تجديد النظر في مفهوم “السلطة”

هوية بريس – د.ميمون نكاز
مفهوم “الملأ” أصلي في تفسير نوازل الدولة والمجتمع، ولقد عجبت للراغب في مفرداته كيف قال: (الملأ جماعة يجتمعون على رأي، فيملؤون العيون رِواء ومنظرا، والنفوس بهاء وجلالا.)، بل -بحسب العرف الاستعمالي في الوحي الشريف- لا يملؤون العيون البصيرة إلا حقارة وسفالة، ولا النفوس الشريفة إلا كراهية واشمئزازا وبغضا….
أقول: الملأ لا يرد ذكرهم في أغلب مواقع الوحي الشريف إلا في سياقات الذم وبيان آثارهم العدوانية على الحق وأهله، إنهم “جمع بنيوي تركيبي” يتشكل في غفلة من الحق والعدل وقوانين الرقابة والمحاسبة والزجر، يتسللون إلى مواقع النفوذ والتأثير والتحكم والسيطرة…فيملؤون “فراغات الدولة والمجتمع”، وتبدأ بِكُتلة تَمالُئٍهم عواملُ الهيمنة والتحكم والإفساد في الاشتغال…بسلطان المال يضعفون “سلطة الدولة” ويخترقون أجهزة الممانعة فيها، لأنها يد الحق الآخذة على أيادي الظلم والفساد في أوضاعها الوظيفية الطبيعية، أخص بالذكر منها “المؤسسات التدبيرية العليا” في البلاد، على الأخص منها ما له علاقة بمحتكرات الاقتصاد والطب والتعليم وبسلطة الإعلام، ولا يكتمل مشروع الإفساد إلا باختراق “سلطة القضاء”، لأنه “حصن الاحتماء” من المساءلة والمحاكمة…
“الملأ” كتلة وظيفية تتسلل -جميعا وأشتاتا- بالمال أساسا وبكل الوسائل المتاحة للوصول إلى “السلطة” في مبانيها التدبيرية المؤثرة، وذلك بقصد واحد ولغرض أوحد، هو “خدمة مصالح المجموعة السائلة في مرافق الدولة والمجتمع” و”حماية مشاريع الفساد”…
هذه بعض نصوص الاهتداء من الوحي الشريف:
{قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين} [الأعراف66].
{قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا، قال أو لو كنا كارهين}[الأعراف88].
{ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}[الأعراف103].
{وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك، قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، وإنا فوقهم قاهرون}[الأعراف127]. انظروا إلى كيفية استعداء السلطة على دعوات الحق، وانظر إلى أثر الملأ على قرار السلطة…
{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}[يونس88].
بهذا الدعاء نختم ضرب الأمثال من الوحي الشريف…وشجون الحديث في معضلة “الملأ” ليس هذا منتهاها، خصوصا في شأن العلاقة بين “الملأ الوطني” والملأين الآخرين، أقصد الإقليمي منهما والدولي الأممي…