بنكيران: لعبة ترمب القذرة

06 فبراير 2025 15:34

هوية بريس – د. رشيد بن كيران

إذا كانت فكرة التهجير القسري لسكان قطاع غزة تبدو شبه مستحيلة، نظرا لرفض الغزيين أنفسهم لها، إلى جانب رفض الدول المقترحة لاستقبالهم، بل وحتى رفض معظم القوى المؤثرة في المشهد العالمي، فإن من يروّج لهذه الفكرة يدرك تماما استحالة تنفيذها. وبالتالي، يبقى السؤال:

ما الغرض الحقيقي من طرحها؟

الأرجح أن الأمر ليس سوى تكتيك تفاوضي قائم على الابتزاز، يهدف إلى تحقيق مطلب آخر، يبدو للوهلة الأولى أقل تطرفا من التهجير القسري الجماعي، لكنه في الواقع مطلب خطير وممكن التوقيع وفق رؤية من يقف وراء الفكرة.

يتمثل هذا المطلب، في ظني، في إرغام الدول العربية على تحمل تكاليف الحرب، أو بمعنى أكثر دقة، إلزامها بتغطية الخسائر الهائلة التي تكبدتها إسرائيل، سواء من حيث نفقات الحرب، أو تدهور اقتصادها، أو حتى إعادة إعمار ما دمرته في قطاع غزة. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يشمل أيضا تصفية المقاومة المسلحة في القطاع عبر إبعاد عناصر حماس ورجال المقاومة خارج غزة، أي تهجيرهم منها.

إنه تهجير من نوع آخر، أي تهجير انتقائي لا يستهدف جميع السكان بقدر ما يستهدف ما بقي من رموز المقاومة وعقيدتها، بالتوازي مع استنزاف الأموال العربية لصالح إسرائيل. وهكذا، تتحول الفكرة من تهجير مدني للسكان إلى تهجير سياسي وعسكري للمقاومة، مع تحميل العرب الفاتورة كاملة.

إذا نجح هذا المخطط الملعون، فإن إسرائيل ستتمكن من تحقيق مكاسب استراتيجية كبرى دون أن تتحمل تبعات حربها وحدها، إذ ستحمل الدول العربية قسطا كبيرا منها، وهو ما يعني عمليا تخفيف الضغوط الاقتصادية على إسرائيل. أما إخراج المقاومة من القطاع، فسيؤدي إلى تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، مما يمنح إسرائيل تفوقا أمنيا دائما، ويجعل أي مقاومة مستقبلية أكثر تعقيدا وأقل تأثيرا، ولربما تحت إدارة فلسطينية شكلية ولكن بقبضة أمنية إسرائيلية غير مباشرة، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني بالكامل.

أما إذا فشل هذا المخطط، فستبقى غزة كما هي ساحة مواجهة مفتوحة، وستظل المقاومة قائمة، وهو ما يعني استمرار التحدي الأمني والعسكري لإسرائيل. كما أن الدول العربية، إذا رفضت دفع تكاليف الحرب (نفقات الحرب الكبيرة، وتدهور الاقتصاد الإسرائيلي) ، ستعزز موقفها السياسي إقليميا، وستترك إسرائيل تواجه تداعيات حربها وحدها، مما قد يؤدي إلى تصاعد الضغوط الدولية عليها، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي.

في كلتا الحالتين، يبقى السؤال الأهم:

إلى أي مدى يمكن للحكام العرب أن يدركوا طبيعة هذا الابتزاز، ويتعاملوا معه وفق رؤية استراتيجية تحمي المصالح الحقيقية للوطن العربي ومصالح الشعب الفلسطيني، بدلا من الرضوخ لسياسات فرض الأمر الواقع؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
15°
15°
الإثنين
15°
الثلاثاء
17°
الأربعاء
17°
الخميس

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M