التساهل الذي نجده في الحانات التي تفتح للمغاربة أيضا.
وحسب متابعين لا تتدخل السلطات الأمنية في بعض الأحيان تجاه استهلاك الخمور إلا إذا تفاقم الوضع وأصبح سكرا علنيا بالشارع العام.
وعن هذا الموضوع قال القيادي في العدالة والتنمية، خالد الرحموني، “الاقتصاد المغربي غني بالكثير من الموارد التي تثري انتاجيته، وليس قاصرا أبدا على المواد المحرّمة”. مؤكدا “أنه لا يمكن سّن قانون يخالف أسس الدولة، وأن حزبه مقتنع تمامًا بضرورة الإبقاء على منع استهلاك المغاربة المسلمين للخمور، مستطردًا أن سلوك المغاربة لا يجب أن يعالج فقط بالنص القانوني، بل هناك التوجيه الاجتماعي ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، وأن الإكراه لا يجب أن يكون وسيلة لضبط مثل هذه السلوكيات”.
انتشار وتوسع معاملات القمار
ظاهرة القمار كذلك، تبرز هذا التناقض في إسلامية الدولة المنصوص عليها دستوريا. في السنوات الأخيرة يشهد المغرب انتشارًا ملحوظًا لظاهرة القمار والرهانات بين مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك الشباب، القاصرين، الفتيات، وحتى الشيوخ. هذه الظاهرة تتوسع بسرعة في كل من المناطق الحضرية والريفية، وعبر الهواتف الذكية، مما يثير قلقًا متزايدًا بشأن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه المشكلة.
الهواتف الذكية أصبحت الوسيلة الأكثر شيوعًا للوصول إلى مواقع القمار والرهانات عبر الإنترنت. التطبيقات والمواقع المتخصصة في الرهانات الرياضية، الكازينوهات الافتراضية، وألعاب الحظ أصبحت متاحة بسهولة، ما يسهل الوصول إليها من قبل الجميع، بما في ذلك القاصرين الذين غالبًا ما يقعون ضحية لإغراءات الربح السريع.
ويعد الشباب والقاصرون الأكثر عرضة لخطر الانخراط في القمار والرهانات. الدراسات تشير إلى أن هذه الفئات تستجيب بسرعة للإعلانات الترويجية والعروض المغرية التي تستهدفهم مباشرة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. نتيجة لذلك، يتعرض هؤلاء لخطر فقدان المال، الإدمان على القمار، والتأثيرات النفسية السلبية مثل القلق والاكتئاب.
الرهانات والقمار لم تعد مقتصرة على المدن الكبرى فقط، بل امتدت إلى البوادي والمناطق الريفية أيضًا. التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت حتى في المناطق النائية سهل وصول هذه الظاهرة إلى القرى الصغيرة. في المناطق الريفية، يلعب التقليد الاجتماعي والفراغ دورًا كبيرًا في انجراف الشباب نحو هذه الأنشطة.
وانتشار القمار والرهانات له آثار سلبية متعددة على المجتمع المغربي. من الناحية الاجتماعية، يؤدي الإدمان على القمار إلى تزايد حالات الطلاق، التفكك الأسري، والعنف المنزلي. اقتصاديًا، يؤدي إلى تدهور الوضع المالي للأفراد، مما يزيد من معدلات الفقر والديون.
لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية، من الضروري اتخاذ إجراءات متعددة المستويات. يجب على الحكومة المغربية تشديد الرقابة على مواقع القمار والرهانات، وفرض قوانين صارمة تحظر مشاركة القاصرين. كما يجب تعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر القمار من خلال حملات إعلامية وتثقيفية.
البنوك الربوية
أما البنوك الربوية والتعامل بالربا، فهي أحد الظواهر التي تضع المغاربة في حرج كبير مع الدين الإسلامي الحنيف. فمسألة الرّبا حَسم فيها القرآن بنصّ صريح، والشريعة الإسلامية تُحرّمُ أخْذَ فائدة عن القرض؛ لكنّها تُبيح شراء سلعة وإعادة بيعها مقابل ربْح. إلا أن المغرب عرف تقدما صغيرا في هذا الاتجاه بعد السماح للبنوك التشاركية بفتح فروع لها بمدن المملكة لإتاحة الفرصة لمن يرغب في تغيير تعامله مع البنوك التقليدية.
وحسب دراسة أجراها كلٌّ من المعهد الإسلامي للبحث والتكوين، ومكتب استشارات وشركة الاستشارات الدولية الرائدة في التمويل الإسلامي، فإن أغلبيَّة المغاربة لا زالُوا ينظرُون إلى التعاملِ مع البنوكِ التقليديَّة أمرًا حرامًا، والحماسُ في نفوسِ الكثيرين منهم إلى الشروع في التعاطي مع مؤسسات إسلاميَّة، يفوقُ نظيرهُ لدَى المؤسسات الماليَّة في المملكة.
وحينَ سئل المستجوبون المغاربة حولَ ما إذَا كانُوا يعلمُون شيئًا عنْ مدَى استجابة المنتوجات البنكيَّة الحاليَّة للشريعة الإسلاميَّة، أجاب 85 بالمائة منهم بالقول إنهمْ لا يعرفُون شيئًا، فيمَا جزمَ 85 بالمائة منهم، بكون الفائدة حرامًا، والأكثر من ذلك، أنَّ عدم الرضَا عن البنوك لا يشملُ منْ لا يتعاملُون معها فقط، حيثُ إنَّ 64 في المائة من زبنائها قالُوا إنهُم منزعجُون من اللجوء إلى خدمات ماليَّة متعارضَة في نظرهم مع الشريعة الإسلاميَّة.
وعن تجربة البنوك التشاركية يؤكد عبد السلام بلاجي، رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي بأنها “لم تعرف فشلا، بل بالعكس شهدت إقبالا متزايدا، وهي عاجزة عن تلبية هذا الإقبال، وربما هذا هو السبب الذي يدفع البعض إلى القول إن هذه البنوك لم تحقق ما كان متوقعا منها. لقد استطاعت البنوك التشاركية أن تستحوذ في ظرف سنة واحدة فقط على حصة 10 في المائة من السوق العقارية، وهذا معناه أنها قادرة على أن تستحوذ على 50 في المائة من السوق في خمس سنوات إذا توفرت السيولة”.
كما أشار بلاجي أيضا إلى مسألة مهمة، وهي أن عدد فروع البنوك التشاركية في المغرب لا يتعدى 150 فرعا (وكالة)، بينما البنوك التقليدية لديها 6300 فرع، إضافة إلى أن هذه الأخيرة موجودة في السوق منذ مائة عام، بينما البنوك التشاركية لا يتعدى عمرها أربع سنوات.
في الختام
بلمحة بسيطة على كل ما أوردنا سلفا سيصل القارئ لنتيجة مفادها أن المواطن المغربي بالفعل أمام تناقض صارخ بين مرجعيته الدستورية التي تعلي من شأن الشريعة الإسلامية وبين واقع يطبع مع المحرمات، من خمور وربا وقمار ودعارة. ولا يمكن حل هذا التناقض الصارخ إلا بحزم مباشر من السلطات المعنية للتصدي لكل من له مصلحة في التطبيع مع هذه المحرمات كالخمور والقمار والفساد.