الوزير التوفيق.. والدعاة الخوارج والتكفيريون!!

هوية بريس – نبيل غزال
مجددا أثار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، غضب المتابعين والمختصين في المجال الديني بالمغرب.
السيد الوزير وبعد أن اتهم من يقبض في الصلاة ويمتنع عن زيارة الأضرحة بالتكفيريين، وبعد أن وصف من يعارض خطّته بتوحيد خطبة الجمعة بالمشوشين والمرضى، عاد مرة أخرى ليخرج بتصريح لا يقل خطورة، وذلك حين أعلن، خلال لقاء قبل أيام عن إحصائيات، الله أعلم بصحتها، وقال بأن 97% من الخطباء يلتزمون بالخطبة الموحدة إلا بعض “الخوارج”، معبرا بعدها بحركة تتوعد المعارضين والمتخلفين عن الالتحاق بركب المشروع الذي يبشّر به.
السيد التوفيق وخلال كلمته في حفل تنصيب رئيس المجلس العلمي الجهوي لمراكش آسفي، بدا غاضبا ومتسلطا جدا، إلى درجة جعلته يتخلى عن السلوك القويم والخطاب الديبلوماسي المعهود لدى الوزراء ورجالات الدولة.
فالوزير الوصي على الشأن الديني والذي سبق له أن قال في لقاء خاص جمعه بوزير الداخلية الفرنسي: “حنا علمانيون” و”لي بغا يدير شي حاجة كيديرها”، هو من اتهم من يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ويقبض يديه فيها بالتكفيريين!
وهو من صنف من مدَّ قول آمين عقب الفاتحة والخروج بتسليمتين من الصلاة وأنكر بناء المشاهد على قبور الصالحين في دائرة التكفيريين!
وهو من وصف خطباء وأئمة، ومنهم دكاترة وأساتذة ومثقفين، ممّن امتثلوا لتوجيه المجلس العلمي الأعلى بعدم الإلزام بالخطبة الموحدة، بالمشوشين والمرضى!
فالوزير الذي يتسامح مع غير المسلم لا يتسامح بالمرة مع إخوته في الملة والدين، فيصنفهم تارة في زمرة “المرضى”، وتارة في زمرة “المشوشين” وتارة في زمرة “الخوارج والتكفيريين”، وبالمناسبة فمصطلح “الخوارج” مصطلح شرعي له دلالات عميقة، من المفترض في الوزير الوصي على الشأن الديني أن يعلمها جيدا، ويكفي التذكير بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال عنهم: (كلاب أهل النار، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا)، فهل بات الوزير يكفّر من يخالفه في مسائل اجتهادية.. أم ماذا؟!
ومن خلال خرجاته الأخيرة يبدو أن الوزير لا يقبل بالمرّة من يناقشه في قراراته بله من يعارضها، من أجل هذا فهو يمارس الإقصاء والميْز، وسياسة ما أريكم إلا ما أرى، ومنهج من ليس معي فهو عدو لاختيارات الأمة والملّة والدين.. وهلم جرا!
واستصناما لهذه الأفكار؛ طرد التوفيق خيار خطباء المغرب وعلمائه من المنبر والخطابة، وحال دونهم وواجب التعليم والوعظ والإرشاد، ولم يلتفت بالمرة إلى الأصوات المنددة بسياسته، سواء من داخل البرلمان أو خارجه، وها هو اليوم ينتقل إلى مرحلة السرعة القصوى؛ ومن طور هيكلة الحقل الديني إلى عسكرته.
ولإحكام قبضته على هذا القطاع الحيوي وحَّد الوزير خطب الجمعة والعيد، وجعل من السادة العلماء والخطباء مجرد منفذين للأوامر، تالين لأوراق ترسل إليهم عبر البريد أو التطبيق الفوري “واتساب”، لا سلطة لديهم ولا عبرة باختياراتهم واقتراحاتهم وأقوالهم.
كما ضيّق، في مخالفة صريحة للقانون، على الكتاتيب القرآنية التي تقدم خدمة عظمى لهوية المغرب، فهدد مسيّريها بسحب رخص التحفيظ وتعويضها بإذن استثنائي يجدد كل ثلاث سنوات، ويمنح وفق شروط مجحفة وتعجيزية.
وعودا إلى مداخلة التوفيق خلال حفل التنصيب المشار إليه آنفا، فالعبارات التي استعملها تؤكد أن من يكتب أو يشرف على كتابة خطب الجمعة هو أحمد التوفيق نفسه، ويمكن الوقوف على هذا الأمر من خلال مقارنة عجْلى بين ما تلفظ به الوزير خلال اللقاء وبين النقطة الثالث العشر من خطبة الجمعة الأخيرة والتي ورد فيها بالحرف “العملُ بالسنة في الاقتصار على أخذ علم الدين من العلماء العدول أي غير المنتمين للأهواء، ولا سيما الذين يَدْعون عبرَ شبكات التواصل لغرض غير وجه الله؛ لأن من يدعو لوجه الله لا يخرج عن ثوابت أمته المحروسةِ بالعلماء الضامنةِ لأمنها الروحي والفكري والاجتماعي”.
بقي أن أشير إلى أن السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يستعمل هذا الخطاب الحدِّي الموغل في إقصاء الآخر والسعي إلى تحييده، في وقت حَرج تسعى فيه جميع الأطراف إلى البحث عن توافقات وأرضية مشتركة تسع الجميع، وتحفظ مصلحة الوطن الذي تتهدّده مخاطر كبيرة وترفع في وجهه تحديات جسيمة.
المغرب؛ شعبا ونظاما لم ولن يقبل يوما بهذا الخطاب الفوقي الذي يلغي الآخر ويتهم نيات العاملين والصادقين بأنهم “أهل الفتن باعوا أنفسهم للشيطان”!!!
يا ليت السيد الوزير ينزل من برجه العالي ويخرج من مكاتبه المكيفة، ليخالط المغاربة ويَخبر واقعهم.. سيتفاجأ بأن معظم المغاربة لا يتابعون إنتاجات وزارته ومخرجات المؤسسات التابعة له، وكي يقف على هذه الحقيقة يكفيه أن يدخل على قناة وصفحات وزارته على شبكات التواصل الاجتماعي، وتفاعل المواطنين مع خرجاته وتقييمهم لسياسته.
يجب أن يدرك السيد الوزير بأن من يتهمهم اليوم بالتشويش والخروج عن ثوابت الأمة، ومن يصفهم -دون وازع أخلاقي- بالخوارج، يدخلون -شاء أم أبى- ضمن من يؤطر نصيبا كبيرا من المواطنين المغاربة داخل أرض الوطن وخارجه، وهم من لهم الشعبية على أرض الواقع ويعملون ليل نهار للحفاظ على ثوابت وهوية واستقرار هذه الأمة.
فليس بتحريف النصوص الدينية وتوظيفها توظيفا سياسويا سيتم التلبيس على المغاربة بأن من يمارس الدعوة ويدرِّس العلوم الشرعية خارج إطار مشروع التوفيق هو من الغالين أو المبطلين أو الجاهلين.. الساحة تسع الجميع وفي الميدان تتجلى مصداقية البرامج والمشاريع ويتبين المحق من المبطل.
وعلى العموم مازال المغاربة إلى حدود الساعة ينتظرون ما بشّر به الوزير في مشروع خطة تسديد التبليغ؛ فقد مرت سنة ولم نر عملا على أرض الميدان سوى شعارات جوفاء، وقتلا ممنهجا لخطبة الجمعة، وإغلاقا للمساجد بدعوى إصلاحها، وتضييقا ومزيدا من التضييق على العاملين تحت سلطته في ظروف حاطَّة بالكرامة الإنسانية..