بؤس الثقافة أو ثقافة البؤس

04 سبتمبر 2025 19:08

بؤس الثقافة أو ثقافة البؤس 

هوية بريس – إبراهيم الناية
 عندما يختل مفهوم الثقافة والهوية داخل البناء الاجتماعي وتسود التجاذبات، يحاول كل شخص أن يقدم رؤيته التي يعتقد أنها قائمة على التوازن ويسعى إلى توظيف مجموعة المفاهيم التي تخدم غرضه ووجهة نظره، بقطع النظر هل هي فعلاً صحيحة أم لا ؟ وقد يطغى عليه العماء الإديولوجي الذي يحجب عنه نور الحقيقة ويجعله مجانباً للصواب ، رغم ادعائه الموضوعية والعقلانية.
 وقد تنتشر كثير من الآراء في مجتمعاتنا تدعو إلى حرية الرأي والتعبير، وهو أمر محمود إذا كان يتمتع به الكل، ولكن أية حرية وأي تعبير؟ وقد ترتبط هذه الدعوة في إطارها الصحيح عندما يسود الوعي الذي يدعو إلى تحرير الإنسان من الظلم والعبودية، وشعوره بوجوده كإنسان له حقوق وعليه واجبات ويريد ممارسة وجوده في إطار خدمة الوطن الذي يعيش فيه، ولكن عندما تتحول دعوة حرية التعبير إلى وعي شقي يهدف إلى بث الشكوك في معتقدات الناس وديانتهم فالأمر أصبح سالبا لمفهوم حرية الرأي والتعبير.
 إن رفض المعتقدات في الغرب منذ أيام عصر النهضة مرتبط بمواقف الكنيسة وتحالفها مع الإقطاع والتنكيل برجال العلم والأدب، ولكن هذا الأمر منتفي في المجتمع الإسلامي، ولذلك إن رفض المعتقدات في مجتمعاتنا الحالية مرتبط باستراتيجية استعمارية وصهيونية تهدف إلى تخريب المجتمعات من الداخل من أجل السيطرة عليها، ولأجل ذلك وظّف الاستعمار الغربي مجموعة من الأدوات من أجل التحكم، وكأن المعتقدات هي المعطل لكل إنجاز علمي أو مجتمعي. فعندما ترى موجات الإلحاد أو الاستهزاء بالمعتقدات من قبل فئات ليس لها تكوين معرفي أو مشروع مجتمعي تتوخى تحقيقه أو ترفع شعار تحقيق العدالة الاجتماعية ورفض الظلم والحيف فقد يتيقن الإنسان أن هدف مثل هؤلاء الناس هو الطعن في المعتقدات ليس إلا، وما المناداة بحقوق الإنسان إلا وسيلة للدفاع عن المثليين وزنا المحارم والأمهات العازبات. صحيح إن على الإنسان أن يعبر عن أفكاره وتصوراته بكل حرية ولكن الحرية مسؤولية و التزام، فالإنسان ينتقد الأنظمة الاقتصادية ومشاريعها والأداء السياسي للمسؤولين وكذلك الهفوات التي قد تطرأ في المنظومة التعليمية أو الدفاع عن حق الإنسان في التعليم والصحة، وأن يدافع الإنسان عن المظلومين وينتقد المعتدين وينادي بتقسيم ثروة خيرات الأرض التي يعيش عليها، وأن يكون له الحق في التكوين والانخراط في المنظمات السياسية وأن يتمتع الإنسان بالمحاكمة العادلة. ولكن عندما يكون همه الأكبر هو الترويج للرذيلة والدفاع عن عقلية الإنحلال وانتقاد معتقدات الناس وديانتهم واتهامها بأبشع النعوت، فهذه ليست حرية تعبير وإنما أصبح هؤلاء أدوات وظيفية يؤدون مهمات كلفوا بها، ويتوخون من خلالها تفتيت بنية المجتمع. فهؤلاء لا يدعون إلى تحرير الإنسان من الرق والعبودية والاعتراف له بالكرامة الإنسانية، ولذلك إن الفضائح الأخلاقية التي أصبحت تنتشر داخل المجتمع جاءت نتيجة الدعوات الإباحية التي تتبناها بعض الجهات التي تسعى إلى تخريب المجتمع من الداخل وهدم بنيته. فعندما تتباها الأنثى بممارسة الرذيلة، وهي والحالة هذه تعتبر نفسها بطلة ولكنها لم تتفطن أنها أخرجت ذاتها من دائرة الإنسانية لأن خلق الإنسان قائم على مبدأ التكريم والشعور بالمسؤولية والارتقاء عن مستوى البهيمية، لأن هذه الممارسة القائمة على التلقائية هي سلوك بهيمي بالأساس، والذي يدعو إلى الرذيلة ويعتبرها شغله الشاغل لم يكن في يوم من الأيام في مقدمة تحرير الأوطان أو تحقيق مشروع العدالة الاجتماعية، لأن الله لا يقيد لتحقيق الحق والعدل إلا خيرة الناس. والغريب أن من هؤلاء الناس يتحدث وكأنه المالك للحقيقة أو البديل الأوحد لحركة التاريخ، ولم يعلم أنه لو عرضت أفكاره على ميزان العلم لوجد نفسه خارج دائرة منطق العقل والعلم. فبالثقافة البانية والإيمان والعلم والمعرفة تنهض الشعوب، ولذلك يتساءل بعض الناس عن موقف المثقفين ودورهم في نشر الوعي ومعالجة كثير من القضايا التي تلقي بظلالها داخل المجتمع لأنه من المفترض أن يكون المثقفون مجسدين لمعنى الثقافة وحاملي رسالة القيم والمبادئ وأن يكونوا الطليعة التي تدعو إلى قيام النهضة وبناء مجتمع الفضيلة والحرية. فرسالة المثقف أن يكون دائما منحازا إلى قضايا الشعوب التي تطمح في الحرية والاستقلال وبناء الذات وتحقيق العدل والمساواة، اما ان يصبح المثقف أحد أدوات الدعاية للفساد وتبييض وجوه الظالمين فقد وضع نفسه خارج خانة الثقافة، لأن الثقافة لا تحتمل خيانة رسالة الحرية وفي لحظة تاريخية معينة من الماضي ما كان يخطر على البال أن تجد شخصا ينتمي إلى عالم الفكر والثقافة يقف إلى جانب الظلم والظالمين ويؤيد الاحتلال ويحمل اديولوجيته البغيضة.
 وقد قال احدهم يوما : نأسف لليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر.
آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
9°
15°
السبت
16°
أحد
17°
الإثنين
17°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة