المدونة ومتاهات الطرح العلماني

09 فبراير 2025 20:20

هوية بريس – د.أحمد اللويزة

تعديل مدونة الأسرة أخذ زخما كبيرا في وقت يعد المجال القانوني الوحيد الذي لا زال له ارتباط بالدين الرسمي للشعوب الإسلامية في كثير من بلاد الإسلام، وهو القانون الذي ينظم مجالا من أخطر مجالات الحياة التي لا زلنا نشتم منه عبق الانتماء إلى دين الإسلام، واليوم تجري المحاولات على قدم وساق وتسابق الزمن من أجل نزع الشرعية الدينية عن هذه القوانين الأسرية إلى أبعد حد، تحت ضغط وإكراه الجهات المانحة والضاغطة والمتحكمة في مصير الشعوب والأمم، وأقصد صندوق النقد والبنك الدوليان وهيئة الأمم المتحدة التي تريد أن تجعل من العالم صورة طبق الأصل للنموذج الغربي الاجتماعي، دون مراعاة للتباين الهوياتي والخصوصية الدينية والتنوع الثقافي للشعوب، تفعل هذا وهي التي لم تزل تدندن على حقوق الأقليات في فرض خصوصيتها داخل منظومة اجتماعية واحدة في منطقة جغرافية واحدة لكنها لا تستحيي أن تفرض ثقافتها على شعوب لا يجمعها معها تاريخ ولا جغرافيا.

إن عرض أصول التعديلات في مدونة الأسرة نتج عنه ما تابعناه من هذا الحراك المجتمعي أو قل هو زلزال هز أركان المجتمع وزعزع أصول الأسرة، مع أنه لا زال بنودا تخضع للطرح والنقاش فقط، فكيف إذا أصبحت حقيقة تحكم بناء الأسرة والحقوق المتعلقة بها سواء للرجل أو المرأة أو الأبناء والآباء وباقي مكونات الأسرة الممتدة…

إن هذا الطرح الذي تطغى عليه العلمانية والذي قدمه الوزير بنوع من الزهو والانتصار أدخل المجتمع في متاهات وقع عليها شبه إجماع من أطياف المجتمع، ظهر ذلك في كم الاستنكار بطرق مختلفة؛ منها مقالات وندوات ولقاءات وحتى بالطرق السخرية التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي، وهي رسالة واضحة المعالم تدل على أن هذا الطرح الذي لا تخفى عنه يد العبث العلماني الحداثي المفروض على الشعب المسلم يشكل خطرا وتهديدا وجوديا للشعب المغربي.

ورسالة إلى العابثين بمستقبل الوطن أن يتوقفوا عن هذا التهور الذي يغامرون فيه بمصير الوطن والشعب، وذلك لأن الأسرة هي نواة المجتمع، وفي تفككها تفكك للمجتمع، وتفكك المجتمع إذنٌ بزواله، ولن يحقق للأسرة استقرارها وتوازنها وتماسكها إلا مدونة تقوم على شرع الله الذي هو أعلم بما يصلح لخلقه، وليس مدونة تحدد معالمها وترسم صورتها العلمانية المستوردة من الغرب الذي نرى كيف يعيش تفككا أسريا وفوضى مجتمعية لولا الوضعية المادية القوية التي تؤخر الانهيار الكلي لكان في خبر كان، وهو ما لا يتأتى لبلد مثل المغرب الذي تطبعه الهشاشة من كل جانب ولا يمنع انهياره إلا ما تبقى من شريعة تحكم نظام الأسرة فيه، وها هي اليوم تتعرض لمؤامرة لا قدر الله.

إن بسط مظاهر التيه والمستقبل الملغوم إن تم إقرار هذه البنود المعلنة إن لم تكن أخرى غير معلنة ومن يدري؟؟؟ ظهرت تجلياته في كثير مما كتب ونشر سواء من طرف أفراد أو هيئات، سواء ما تعلق بنظام الزواج، أو الطلاق أو الإرث. فأما الزواج فتحدث الناس في نقد ما تم عرضه من التعديلات فيما يخص الخطبة وتوثيقها وكأنها عقد زواج تثبت به حقوق المرأة التي تراجع خطيبها عن الخطبة كأنها امرأة متزوجة، وليست مخطوبة، وفيه ما فيه من مخالفة الأحكام الشرعية المتعلقة بفسخ الخطوبة.

وكذا كتابة العقد وإثقاله بالشروط وكأنه عقد عمل أو شركة يجتمع فيه طرفان مع كثير من الحيطة والحذر، وليس عقد زواج مبني على الود والرحمة ولكل ذي حق حقه الذي أعطاه له ربه الذي خلقه، من باب (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء مما اكتسبن).

إضافة الى اشتراط الزوجة على الزوج عدم التعدد في العقد، إضافة الى تدبير الممتلكات أثناء الزواج وبعد حل عقد الزواج بطلاق أو وفاة، هذه الإجراءات وغيرها التي أدخلت الأزواج في دوامة من الخوف والاضطراب وعدم الاستقرار، وجعلت العزاب يعتبرون العزوبة ملاذا آمنا من سيف المدونة، وأن الزواج انتحار ومستقبل ملغوم. إضافة إلى بعض البنود المتعلقة بالإرث الذي تحرم فيه فئات من الورثة من الإرث تحت مبررات لا أثر لها إلا إدخال الأسرة في حسابات ضيقة تفكك أوصالها وتدمر أواصر الارتباط والود بينها، خاصة الإخوة الذين تتفرع عنهم علاقات العمومة والخؤولة وهي أحد ركائز الاسرة الممتدة التي ينبني عليها مجتمع متماسك. وأما ما يتعلق بمكاسب المرأة بعد الطلاق فتلك داهية الدواهي وقاصمة الظهر وتلك التي أصابت المجتمع بالدوار والحيرة والشك والصدمة.

إن الوقوف مع هذه التعديلات بالتفصيل وبيان مظاهر التيه والضياع فيها غرض لا يفي به مقال من أسطر، ولكنها بحث يقع في مجلد أو مجلدات وقد سال في ذلك مداد كثير، وقد يأتي في مقالات مفردة لكل قضية مفردة تنبيها وتحذيرا من المغامرة بمصير الوطن من خلال المغامرة بمصير الأسرة إرضاء لجهات خارجية لا يهمها إلا تدمير كيانات المجتمعات المسلمة كما دمرت مجتمعاتهم المتآكلة والمتهالكة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
15°
15°
الإثنين
15°
الثلاثاء
17°
الأربعاء
17°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M