بين مطاردة المصلحين ورعاية الفاسدين: أين تذهب هذه الأمة؟

هوية بريس – إبراهيم سهيل
يا لله العجب! تُخنق الكلمة الصادقة في صدور أهلها، ويُضيّق على الدعاة والمربين، وتُكمّم أفواه المصلحين بحجج واهية، ويُلاحق أهل العلم والبيان وكأنهم هم الخطر الداهم على أمن الوطن وسلامة المجتمع، ثم تُفتح أبواب المسارح على مصاريعها، ويُنادى على الفجور في الطرقات من كل صوب، وتُهدر أموال الأمة في الفسق المنظّم، ويُستقدم أهل المجون والرقص والغناء وتُفرش لهم الأرض، وتُقام لهم المهرجانات تحت حراسة القانون ورضى المسؤولين، كأنما الأمة لم تعرف الفقر ولا البطالة ولا المدارس المتهالكة ولا القرى التي تشكو العطش والجوع.
يا قوم، بأي ميزان توزن الأمور؟! يُحاصر المعروف باسم النظام، ويُعزّز المنكر باسم الحرية، وتُكمم دعوة الإصلاح بحجة التطرف، ويُروّج الفساد تحت لافتة الانفتاح، ويُمنع الناس من إحياء سنة أو تعليم آية، ثم يُنفق على مهرجانات الفجور من بيت مال المسلمين، وتُسلَّط الأضواء على من يُفسد الذوق والعقل والروح، ويُقال بعد ذلك: إنها التنمية والثقافة والحضارة!
أي حضارة هذه التي تبدأ من أسفل القدم؟! أي حداثة هذه التي تمزق الحياء وتقتل الحشمة وتستخف بثوابت الأمة؟! ومنذ متى كان الغناء سُلّماً للرقي، والرقص طريقاً للتحضر؟! أما قرأ هؤلاء التاريخ؟ أما وعَوا سنن الله في القرى حين فشا فيها الترف، وتقدّم فيها الفجور، وسكت فيها أهل الحق، أو أُسكتوا؟!
إن الله لا يعذّب الأمة وفيها من يقول كلمة الحق، أما إذا غُيّب هؤلاء، أو صُرف الناس عنهم، أو جُعلوا في آخر الصفوف، وتقدّم السفهاء يتكلمون باسم الشعب، ويمثّلون الوطن، ويخطبون في المحافل، ويُغنّون على المنصّات، عندها يُخشى أن يعمّ العذاب.
فيا من يملكون القرار، ويا من بأيديهم الكلمة والنفوذ، اتقوا الله في هذا البلد، فإن الله يغار أن يُعلن في أرضه الفجور، وأن يُداس شرعه باسم الفن، وأن يُحارب أهل الإصلاح ويُستقبل أهل الإفساد بالتصفيق والتكريم.
اللهم إنّا نشهد أن هذا منكر، وأنه لا يُرضيك، وأننا لا نرضى به، ولا نسكت عنه، فلا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وقيّض لهذه الأمة من يردّ عنها غوائل الشر، ويطفئ عنها نيران الفتنة، ويقيم فيها ميزانك القسط.