المعجميون والحديث النبوي الشريف

15 مايو 2021 17:09

هوية بريس – عبد العالي الضريف

مقدمة:

لا ريب أن نبينا محمداً صلى لله علیه وسلم، كان أفصح العرب لسانا، وأوضحهم بيانا، وأعذبهم نطقا، وأسدهم لفظا، وأبينهم لهجة ،وأقومهم حجة، وأعرفهم بمواقع الخطاب، وأهداهم إلىطريق الصواب (1)

قد أوتي مجامع الكلم، وهي المقدرة على تأدية المعاني الواسعةبألفاظ قليلة(2)، فمن فصاحته أنه تكلم بألفاظ اقتضبها، ولم تسمعمن العرب قبله، ولم توجد في متقدم كلامها، وتجري مجرىالأمثال، وفي هذا المقام، يقول علي رضي الله عنه: ما سمعتكلمة عربية من العرب إلا قد سمعتها من النبي صلى الله عليهوسلم، وسمعته يقول: مات حتف أنفه، وما سمعته من عربي قبله”(3) وكان المحيطون بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهم فصحاءالعرب لا يكتمون إعجابهم بفصاحته ويصارحونه بذلك فكانيجيبهم :

وما يمنعني من ذلك فإنما أنزل القرآن بلساني، لسان عربيمبين (4). قال يونس بن حبيب : ما جاءنا عن أحد من روائعالكلام  ما جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم (5) . ولأجل ذلكيعد الحديث النبوي الشريف منبعا ثرا أصيلا من مصادر الشواهداللغوية والنحوية، يغني به اللغة العربية، ويفيد منه ثروة تضافإلى ألفاظها، وأساليب جديدة تضم إلى استعمالاتها. فإن أحاديثهصلى الله عليه وسلم، كانت ولا تزال نموذجا حقيقيا للنثر القديم. لذا كان من المنهج الحق أن يتقدم الحديث النبوي الشريف سائركلام العرب في باب الاحتجاج باللغة والنحو والصرف .

وقد أجمع علماء المسلمينِ وأرباب اللُّغةِ وأساطين البلاغةِ، على أنَّفصاحةَ النبي صلى الله عليه وسلم لا تضاهيها فصاحة، وأسلوبهفي الحديث لا يقاربه أسلوب. وأنَّ كلام النُّبوة دونَ كلامِ الخالقِ،وهو فوق كلامِ المخلوقِ، فيه جوامع الكلم، ومعجزات البلاغة والفصاحة. فاستشهدوا به في كتبهم، واستقوا منه أدلتهم لإثباتصحة لفظ ، وسلامة أسلوب.

نبذة عن أهم اللغويين والمعجميين

لم يكن المتقدمون ولا المتاخرون (6) من اللغويين يمارون في الاستشهاد بالحديث النبوي في اللغة العربية  

و إن دعوى رفض المتقدمين والمتأخرين للحديث لا تعضدها الحقيقة بحال، وقد ذكر الدماميني أن من الأئمة قبل ابن مالك من كان يعتمد الحديث بلا تردد ، وعد من أصحاب هذا المذهب كلامن ابن جني (392ه) وابن فارس(395ه) والجوهري(398ه) وابن سيدة (458 ه) والسهيلي( 581 ه) وابن بري(582 ه) وابن خروف(609 ه) (7).

وقد استشهد أصحاب المعاجم بالحديث في معاجمهمكالجوهري( ت 397 ه) في صحاحه، وابن سيده، ( ت 458 ه)في مخصصه، والأزهري( ت 370 ه) في تهذيبه. واللغة أختالنحو” (8)، قال السهيلي: لا نعلم أحدا من علماء العربية خالف في هذه المسألة إلا ما أبداه الشيخ أبو حيان في(شرح التسهيل) وأبو الحسن بن الضائع في(شرح الجمل) وتابعهما على ذلك الجلال السيوطي (9).

إن ما حوته معجمات اللغة من استشهادات بالحديث النبوي في اللغة سواء في الألفاظ أو التراكيب والأساليب البيانية لكفيل بأن يصيب الدعوى الآنفة الذكر في مقتل، ومن ثم الإجهازعلى ادعاء أبي حيان ومن قبله ابن الضائع كما يؤكد ذلك سعيد الأفغاني إذ يقول:” هي كافية لدحض ما ادعى أبو حيان (10).

إن المعجمات الرئيسية في اللغة و إن كانت تعود إلى القرن الرابع الهجري فما بعد تعد مفتاحا حقيقيا  

ومؤشرا واضحا أمام الباحث لأجل النظر فيما سبقها من كتب اللغة ومصنفاتها، والإطلاع على مدى اعتمادها الحديث النبوي في تقرير الألفاظ والأحكام فإنه ما كان ميسورا أمام تلك المعجمات أن تنهض نهضتها الواسعة لولم تكن تعتمد ما صنف قبلها من كتب ورسائل لغوية (11).

كما استشهدأعلام اللغة العربيةِ بالحديث النبوي الشريف فيمسائل اللغة. منهم : أبو عمرو بن العلاء،

والخليل، والكسائي، والفراء، والأصمعي، وأبو عبيدة، وابنالأعرابي، وابن السكيت، وابو حاتم، وابن قتيبة، والمبرد، وابندريد، وأبوجعفر النحاس، وابن خالويه، والأزهري، والفارابي،والصاحب بن عباد، وابن فارس، والجوهري، وابن بري، وابنسيده، وابن منظور، والفيروز آبادي، وغيرهم(12).

وقد كان مستند اللغويين وأصحاب المعاجم في الاستشهاد بالحديث النبوي في اللغة أن( أحاديث الرسول صلى الله عليهوسلم أصح سنداً من أشعار العرب، حيث إن الحديث نقل عنالعرب الفصحاء مع العدل والضبط، فهو أوثق من نقل أهل اللغةالذين ينقلون عن واحدٍ، لا تعرف حاله)(13).

وأن تدوين الحديث قد تم قبل فساد اللغة، فما روي باللفظ فأمرهواضح، وما روي بالمعنى إنما رواه عرب خلص قبل تفشي الخطأفي اللغة(14).

وأن المطلوب غلبة الظن، وليس اليقين، فالظن كاف في نقل مفرداتالألفاظ، وتقعيد القواعد، وهومناط الأحكام الشرعية(15).

وقبل هذا وذاك فإن هناك ( إجماع على أن الرسول صلى الله عليهوسلم أفصح العرب لساناً، يقول ابن حزم: لقد كان محمد بن عبدالله قبل أن يكرمه الله بالنبوة، وأيام كان بمكة أعلم بلغة قومه،وأفصح، فكيف بعد إذ اختصه الله واجتباه للوساطة بينه وبينقومه) (16).

وسنعرض لثلة من اللغويين وأصحاب المعاجم مع ذكر بعض ما حوته معاجمهم من استشهادات بالحديث النبوي في اللغة.

1 الخليل بن أحمد الفراهيدي ( 175 ه) ومعجمه العين.

هذا إمام العربية، الخليل الفراهيدي ، يلجأ إلى نصوصِ الحديثالنَّبوي، لإثبات رأيه لأنَّه يجد في ذلك

حجةً دامغة، ويرد على خصومه، بشاهد منَ الحديث الشريفويقول لأ حتجنَّ عليهم بحجةٍ فإن لم يقرّوا بها عسفوا(17).

وتابعه على هذا النهج منْ جاء بعده منْ اللغويين، وأساطينالعربية، سواء في إثبات صحة لفظ أو بيانِ معنى، أو سلامةِاستعمال . دون أنْ يعبأَ برأي المانعين.

فهذا صريح في أنَّ الخليل كان يستشهد في كتابه (العين)بالحديث، ولم يكن الخليل بدعاً من اللغويين، وما صنعه الخليلصنعه غيره من أئمة اللغة.

ويعد الخليل رائد المعجمية بلا منازع ، وله إسهامات نحوية ولغوية، وترك آثارًا تمثِّل منهجه في الميدانين. ويكفي لإدراك ذلك أن ينظرإلى ما أورده من الحديث الشريف في معجمه(العين ) . فقد حوى هذا المعجم 428 حديثا(18) وهي بالفعل ذخيرة ضخمة .

قال السيوطي : قال أبو الحسن الشاري: ومذهبي ومذهبشيخي أبي ذر الخشني، وأبي الحسن ابن خروف أنَّ (الزبيدي)(19)أخل بكتاب (العين) كثيراً، لحذفه شواهد القرآن والحديث،وصحيح أشعار العرب منه  ولما علم ذلك الإمام (التياني)(20) عملكتابه ( فتح العين) وأتى فيه بما في العين من صحيح اللغة  دونإخلال بشيء من شواهده القرآن والحديث . (21).

وأمامنا اليوم كتاب العين وقد طبع محققا الجزء الأول منه . ومهما اختلفت الآراء في حقيقة هذا الكتاب  

وفي القدر الذي تم على يد الخليل منه فإن ما يعنينا أن هذا الكتاب إنما بني وظهر في أوساط المتقدمين بدل على ذلك رأي أبي العباس ثعلب الكوفي (291 ه) القاضي بأن الخليل رسمه زلم يحشه ولو كان هو حشاه ما بقي فيه شيء(22).

فكتاب العين يزخر بالحديث النبوي حتى أن محقق الجزء الأول منه ذكر أنه سيكون للفهارس جزء خاص بعد نهاية الكتاب يشتمل على الأعلام والقوافي والمسائل اللغوية والآيات والأحاديث (23) .

2 أبو بكر بن دريد (321 ه) وجمهرة اللغة.

شاعر و أديب ومؤرخ ، ولد بالبصرة عام 837ه وتوفي ببغداد عام 933ه. هو صاحب الأرجوزة التي قال فيها:

من لم تفده عبرا أيامه           كان العمى أولى به من الهدى

من أعظم مؤلفاته معجم الجمهرة في علم اللغة ألفه عام 297ه .

كان بارعا في اللغة والأدب عالما بأخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم قام في ذلك مقام الخليل بن أحمد الفراهيدي ونبغ في الشعر حتى قيل عنه : أعلم الشعراء وأشعر العلماء . وقد وضع أربعين مقامة كانت في الأصل لفن المقامات (24) . قال عنه أبو الطيب اللغوي ( ابن دريد انتهى إليه علم لغة البصريين وكان أحفظ الناس وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر ابن دريد ) . ألف في اللغة و الأدب أكثر من خمسين كتابا .

3 أبو منصور الأزهري (370 ه)  وتهذيب اللغة.

عالم من علماء اللغة العربية ولد في خراسان عام 895ه ، اشتهر أولا بالفقه ثم غلب عليه التبحر في اللغة فرحل في طلبها حتى وقع أسيرا في يد القرامطة فقضى ردحا من الزمن بين قوم من هوازن

(يتكلمون بطباعهم البدوية ولا يكاد يوجد في منطقهم لحن) كما قال في مقدمة كتابه تهذيب اللغة ومن كتبه غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء و تفسير القرآن توفي عام 370ه.

لا يختلف معجمه تهذيب اللغة عن العين في التمسك بالحديث في إقامة الحجة اللغوية ويهتم كثيرا بذكر راوي الحديث حيث يعتمد في أحكامه على الرواة وتوثيقهم (25).

4 الصاحب بن عباد (385 ه) والمحيط في اللغة.

هو أبو القاسم إسماعيل بن عباد من كبار علماء وأدباء الشيعة الإمامية الإثني عشرية . كان محدثا ثقة وشاعرا مبدعا غلب عليه العلم والأدب ولد عام 326ه.

قال عنه الثعاليبي: ليست تحضرنى عبارة أرضاها للإفصاح عن علومحله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم . هو صدر المشرق وتاريخ المجد وغرة الزمان وينبوع العدل والإحسان . من أشهر مؤلفاته معجم المحيط في اللغة توفي عام 385ه.

5 أحمد بن فارس (395 ه) ومعجم مقاييس اللغة.

لغوي وإمام في اللغة والأدب(26) ولد عام 329ه وتوفي عام 395ه.

له مؤلفات كثيرة وهو من العلماء الأفذاذ الذين ألفوا في عدة فنون في اللغة والأدب والبلاغة والأصول والتفسير. ومن أبرز مصنفاته وأشهرها معجم مقاييس اللغة .

6 اسماعيل الجوهري(397 ه) وتاج اللغة وصحاح العربية.

عالم ولغوي يكنى بأبي نصر, وهو أول من حاول الطيران ومات في سبيله . ولد حوالي عام 330ه

وأصله من كازاخستان وتوفي عام 393ه.

قرأ العربية على أبي علي الفارسي والسيرافي , ثم أخذ العربية مشافهة من عرب بلاد ربيعة ومضر.

قال عنه ياقوت: كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما وصنع جناحين من خشب وربطهما بحبل وصعد سطح داره ونادى في الناس: لقد صنعت ما لم أسبق إليه وسأطير الساعة . فتأبط الجناحين ونهض بهما فسقط إلى الأرض قتيلا .

أشهر كتبه تاج اللغة وصحاح اللغة المعروف اختصارا ب الصحاح .  

7 أبو الحسن بن سيده (458 ه) والمحكم والمحيط الأعظم.

لغوي أندلسي ولد عام 398ه وكان ضريرا كأبيه وقد برع في علوم اللغة العربية وألف الكثير من التصانيف والكتب في علوم اللغة.

قال عنه الحميدي إمام في اللغة والعربية حافظ لهما على أنه كان ضريرا قد جمع في ذلك جموعا وله

مع ذلك في الشعر حظ وتصرف(27).

من أشهر مؤلفاته معجم المحكم والمحيط الأعظم . توفي عام 458ه وعمره نحو الستين (28).

8 جار الله الزمخشري(538 ه) وأساس البلاغة.

من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والأدب ولد عام 467ه في زمخشر بتركمانستان وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا فلقب بجار الله وتوفي عام 538ه (29).

وقد اشتهر الزمخشري في عصره. ومن أبرز كتبه الكشاف وهو تفسير للقرآن ومعجم أساس البلاغة .

 9 الحسن بن محمد الصاغاني (650 ه) والعباب الزاخرواللباب الفاخر.

المحدث الفقيه اللغوي ولدعام 577ه بلاهور ثم رحل إلى بغداد .

من أهم مصنفاته معجم العباب الزاخرفي اللغة وتوفي عام 650ه ودفن ببغداد ثم نقل إلى مكة فدفن بها. وكان قد أوصى بذلك (30).

10 جمال الدين ابن منظور(711 ه) ولسان العرب.

أديب ومؤرخ وعالم في الفقه الإسلامي واللغة العربية.

ولد عام 630ه قيل بتونس وقيل بليبيا وقيل بمصر.

عمل على اختصاروتلخيص عدد هائل من كتب الأدب المطولة ،وقال عنه ابن حجر: كان مغرى باختصار كتب الأدب المطولة . ويقول الصفدي: لا أعرف في الأدب كتابا مطولا إلا وقد اختصره ، وقد أخبرني ولده قطب الدين أنه ترك بخطه خمسمائة مجلدة .

أصيب بالعمى في أواخر سنوات حياته ، وتوفي في مصرعام 711ه.

من أشهر مؤلفاته لسان العرب عشرون مجلدا جمع فيها أمهات كتب اللغة ، فكاد يغني عنها جميعا.  ويعد من أوسع معجمات العربية وأهمها . يطفح بالأحاديث النبوية التي تلقاك في كل ثنية من ثناياه، وقد كان كتاب ( النهاية في غريب الحديث والأثر) لابن الأثير (606 ه) أحد المصادر الأساسية الخمسة التي بني عليها لسان العرب (31).  

11 الفيروز آبادي(817 ه) والقاموس المحيط .

هو مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي، لغوي وكاتب وشاعر.ولد عام 729ه بفارس تفقه وبرع في اللغة إلى أن مهر وفاق ،واشتهر اسمه وهو شاب في الآفاق . وطلب الحديث وسمع من الشيوخ منهم بدمشق الشام الشيخ تقي الدين السبكي وولده تاج الدين السبكي وابن نباتة وابن جماعة وغيرهم.

تلقى علومه عن علماءعصره كابن حجروالصلاح الصفوي وابن عقيل والجمال الأسنوي ، مما هيأ له أسباب الشهرة . أقبل علىالتصنيف في علوم اللغة والتفسير والحديث والتاريح والفقه . ومات في زبيد عام 817ه وقد ناهز التسعين ، ولم يزل إلى حين موته متمتعا بسمعه وبصره.

يحكى عنه أنه قال : ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر. وله مصنفات كثيرة عد منها بضع وأربعون مصنفا، من أشهرها وأهمها القاموس المحيط والقاموس الوسيط الجامع لما ذهب من كلام العرب المعروف اختصارا ب القاموس المحيط ، وهو أشهر معاجم اللغة العربية على الإطلاق . إذ بلغ من شهرته أن كثيرا من الناس بعده صاروا يستعملون كلمة قاموس مرادفة لكلمة معجم (ومعنى كلمة القاموس معظم البحر).

12 مرتضى الزبيدي (1205 ه) وتاج العروس من جواهرالقاموس.

لغوي ومحدث وعالم بالرجال والأنساب ولد عام 1145ه في الهند أصله من واسط بالعراق ونشأفي زبيد باليمن ورحل إلى الحجاز وأقام بمصر, وبها توفي بمرض الطاعون عام 1205ه.

أخذ العلم عن نحو من ثلاث مائة شيخ ذكرهم في معجميه الكبير والصغير، وفي ألفية السند وشرحها، حتى قال عن نفسه في ألفيته:

وقل أن ترى كتابا يعتمد          إلا ولي فيه اتصال بالسند

قال عنه محدث بلاد الشام الوجيه عبد الرحمان الكزبري : إمام المسندين وخاتمة المحدثين .

وقال عنه الزركلي : زاد اعتقاد الناس فيه حتى كان في أهل المغرب كثيرون يزعمون أن من حج ولم يزر الزبيدي ويصله بشيءلم يكن حجه كاملا (32).

قال عنه الحافط بن عبد السلام الناصري (وهو من أعلام المغرب) في رحلته لما ترجمه فيها : ألفيته عديمة النظير في كمال الاطلاع والحفظ واللغة والأنساب ، فهو والله سيوطي زمانه ، انخرق له من الفرائد ما انخرق لابن شاهين وابن حجر والسيوطي.

قال عنه عالم مصر الشمس محمد بن علي الشواني الأزهري : شيخ الاسلام علامة الأنام ناشر لواء السنة المحمدية وواصل الأسانيد النبوية أبو الجود وأبو الفيض .

خلف حوالي 107 عملا أدبيا أهمها وأضخمها شرحه على القاموس المسمى تاج العروس من جواهر القاموس في عشر مجلدات.  

( قال أوجست فيشر حين وضع منهجه لإظهار المعجم التاريخي الكبير للغة العربية واصفا منهج الزبيدي في معجمه تاج العروس: إنه يتناول الكلمات الموجودة في القرآن والحديث والشعر(33) )(34).

استشهادات المعجميين بالحديث النبوي.

لقد استشهد اللغويون القدماء بالحديث النبوي الشريف لتوثيقنصوصهم حيث عدوه من الدعائم الأولی التي قام عليها بناءالمعجم العربي، ولم يتخلف أحد عن الاستشهاد به ابتداء منالخليل (ت 174 ه) في کتابهالعين. وقد استشهدوا به حين لميکن الفساد اللغوي قد استشرى وذاع علی الألسنة . وهكذااستشهد به رجال الطبقة الأولی والثانية من البصريين والکوفيين .

وتجدر الإشارة إلى أن المعجميين يوردون في استشهاداتهم اللغوية إلى جانب أقوال النبي صلى الله عليه وسلم أقوال الصحابة والتابعين المرفوعة إليه صلى الله عليه وسلم.

فالأحاديث التي ثبتت صحتها متناً وسنداً هي من لفظ الرسولصلى الله عليه وسلم إن كان قولاً، ومن لفظ الصحابي إن كان عملاً. فالرسول أفصح العرب، وبلغ أسمى صور الكلام العربي الفصيح، إذ لا تعهد العربية في تاريخها بعد القرآن الكريم بياناً أبلغ من الكلام النبوي، ولا أروع تأثيراً، ولا أفعل في النفس، ولا أصح لفظاً، ولا أقوم معنى.

والصحابة هم أعلام الفصاحة. فهل لقائل أن يقول: إننا لا نستطيع الاستشهاد بكلام الرسول أو الصحابي في إثبات مادة لغوية ، أو دعم قاعدة نحوية أو صرفية.

يقول الشّيخ محمّد الخضر حسين : وتشتمل كتب الحديث علىأقوال النبي وعلى أقوال الصّحابة تحكي فعلا من أفعاله ، أو حالامن أحواله ، أو تحكي ما سوى ذلك من شؤون عامّة أو خاصّةتتّصِل بالدّين، بل يوجد في كثير من كتب الحديث أقوال صادرةعن بعض التّابعين، وكذلك نرى المؤّلّفين في غريب الحديث يوردونألفاظا من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أقوالالصّحابة أو أقوال بعض التابعين كعمر بن عبد العزيز، وهذهالأقوال المنسوبة إلى الصّحابة أو التّابعين متى جاءت من طريقالمحدّثين تأخذ حكم الأقوال المرفوعة إلى رسول الله من جهةالاحتجاج بها في إثبات لفظ لغويّ، أو وضع قاعدة نحويّة (35).هذه اللغة العالية، التي هي الذروة من الفصاحة، والقمة منالبلاغة،کانت وما تزال المورد الثاني بعد القرآن من موارد دراسةاللغة العربية لغة ونحوا وأدباً وبلاغة.

وهذه عينات من الأحاديث النبوية التي ساقها المعجميون في معاجمهم للاستشهاد بها في اللغة العربية ألفاظا وتراكيبا.

من  معجم العين(36) الخليل بن أحمد الفراهيدي.

رتب الخليل في العين الحروف العربية على مخارجها من الحلق على النظام التالي، كما جاء في مقدمته لكتاب العين : ع ح ه خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ث ذ ر ل ن ف ب م و أ ي همزة (37).

ولما كان الخليل أول واضع للكلم العربي في صورة معجمية ، كان عليه بعد ذلك أن يستقصي الكلمات بعد أن اختار الترتيب ، وكان اعتماده على ما ساقه الصرفيون (ممن سبقه) من جذر لأبنية الكلمة ،

وجعلها إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية .

مادة ( كبد ) . في الحديث وضع يده على كبدي .

مادة ( كركم) . الكركم هو الزعفران . في الحديث وعاد لونه كالكركمة .

مادة ( كبر ) . في الحديث لايجوزفي الأضاحي كبير .

مادة ( كفل ) . في الحديث الربيب كافل (38). والربيب هو زوج أم اليتيم .

وفي الحديث أيضا لايشربن أحدكم من ثلمة الإناء ولا عروته فإنها كفل الشيطان (39).

مادة ( لغا) . في الحديث من قال في الجمعة والإمام يخطب صه فقد لغا (40). أي تكلم .

مادة ( لقس) . اللقس (فتح اللام المشددة وكسر القاف) هو الشره النفس ، الحريص على كل شيء . ولقست (بكسر القاف) نفسه إلى الشيء : نازعته حرصا .

وفي الحديث لاتقل خبثت نفسي ولكن لقست .

مادة ( مرج ) . المرج أرض واسعة فيها نبت كثير تمرج فيها الدواب .

في الحديث قد مرجت عهودهم وأمرجوها (41) .

مادة ( معض ) . معض الرجل من شيء يسمعه وامتعض منه إذا شق عليه وأوجعه فامتعض منه

في الحديث فاشفق عليه امتعاضه   .

مادة ( نبر) .النبر بالكلام هو الهمز.

في الحديث أن رجلا قال : يا نبيء الله فقال صلى الله عليه وسلم : لا تنبر باسمي (42).

مادة ( وطأ) . الموطىء هو الموضع.

في الحديث اللهم اشدد وطأتك على مضر(43).  أي خذهم أخذاشديدا فأخذهم الله بالسنين.

مادة ( وقف) . في الحديث الحسن إن المؤمن وقاف متأن وليس كحاطب الليل .

مادة ( قفر) .القفر هو الخالي من الأمكنة واقفرت الأرض من الكلأ والدار من أهلها فهي قفر وقفار

في الحديث ما أقفر قوم عندهم خل (44). أي لا يعدمون .

مادة ( قاء) . في الحديث لو يعلم الشارب ما عليه قائما لاستقاء ما شرب (45).

مادة ( دوم) . ماء دائم ساكن والدوم مصدر دام يدوم .

في الحديث أن عائشة سئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل بعض الأيام على بعض، فقالت: كان عمله ديمة (46)

مادة (ذوق) . ذاق يذوق ذوقا ومذاقة وذوقانا ومذاقا . مذاقه طيب أي طعمه طيب.

في الحديث إن الله لا يحب الذواقين والذواقات (47). إي كلما تزوجا كرها ومدا أعينهما إلى غيرهما

من معجم مقاييس اللغة(48)  أحمد بن فارس (395 ه).  

مادة (أز) . الشيطان يؤز الإنسان على المعصية .

وفي الحديث كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء .

مادة (أط) . له معنى واحد وهو صوت الشيء إذا حن وأنقض. يقال أط الرحل يئط أطيطا، وذلك إذا كان جديدا فسمعت له صريرا.

وفي الحديث حتى يسمع أطيطه من الزحام . يعني باب الجنة .

مادة (أبل) . إبل مؤبلة جعلت قطيعا قطيعا وذلك نعت في الإبل خاصة.  

وفي الحديث الناس كإبل مائة ليست فيها راحلة .

مادة (أثر) . تقديم الشيء وذكر الشيء ورسم الشيء . والأثير الكريم عليك الذي تؤثره تفضلك وصلتك والمصدر الأثرة . ورجل أثير .

وفي الحديث إذا استأثر الله بشيء فاله عنه . أي إذا نهى عن شيء فاتركه.

وفي الحديث سترون بعدي أثرة . أي من يستأثرون بالفيء.

مادة (أرب) . له أربعة أصول هي الحاجة والعقل والنصيب والعقد.

والمؤاربة هي المداهاة. وفي الحديث مؤاربة الأريب جهل .

مادة (بت) . له وجهان أحدهما القطع ، والآخر ضرب من اللباس . فأما الأول فقالوا البت القطع المستأصل وهو مستعمل في كل أمر يمضي ولا يرجع فيه.

وفي الحديث إن المنبث لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى . هو الذي أتعب دابته حتى عطب ظهره فبقي منقطعا به .

مادة (جعف) . يدل على قلع الشيء وصرعه . يقال جعفت الرجل إذا صرعته بعد قلعك إياه من الأرض.  والانعجاف الانقلاع ونقول انعجفت الشجرة.

وفي الحديث مثل المنافق مثل الأرزة المجذبة على الأرض حتى يكون انجعافها مرة (49). أراد بالمجذبة الثابتة.

مادة (خضع) . يدل على أصلين: أحدهما تطامن في الشيء والآخر جنس من الصوت .

وفي الحديث نهى أن يخضع الرجل لغير امرأته . أي يلين كلامه .

مادة (دمث) . هوأصل واحد يدل على لين وسهولة . فالدمث اللين . يقال: دمث المكان يدمث دمثا وهو دمث ويكون ذا رمل.

وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مال إلى دمث وقال إذا بال أحدكم فليرتد لبوله (50). والدماثة  سهولة الخلق .

مادة (صفد) . أصلان صحيحان : أحدهما عطاء، والآخر شد بشيء .

وأما الصفد فالغل . ويقال : الصفد التقييد . والأصفاد : الأقياد.

و في الحديث إذا دخل شهر رمضان صفدت الشياطين .

مادة (ضأ) . كلمة صحيحة وهي الضئضئ ، وهو الأ صل .

وفي الحديث : يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين (51) .

مادة (ضوى) . أصل صحيح يدل على هزال . يقال غلام ضاوي : مهزول . ووزنه فاعول . وكانت العرب تقول : إذا تقارب نسب الأبوين خرج الولد ضاويا .

وفي الحديث : استغربوا لا تضووا .

مادة (طعن) . أصل صحيح مطرد ، وهو النخس في الشيء بما ينفذه ، ثم يحمل عليه ويستعار. و من ذلك الطعن بالرمح . ورجل طعان في أعراض الناس .

وفي الحديث : لا يكون المؤمن طعانا .

مادة (طيب) . أصل واحد صحيح يدل على خلاف الخبيث . من ذلك الطيب : ضد الخبيث . والاستطابة : الاستنجاء ، لإن الرجل يطيب نفسه مما عليه من الحبث بالاستنجاء .

وفي الحديث : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستطيب الرجل بيمينه .

مادة (عق) . يدل على الشق ، وإليه يرجع فروع الباب يلطف نظر. قال الخليل : أصل العق الشق.

قال وإليه يرجع العقوق. قال وكذلك الشعر ينشق عنه الجلد(52) . وقال أيضا يقال عق الرجل عن ابنه يعق عنه إذاحلق عقيقته وذبح عنه شاة . قال : وتلك الشاة عقيقة .

وفي الحديث كل امرىء مرتهن بعقيقته (53). والعقيقة الشعر الذي يولد به فإذا سقط عنه مرة ذهب عنه ذلك الاسم .

مادة (عهر) . كلمة واحدة لاتدل على خير، وهي الفجور. قال الخليل : العهر : الفجور. والعاهر : الفاجر.

وفي الحديث الولد للفراش وللعاهر الحجر(54) .لا حظ له في النسب.

مادة (عدو) . له أصل واحد يدل على تجاوز في الشيء وتقدم لما ينبغي أن يقتصر عليه . ومن ذلك العدو وهو الحضر. تقول: عدا يعدو عدوا، وهو عاد.

وفي الحديث لاعدوى ولا يعدي شيء شيئا .

مادة (غمس) . له أصل واحد صحيح يدل على غط الشيء .

وفي الحديث إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء.

مادة (غمص) . يدل على حقارة . يقال غمصت الشيء إذا احتقرته .

وفي الحديث إنما ذلك من غمص الناس (55). أي حقرهم . والغمص في العين كالرمص.

مادة (غين) . الغين : الغيم . والغين : العطش. ويقال : غين على قلبه ، كأن شيئا غشيه .

وفي الحديث إنه ليغان على قلبي(56).

مادة (قصب) . أصلان صحيحان ، يدل أحدهما على قطع الشيء ، ويدل الآخر على امتداد في أشياء مجوفة .

فالأول القصب : القطع ، يقال قصبته قصبا . وسمي القصاب قصابا لذلك .

والأصل الآخر: الأقصاب : الأمعاء ، واحدها قصب ( بضم القاف وتسكين الصاد) . والقصب معروف،  الواحدة قصبة . والقصب أنابيب من جوهر .

وفي الحديث بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .

مادة (كهر) . المعنى الأول : الانتهار، يقال كهره يكهره كهرا.

وفي الحديث بأبي وأمي ما كهرني ولا شتمني.

مادة (كفت) . أصل صحيح يدل على جمع وضم .

وفي الحديث واكفتوا صبيانكم . في الليل . يعني ضموهم إليكم واحبسوهم في البيوت .  

مادة (لظ) . أصل صحيح يدل على ملازمة . يقال: ألظ الرجل يالشيء، إذا لازمه .

وفي الحديث ألظوا بياذا الجلال و الإكرام. أي الزموا هذا وأكثروا منه في دعائكم. ويقال: ألظ المطر أي دام .

مادة (مذى) . يدل على سهولة في جريان شيءمائع . منه المذي ، وهو أرق ما يكون من النطفة ، والفعل منه مذيت وأمذيت .

وفي الحديث الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق.

مادة (نتق) . أصل يدل على جذب شيء وزعزعته وقلمه من أصله . تقول العرب : نتقت الغرب من البئر : جذبته . والبعير إذا تزعزع حمله نتق عرى حباله ، وذلك جذبه إياها فتسترخي. وامرأة ناتق :كثر أولادها .

وفي الحديث عليكم بالأبكار فإنهن أنتق أرحاما.

مادة (نثر) . أصل صحيح يدل على إلقاء شيء متفرق . ونثر الدراهم وغيرها. ونثرت الشاة : طرحت من أنفها الأذى . وسمي الأنف النثرة من هذا ، لأنه ينثر ما فيه من الأذى .

وفي الحديث إذا توضأت فانتثر. معناه اجعل الماء في نثرك .

مادة (نجش) . أصل صحيح يدل على إثارة شيء . منه النجش :أن تزايد في المبيع بثمن كثير لينظر إليك الناظر فيقع فيه و وهو الذي جاء في الحديث لا تناجشوا كأن الناجش استثار تلك الزيادة .

من معجم المحكم والمحيط الأعظم(57) ابن سيده (458 ه).  

باب : العين والسين.

وفي الحديث : استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه (58) .

والاسم منه العزاء . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : من لم يتعز بعزاء الله ، فليس منا فسره ثعلب فقال : معناه : من لم يسند أمره إلى الله .

باب : العين والراء.

والعرير : الدخيل في القوم ، والغريب فيهم .

وفي حديث حاطب بن أبي بلتعة   كنت عريرا فيهم ، ولم أكن من صميمهم (59).

باب : العين والنون.

وأما ما جاء في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم في وصف الإبل : أعنان الشياطين (60).

وحقيقة الأعنان : النواحي .

باب : العين والفاء.

ويقال في الطائر : عب ، ولا يقال شرب ، و في الحديث اشربوا الماء مصا ، ولا تعبوه عبا ، فإن الكباد من العب (61). وعبت الدلو:صوتت عند غرف الماء .

باب : العين والهاء واللام.

وشح هالع محزن . وفي الحديث من شرما أعطي المرء شح هالع (26).

باب : العين والخاء والدال.

قال الفارسي وأما قوله  في الحديث إن قبل الدجال سنين خداعة (63) فيرون أن معناها : ناقصة الزكاة وقيل : قليلة المطر ، من قولهم : خدع الزمان : قل مطره .

باب : العين والقاف والشين.

والقشعة النخامة ، وبه فسر حديث أبي هريرة رضي الله عنه : لوحد ثتكم بكل ما رويت لرميتموني

بالقشع (64) . قال المفسر: أي لبصقتم في وجهي ، تفنيدا لي .

باب : العين والقاف والزاي.

والقزع أخذ بعض الشعر، وترك بعضه . وفي الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع(65). يعني أخذ بعض الشعر وترك بعضه.

باب : العين والقاف والطاء.

والمقطع من الذهب: اليسير, كالحلقة و الشذرة .  ومنه الحديث أنه نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا(66) يعني أخذ بعض الشعر وترك بعضه .

باب : العين والقاف والنون.

ونقع البئر الماء المجتمع فيها قبل أن يستقى . وفي حديث عائشة ، من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يمنع نقع البئر، ولا رهو الماء(67).

باب : العين والقاف والباء.

وعقب القدم وعقبها مؤخرها ، مؤنثه منه . وفي الحديث نهى عن عقب الشيطان في الصلاة وهو أن يضع إليته على عقبيه بين السجدتين (68).

والعاقب : الذي دون السيد . وقيل : الذي يخلفه . والعاقب : الآخر

وفي الحديث أنا العاقب(69) أي آخر الرسل .

باب : العين والجيم والميم.

والعجماء: كل بهيمة.

وفي الحديث جرح العجماء جبار(70). أي لا دية فيه ولا قود . وصلاة النهاء عجماء : لإخفاء القراءة فيها

باب : العين والضاد واللام.

ورجل ضليع الفم : واسعه ، عظيم أسنانه ، على التشبيه بالضلع . وفي صفته صلى الله عليه وسلم : ضليع الفم (71). حكاه الهروي في الغريبين . ورجل أضلع : سنه شبيهة بالضلع .

باب : العين والسين واللام.

وفي الحديث في الرجل يطلق امراته ثم تنكح زوجا غيره . فإن طلقها الثاني لم تحل للأول حتى يذوق من عسيلتها ، وتذوق من عسيلته (72). يعني: الجماع ، على المثل .

وعسل المرأة يعسلها عسلا : نكحها فإما أن يكون مشتقا من ذلك وإما أن تكون لفظة مرتجلة على حدة , وعندي أنها مشتقة .

وفي الحديث أيضا إذا أراد الله بعبد خيرا عسله في الناس (73). وروي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ماعسله ؟ فقال : يفتح له عملا صالحا ، حتى يرضى عنه من حوله .

 من معجم لسان العرب بن منظور (711 ه).  

فصل الجيم : حرف الهمزة (جفأ).

جفأ : جفأ الرجل جفأ : صرعه . وفي التهذيب ، اقتلعه وذهب به الأرض ، وجفا به الأرض: ضربها به.

وفي حديث خيبر أنه صلى الله عليه وسلم   حرم الحمر الأهلية فجفؤوا القدور . أي فرغوها وقلبوها.

فصل الجيم : حرف الهمزة (جنأ).

وأجنأ الرجل على الشيء : أكب. قال : وإذا أكب الرجل على الرجل يقيه شيئا قيل أجنأ .

وفي الحديث فعلق يجانئ عليها يقيها الحجارة . أي يكب عليها.

وفي الحديث أيضا أن يهوديا زنى بامرأة فأمر برجمها فجعل الرجل يجنئ عليها   . أي يكب ويميل عليها ليقيها الحجارة .

فصل الدال : حرف الهمزة (درأ).

الدرأ: الدفع. درأه يدرؤه درأ ودرأة : دفعه . وتدارأ القوم : تدافعوا في الخصومة ونحوها واختلفوا.

وفي الحديث إذا تدارأتم في الطريق . أي تدافعتم واختلفهم .

وفي حديث قيس بن السائب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم شريكي، فكان خير شريك لا يدارئ ولا يماري . قال أبو عبيد : المدارأة ههنا مهموزة ، من دارأت ، وهي المشاغبة والمخالفة على صاحبك.

ودرأت عنه الحد وغيره أدرأه إذا أخرته عنه . ودرأته عني أدرأه : دفعته .

وفي الحديث ادرأوا الحدود بالشبهات أي ادفعوا .

وفي الحديث اللهم إني أدرأ بك في نحورهم وإنما خص النحور لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع .

فصل الراء : حرف الهمزة (رفأ).

رفا السفينة يرفؤها رفأ: أدناها من الشط . وأرفأت السفينة :أدنيتها الجدة . والجدة وجه الأرض.

في الحديث أن رجلا شكا إليه التعزب فقال له عف شعرك ، ففعل فأرفأن أي سكن ما كان به . أي لا يشاغب ولا يخالف .

فصل الزاي : حرف الهمزة ( زوأ).

روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أن الإيمان بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء إذا فسد الناس والذي نفس أبي القاسم بيده ليزوأن الايمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها . هكذا روي بالهمز. قال شمر : لم أسمع زوأت بالهمز والصواب ليزوين وليضمن من زويت الشيء إذا جمعته  

فصل القاف : حرف الهمزة (قيأ).

القيئ : مهموز. والاستقاء تكلف القيء، والتقيؤ أبلغ وأكثر .

وفي الحديث لو يعلم الشارب قائما ماذا عليه لاستقاء ما شرب .

وفي الحديث أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقاء عامدا فأفطر.

فصل الكاف: حرف الهمزة (كفا).

كافأه على الشيء مكافأة وكفاء : جازاه . والكفاء: النظير والمثيل .

وفي الحديث فنظر إليهم فقال من يكافئ هؤلاء .

فصل اللام : حرف الهمزة (لجأ).

لجأ على الشيء والمكان يلجأ لجأ ولجوأ وملجأ وألجأت أمري إلى الله : أسندت.

وفي حديث النعمان بن بشير هذا تلجئة فأشهد عليه غيري .التلجئة مفعلة من الإلجاء، كأنه قد ألجأك إلى أن تأتي أمرا باطنه خلاف ظاهره وأحوجك إلى أن تفعل فعلا تكرهه .

وكان بشير قد أفرد ابنه النعمان بشيء دون إخوته حملته عليه أمه .

فصل النون : حرف الهمزة (نسأ).

نسئت المرأة تنسأ نسأ : تأخر حيضها عن وقته وبدا حملها ، فهي نسء و نسيء والجمع أنساء ونسوء.

ونسأ الشيء ينسؤ نسأ وأنسأه أخره ، والإسم النسيئة والنسيء ، ونسأ الله في أجله وأنسأ أجله أخره .

وفي الحديث عن أنس بن مالك من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ في أجله فليصل رحمه . وقوله ينسأ أي يؤخر.

ومنه الحديث صلة الرحم مثراة في المال منسأة في الأثر .

وأنسأه الدين والبيع : أخره به أي جعله مؤخرا .

وفي الحديث إنما الربا في النسيئة هي البيع إلى أجل معلوم . يريد أن بيع الربويات بالتأخير من غير مقابض هو الربا وإن كان بغير زيادة .

فصل الواو: حرف الهمزة (وكأ).

توكأ على الشيء واتكأ: تحمل واعتمد فهو متكئ. والتكأة العصا يتكأ عليها في المشي. ورجل تكأة : كثير الاتكاء والتاء بدل من الواو وبابها هذا الباب. وقيل للطعام متكأ لأن القوم إذا قعدوا على الطعام اتكؤوا .

وقد نهيت هذه الأمة عن ذلك .

وفي الحديث لاآكل متكئا .المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا. ومعنى الحديث أني إذا أكلت لم أقعد متمكنا، فعل من يريد الاستكثار.

خاتمة :

بعد الاطلاع على مواقف اللغويين والنحويين من الاستشهاد بالحديث النبوي في مؤلفاتهم وأبحاثهم وبعد تقليب النظر في آراء القدامى منهم والمحدثين ، نستطيع أن نقرر أن الاستشهاد بالحديث النبوي كان حاضرا دائما على موائد النحويين ، ناهيك عن اللغويين الذين برعوا وتفننوا وأكثروا منه ، وهاهي ذي مؤلفاتهم ومعاجمهم اللغوية بشتى أصنافها خير شاهد على ذلك .

فقد احتج بالحديث النبوي الخليل الفراهيدي في معجمه “العين” و ابن فارس في معجمه “مقاييس اللغة” وابن سيده في معجمهالمحكم والمحيط الأعظم و الزمخشري في معجمه أساس البلاغة وابن منظور في معجمه لسان العرب” .

إلا أن استشهادات ابن منظور بالحديث على اللغة والمفردات المتنوعة فاقت سابقيه وزادت عليهم .

فقد كان ابن منظور يأتي بالحديث النبوي وبأقوال أمهات المؤمنين وأقوال أهل البيت والصحابة – رضي الله عنهم- لأجل الاحتجاج اللغوي وتثبيت المعاني المختلفة المرتبطة باللفظة نفسها ، بل تعدى ذلك إلى تناول الأحكام العقدية والفقهية المستنبطة من الحديث المحتج به وإيراد أقوال شراح الحديث بروايات الحديث المختلفة – إن وجدت -، وكان كثيرا ما يكرر الحديث تقريراً للمعاني اللغوية التي تحتملها اللفظة الواحدة.

وابن منظور يعتمد كثيرا في معجمه على مؤلف ” النهاية فيغريب الحديث والأثر لابن الأثير و يستشهد بالحديث على تفسير الألفاظ ، وعلى المعاني المجازية للحديث ، ويستطرد كثيرا .

إن الخلاصة التي يمكن القطع بها دون تردد ودون تحرج أن الحديث النبوي الشريف كان حاضرا دائما في استشهادات اللغويين والنحويين على مدار تاريخ الاحتجاج ، سواء في الأندلس أو المشرق في مختلف حواضر الشام ، وكان زخم هذا الاحتجاج في مؤلفات اللغويين آخذا في التصاعد عبر الزمن ، فيما كان حضوره في مؤلفات النحويين أقل من ذلك لاعتبارات موضوعية مرتبطة بسياقات اجتماعية ودينية .

الهوامش

(1) النهاية في غريب الحديث والأثر ج 1 ص 3.

(2) البيان والتبيين ج 2 ص 14.

(3) شرح صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ص 456.

(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري باب فضائل القرآن ص 620.

(5) البيان والتبيين ج 2 ص 15.

(6) هناك من المحدثين من جادل في ذلك مثل ابراهيم مصطفى وعبد الصبور شاهين ومهدي المخزومي وشوقي ضيف.

(7)  الاستشهاد بالحديث في اللغة ، مقال محمد الخضر حسين ، مجلة مجمع اللغة العربية 3/199.

(8)  انظر: أصول التفكير النحوي لأبي المكارم 141.

(9) أمالي للسهيلي ، ت محمد ابراهيم البنا .

(10) في أصول النحو، سعيد الأفغاني ، ص 44.

(11) انطر الحديث النبوي الشريف وأثره في الدراسلات اللغوية والنحوية ص 313.

(12) فجال ، 1997 م ص 100 .

(13)  انظر: المصدر السابق ص 170.

(14) انظر: الخزانة1/15.

(15) المصدر السابق1/14.

(16) نقلاً عن: دراسات في العربية وتاريخها لمحمد الخضر حسين .

(17) انطر ما سبق ذكره عن الخليل النحوي.

(18) كتاب العين .

(19) مرتضى الزبيدي(1145ه-1205ه) لغوي ومحدث وعالم بالرجال والأنساب، صاحب تاج العروس من جواهر

   القاموس.

(20) أبو غالب تمام بن غالب القرطبي ابن التياني ، روى عن الزبيدي وطائفة أخرى . كان إماما في اللغة ورعا خيرا له

  كتاب في اللغة لم يؤلف مثله اختصارا وإكثارا، توفي سنة 436 ه.

(21) السيوطي ، المزهر1/88.

(22) المزهر 1/78 . انظر مقدمة المحقق للجزء الأول منه ص7.

(23) كتاب العين 1/371 الجزء المحقق المشار إليه .

(24) تاريخ اللأدب العربي أحمد حسن الزيات ، دار المعرفة  بيروت  ص 274 275.

(25) المعجم العربي، حسين نصار 1/113.

(26) ياقوت الحموى نقلا عن علي بن فشال المشاجعي في كتابه  شجرة الذهب في معرفة أئمة الأدب .

(27)جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس ، محمد بن فتوح ، الدار المصرية للتأليف والنشر- القاهرة 1966م .

(28) وفيات الاعيان ، ابن خلكان ج3 ، دار الكتب العلمية بيروت .

(29) الأنساب للسمعاني.

(30) الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها ، منهج الإمام الصغاني في كتابه الموضوعات.

(31) قال ابن منظور عن مصادر معجمه الكبير: فمن وقف فيه على صواب أو زلل أوصحة أو خلل فعهدته على    

  المصنف الأول وحمده وذمه لأصله الذي عليه المعول فليعتد من ينقل عن كتابي هذا أن ينقل عن هذه الأصول  

 الخمسة  لسان العرب 1/8 .

(32) الزركلي خير الدين ، الأعلام ، ج 7 ط 15 بيروت دار العلم للملايين ص70.

(33) المعجم اللغوي التاريخي القسم الأول ص26.

(34) انطر الحديث النبوي الشريف وأثره في الدراسات اللغوية والنحوية ص 227- 228 .

(35) الخضر حسين محمّد، الاستشهاد بالحديث في اللغة ، المطبعة الأميريّةببولاق، 1355 ه1937 م، ص 197.

(36) كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي المرتب على حروف المعجم ، ترتيب وتحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوي ،

    دارالكتب العلمية  بيروت  لبنان.

(37) د. رحاب خضر عكاوي : الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري ، ص 67.

(38) الحديث في التهذيب 10/253 وفي اللسان (كفل ).

(39) ذكره أبو عبيدة في غريب الحديث 2/421.

(40) بنحوه في صحيح الجامع 6432.

(41) انطر صحيح الجامع 4594.

(42) الحديث في اللسان ( نبر) وفي التهذيب 15/215 ( إنا معشر قريش لا ننير ).

(43) الحديث في التهذيب 14/49.

(44) حسن بلفظ   ما أقفر أدم بيت فيه خل  انظر صحيح الجامع ج 5544.

(45) الحديث في مجمع الزوائد بنحوه 5/79 رواه أحمد بإسنادين والبزار وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح.

(46) النهاية 2/147 ومن حديث عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن عملرسول الله صلى الله عليه وسلم و عبادته

  فقالت كان عمله ديمة . والديمة المطر الدائم في سكون ، شبهت عمله مع دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر.

(47) الحديث في مجمع الزوائد 4/335 بنحوه وقال الحافظ الهيثمي : رواه البزار في الكبير والأوسط .

(48) مقاييس اللغة لأبي الحسن أحمد بن فارس بتحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون ، دارالفكر

     للطباعة والنشر والتوزيع طبعة 1399ه 1979م.

(49) في اللسان  مرة واحدة . وفي مادة جذى بمرة فقط . وصدر الحديث مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة هناك ومرة هنا وفي الأصل المجدية تحريف .

(50) في اللسان وإنما فعل لئلا يرتد إليه رشاش البول .

(51) وفي اللسان : وفي الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم فقال له : اعدل فإنك لم تعدل،

  فقال : يخرج من هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .

(52) في الأصل عند الجلد تحريف. وفي اللسان العقيقة : الذي يولد له الطفل،لأنه يشق الجلد.

(53) في الأصل عقيقة صوابه في المجمل واللسان.

(54) في اللسان ، قال أبو عبيدة : معنى قوله وللعاهر الحجر، أي لاجق له في النسب ، ولا جظ له في الولد ، وإنما هو لصاحب الفراش.

(55)هو حديث مالك بن مرارة الرهاوي أنه أتى النبي صلى الله ىعليه وسلم فقال إني أوتيي من الجمال ما ترى فما يسرني أن

 أحدا يفضلني بشراكي فما فوقها ، فهل ذلك من البغي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك من سفه الحق

 وغمص الناس . اللسان(غمص).

(56) تمامه في اللسان : حتى أستغفر الله في اليوم سبعين مرة .

(57) اعتمدت في استخراج هذه الأحاديث على كتاب معجم المحكم والمحيط الأعظم ابن سيده بتحقيق

     عبد الحميد هنداوي  الكتب العلمية بيروت – لبنان ، الطبعة 1399الأولى 1421ه 2000 م.

(58) صحيح : أخرجه أحمد وأبو داود , وانظر صحيح أبي داود ( ح 3895 ).

(59) أخرجه البخاري ( 3007 ) بغير هذا اللفظ .

(60) ذكره أبو عبيد في غريب الحديث ( 1/449 ) .

(61) الحديث في الكنز (41086) ، والنهاية (3/168).

(62) صحيح بنحوه في المسند (8998 ط . الشيح شاكر ) .

(63) أخرجه أحمد (2/291) بلفظ : ستأتي على الناس سنون خداعة .

(64) أخرجه أحمد بنحوه في المسند ( 2/539 ، 540) .

(65) أخرجه البخاري (5921) ومسلم (ح . 212).

(66) صحيح أحرجه أحمد والنسائي , وانظر آداب الزفاف ( ص 143 ).

(67) أخرجه البيهقي في الكبرى ( 6/152 ) ، وبنحوه في صحيح الجامع ( ح 7780) .

(68) أخرجه أحمد في المسند ( 6/31 ، 194 ) .

(69) ذكره أبو عبيد في غريب الحديث ( 202/2) عن ابن مسعود موقوفا عليه .

(70) أخرجه بنحوه البخاري ( ح 6912 ) وفي غيرموضع ، ومسلم ( ح 1710 ) .

(71) أخرجه مسلم في الفضائل ( ح 2339 ) .

(72) أخرجه البخاري ( ح 5265 ) وفي غير موضع .

(73) صحيح : أخرجه ابن أبي عاصم في السنة ( ح 400 ) .

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M